رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

هل حقا لا يمكن زيادة معدل الإدخار؟

معدلات الادخار فى مصر يندى لها الجبين. معدلات الادخار الحالية تدور حول 6% من الناتج المحلى الإجمالي، فى حين تصل إلى أكثر من 28% فى الدول التى تماثلنا (الشريحة الدنيا من الدول متوسطة الدخل) وإلى نحو 17% فى الدول الفقيرة. بيان الحكومة يستهدف تعبئة مستوى متواضع للادخار لا يتجاوز معدله 9% - 10%، فى تسليم غريب ببقاء الأمور على حالها، ودون أى طموح حقيقى ولو إلى التساوى مع معدلات الادخار فى الدول الفقيرة!

معدلات الادخار الحالية والمستهدفة لا تكفى بالقطع لتنفيذ الاستثمارات الهائلة المطلوبة لتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين من مياه نقية وصرف صحى وكهرباء ووسائل نقل وطرق ومستشفيات ومدارس، كما لا تكفى بكل تأكيد لتمويل المشروعات الإنتاجية القادرة على رفع مستويات التشغيل ومعدلات النمو وإحداث نقلة حقيقية فى مستويات المعيشة. الحكومة تستهدف تحقيق معدل متواضع للاستثمار يتراوح بين 18% - 19% . و الكارثة أن مدخراتنا المحلية لا تكفى حتى لتمويل تلك الاستثمارات المتواضعة. برنامج الحكومة يعتمد فى سد الفجوة بين الاثنين على اللجوء إلى التمويل الخارجي، سواء كان فى شكل قروض أو استثمارات أو تدفقات رؤوس أموال فى البورصة. والسؤال الملح هو هل فعلا لا يمكن رفع وتعبئة معدلات أعلى للادخار فى مصر؟

مبدئيا لا بد وأن نذكر بأن المدخرات فى أى مجتمع هى نتاج كل من مدخرات المواطنين الأفراد، ومدخرات المشروعات المختلفة فى قطاع الأعمال، ومدخرات الجهاز الحكومي. فإذا بدأنا بمدخرات المواطنين فى مصر نجد أنها تمثل وفقا للبيانات الرسمية نحو 82% من إجمالى الادخار المحلى الإجمالي، و تشكل المصدر الرئيسى لتمويل النشاط الاقتصادى وتمويل عجز الموازنة العامة. المؤكد أن هناك فرصة كبيرة لرفع معدلات تلك المدخرات. لا يمكن التعلل بارتفاع نسبة الفقر، ليس فقط لأن بيانات الدول الفقيرة تنفى ذلك، ولكن أيضا وهو الأهم، لأن بياناتنا الرسمية توضح أن إجمالى المدخرات فى دفتر توفير البريد، والتى تم إيداعها من عامة الشعب فى القرى والنجوع والشريحة الدنيا للطبقة المتوسطة فى بر مصر، تصل إلى نحو 150 مليار جنيه بالتمام والكمال. أى أن البسطاء فى مصر يعرفون قيمة القرش الأبيض فى اليوم الأسود.. يحتاطون للزمن، فى حدود إمكاناتهم، ويدخرون.

نحن بالتأكيد فى حاجة ملحة لسياسة تربوية وتعليمية وثقافية وإعلامية تعيد الاعتبار لفضيلة التدبير والاقتصاد فى الإنفاق، لدى شرائح السكان الأعلى دخلا. ومع ذلك أتصور أن هناك فرصة كبيرة لتعبئة مدخرات المواطنين واجتذابها للجهاز المصرفى كى تكون متاحة لتمويل النشاط الاقتصادى والتوسع فى الاستثمار. نقطة البدء هى الحفاظ على معدلات موجبة لأسعار الفائدة على الودائع تكفل للمواطنين الحماية من خطر تآكل القيمة الحقيقية لمدخراتهم بفعل التضخم، والتوسع فى فتح وحدات للبنوك فى القرى والتجمعات السكانية التى لا تتواجد فيها خدمات مصرفية، وتطوير آليات اجتذاب المدخرات الصغيرة بدءا بالشبكة الضخمة لمكاتب البريد التى تغطى سائر أنحاء الجمهورية وبنك ناصر الاجتماعى وبنوك القرى التابعة لبنك التنمية والائتمان الزراعي، فضلا عن إيجاد الآليات والأوعية الادخارية المناسبة لاجتذاب مدخرات المصريين العاملين فى الخارج. كما يمثل مد مظلة التأمينات الاجتماعية لتشمل من يعملون فى القطاع الخاص دون عقود قانونية أحد الآليات الرئيسية لزيادة الادخار الإجبارى ورفع معدل ادخار الأفراد.

على صعيد آخر تتمثل مدخرات قطاع الأعمال فى الجزء الذى تحتجزه المشروعات والهيئات الاقتصادية المختلفة من أرباحها السنوية كى يتم استخدامه فى تمويل توسعاتها الاستثمارية . هذه المدخرات تمثل ما لا يتجاوز 18% من إجمالى الادخار فى مصر. رفع معدلات ادخار قطاع الأعمال يتطلب بالطبع تشغيل المشروعات المتوقفة عن العمل والمشروعات التى تعمل بأقل من طاقتها الكاملة، كما يتطلب رفع كفاءة وتنافسية المشروعات لتكون قادرة على تغطية نفقاتها وتحقيق أرباح يعتد بها. إلا أن هذا وحده لا يكفل زيادة مدخراتها. الأمر يتطلب بالضرورة الاحتفاظ بجزء معتبر من تلك الأرباح وعدم توزيعها على المساهمين وأصحاب المشروعات. يتعين إلزام المشروعات بالاحتفاظ بأكبر جزء ممكن من الأرباح المحققة كى يتم إعادة استخدامها فى الاستثمار، سواء تعلق الأمر بالمشروعات العامة أو بمشروعات القطاع الخاص.. وسواء تعلق الأمر بالمستثمر المحلى أو الأجنبي.

أما فيما يتعلق بالمدخرات الحكومية فإنها ببساطة سالبة! إيرادات الحكومة لا تكفى لتغطية مصروفاتها، والموازنة العامة تعانى من العجز. تغطية ذلك العجز تعتمد على استخدام جزء من مدخرات القطاعات الأخري، وهو ما يؤدى إلى الانتقاص من معدل الادخار المحلى الإجمالى ككل. باختصار شديد.. رفع معدل الادخار فى مصر يتطلب تخفيض عجز الموازنة العامة. يجب الكف عن كل مظاهر البذخ الحكومي، وهى كثيرة. يجب تعديل السياسة الضريبية ليكون لدينا هيكل ضريبى تصاعدى تتحمل فيه فئات الشعب المختلفة العبء الضريبى الذى يتناسب مع قدراتها ومع ما تحصل عليه من مزايا. يجب العودة لتطبيق الضريبة على الأرباح الرأسمالية للمتعاملين فى البورصة، وتطبيق ضريبة لمرة وحدة ولو بنسبة 10% على الثروات التى تزيد على 10 ملايين جنيه. يجب إصلاح ورفع كفاءة الجهاز الضريبى لتحصيل المتأخرات وغلق منافذ التهرب.

ليس لنا من بديل عن رفع معدلات ادخارنا وتعبئة كل مواردنا إذا أردنا إنجاز أى تنمية حقيقية لبلادنا . عار علينا إن لم نفعل.


لمزيد من مقالات د. سلوى العنترى

رابط دائم: