قضية إيجار المساكن القديمة ، قضية شائكة وخطيرة ، فهى تمس ملايين المواطنين من أبناء الشعب المصرى الكادحين ، ومجرد النقاش حولها يجعلك تخوض فى حقل ألغام، فهى قضية قديمة ولكنها متجددة باستمرار، وقد طالبنى الكثيرون من قراء هذا الباب بفتح النقاش حولها ، ملاكا ومستاجرين.
ولكنى فضلت إرجاءها لحين عقد مجلس النواب صاحب السلطة التشريعية فمطلوب من البرلمان النظر بعين الاعتبار لهذه القضية المزمنة ، لوضع تشريع أو تعديل تشريعى لتلافى عيوب الترقيعات السابقة ، ويراعى العدالة الاجتماعية بين ملاك ينتظرون عائدا لأملاكهم يتناسب مع ظروف العصر، ومستاجرين لاينتظرون زيادة معاناتهم الحياتية ، وبين هذا وذاك فئة تضرب بالقانون عرض الحائط ، وترى أنه غير منصف ، فهل نشهد تشريعا يعيد السلام الاجتماعى بين ملاك ومستأجرى العقارات القديمة ..؟
المستشار جميل قلدس بشاى الرئيس بمحكمة أستئناف القاهرة سابقا ، يقول: هذه القضية تحتاج لنقاش مجتمعى عميق ومتأن ، فضلا عن أنه على مجلس النواب صاحب السلطة التشريعية الإحاطة الكاملة بما قرره وأصدره المشرع المصرى ، من تشريعات وقرارات فى سبيل الحفاظ على تحسين أوضاع أصحاب العقارات القديمة ، بحيث تكون هذه التشريعات تحت بصر نواب الشعب ، وكذلك جميع الأحكام التى صدرت بعدم الدستورية للعديد من مواد قانون إيجار الأماكن للخروج بقانون متوازن يحقق العدالة المفقودة ، ويضيف المستشار جميل أن المحاكم قامت بدور كبير لمساعدة اصحاب العقارات القديمة ، فقد سبق لى أن قررت إحالة نص المادة – 29- من القانون رقم 49- لسنة 1977 للمحكمة الدستورية العليا ، عندما كنت رئيسا بمحكمة أستئناف القاهرة ، وذلك فيما نصت عليه بامتداد عقد الايجار لأقارب المستأجر الاصلى نسبا حتى الدرجة الثالثة،
عدم الدستورية
وقد قضت المحكمة بعدم دستورية عقد الايجار لأقارب المستأجر الأصلى مصاهرة ، وأصبح نص المادة -29- من القانون رقم 49- لسنة 1977 – قاصرا على امتداد عقد الايجار للزوجة والاولاد والوالدين ، ثم أصدرت المحكمة الدستورية حكما آخر بعدم دستورية المادة – 29- فقرة -3- من القانون 49 لسنة 1977 ، وأصبح عقد الايجار لايمتد الا لمرة واحدة فقط ، منذ نشر الحكم فى 14 نوفمبر -2002 ، ونتيجة صدور هذه الأحكام الدستورية قضت المحاكم باخلاء العديد من المساكن وإعادتها لاصحابها ، كما صدر القانون رقم -6- لسنة 1997- والذى نص على زيادة إيجارات الأماكن غير السكنية ، فنص فى المادة الثالثة بأن تحدد الأجرة القانونية للعين المؤجرة لغير أغراض السكنى المحكومة بقوانين ايجار الأماكن بثمانية أمثال الأجرة القانونية الحالية للأماكن المنشأة قبل أول يناير -1944- وخمسة أمثال الأجرة القانونية للأماكن المنشاة من أول يناير1944- وحتى 4 نوفمبر 1961 - ..الخ ، ونتيجة لذلك أصبح أيجار المكان الذى يمارس فيه المستأجر حرفة أو تجارة حوالى 120 جنيها أو يزيد بدلا من 4 جنيهات فقط قبل ذلك ، كما ان ما أصدرته المحكمة الدستورية العليا من احكام بعدم الدستورية أدى لاخلاء العديد من الوحدات ، فبعد أن كان المؤجر يلتزم بان يقوم بتأجير الوحدة الخالية بايجار المثل ، راى المشرع تعويض اصحاب العقارات القديمة والجديدة ، فاصدر القانون رقم -4- لسنة – 1996- بشأن سريان أحكام القانون المدنى على الاماكن التى لم يسبق تأجيرها ، والأماكن التى انتهت أو تنتهى عقود أيجارها دون أن يكون لاحد حق البقاء فيها ، وترتيبا لذلك فإنه فى حالة اخلاء شقة واحدة بعقار ما ، فإن صاحب العقار يستطيع أن يفعل كما يشاء طبقا للقانون المدنى فيبيعها بمئات الآلاف من الجنيهات ، وهذا يعتبر أكبر تعويض للمالك الذى سبق وأن قام بشراء المبنى باكمله ، ببضعة آلاف من الجنيهات ، كما يستطيع أن يؤجرها بمبالغ كبيرة طبقا للقانون رقم – 4- لسنة 1996- ولمدة محددة ، ولايفوتنا التنويه الى ما حصل عليه اصحاب العقارات من اموال –فى صورة – خلو رجل- .
مراعاة المالك والمستأجر
ويختتم المستشار جميل قلدس رؤيته القانونية كقاض سابق ساهم فى تحريك المياه الراكدة فى بحر " العقارات القديمة " بانه يجب على مجلس النواب الاحاطة بجميع هذه القوانين والاحكام التى حققت قدرا كبيرا من العدالة بين طرفى القضية ، مشيرا لضرورة مراعاة المستأجر البسيط والفقير ، بحيث لا يهبط مستواه من الطبقة المتوسطة الى طبقة المعوزين والمحتاجين ، وايضا لايكون هذا على حساب اصحاب العقارات الذين اشتروا هذه العقارات القديمة باسعار بسيطة ، والشهر العقارى يشهد بذلك ، فكان العقار مثلا بمنطقة مصر الجديدة لايزيد عن ثمانين ألف جنيه حتى فترة الثمانينيات ، ومع ذلك فأرى أن تكون الزيادة فى حدود معقولة ، بحيث لاتؤدى لارهاق اصحاب المعاشات أو ذوى الدخول المتواضعة ، مع التنويه بأن صيانة العقار بأكمله مع ما يلزم ذلك من ادوات ومعدات يتحملها المستاجر نفسه بدلا من المالك .
رابط دائم: