رئيس مجلس الادارة
أحمد السيد النجار
رئيس التحرير
محمد عبد الهادي علام
من الصعوبة بمكان إنكار وجود حالة من التشوش السياسى والقلق الشعبى حول المستقبل انطلاقا من صعوبات التعامل مع مجريات الحياة اليومية، وبما يجسد شعورا شعبيا بأن لا شىء تغير إلى الأفضل رغم ثورتين كبيرتين يفترض أنهما يدفعان البلاد إلى مسار مختلف. وفى ظل حالة التشوش هذه نلمح من يتحسر على تحالف 30 يونيو الذى اختفى ولم يعد له وجود. ويزيد آخرون بأن الثورة سرقت مرتين؛ الأولى بواسطة الإخوان، والثانية بواسطة قوى تقليدية على صلة بدولة مبارك القديمة. ويستعد فريق ثالث لتغيير قريب ليس له مقدمات منظورة إلا لأصحاب تلك الفكرة الافتراضية. ويعتقد فريق رابع أن مصر تسير على الطريق الصحيح رغم العقبات والتحديات. وأخيرا يفسر البعض حالة التشوش السياسى الراهنة لدى الرأى العام بسبب غلبة التحركات الدعائية على التحركات التنظيمية القائمة على شروط النجاح الثلاثة لأى تحول تاريخى كبير، وهى الاستعداد الفكرى والقيادة الملهمة والتأييد الشعبي. حالة القلق بشأن المستقبل مشروعة تاريخيا وحضاريا، وهى نتاج طبيعى للحظات المصيرية الى تمر بها الأوطان والأمم. ومصر ليست استثناء من تداعيات التحولات الكبري، بل هى إثبات لها. وما يفرق بين أمة وأخرى هى الطريقة التى يتم بها التعامل الجمعى مع متطلبات التحول؛ فإما تعامل فوضوى عشوائي، وإما تعامل منظم يخضع لترتيب الأولويات وحشد الموارد والتدرج فى التنفيذ. والواضح أن كل القوى السياسية وكل مكونات المجتمع السياسى من نخبة ونشطاء ومسئولين تنفيذيين لم يخرجوا بعد من دائرة العمل المرتبك الفاقد للأولويات الواضحة التى يمكن تسويقها سياسيا للشعب، وفى أحسن الأحوال هناك من يجاهد ويجتهد من أجل الوصول إلى حالة العمل المنظم ولكنهم متعثرون. ورغم أن الدستور الذى ارتضاه الشعب ويمثل الوثيقة التى يفترض أنها تحقق التوافق المجتمعى بشأن كيفية تصريف شئون الدولة وصون الحريات وتعميق الحقوق وحماية الوطن، نجد حالة جدل غير مبررة حول ثنائية تطبيق الدستور مقابل تعديل بعض مواده، وبما يثير الكثير من البلبلة لدى الرأى العام، خاصة أن الأصل فى إجازة أى دستور هو أن يُطبق ما دام نال تأييد الشعب، لا أن يُطالب بتعديله ولم تظهر بعد نتائجه فى الواقع. مثل هذه الثنائية ليست سوى أحد مظاهر التشوش السياسى السائدة، مثلها مثل الحديث عن التحسر على اختفاء تحالف 30 يونيو والنظر إلى الأمر باعتباره خدعة تاريخية، وأن اختفاء هذا التحالف سيؤدى إم لم يكن أدى بالفعل إلى خلخلة النظام السياسى الجديد حتى قبل أن يرسخ أقدامه. ومثل هذا النوع من التفسيرات الذى تصر عليه بعض مكونات تحالف 30 يونيو يعكس فى واقع الأمر فشلها فى أن يكون لها حضور مؤثر فى المشهد السياسى بعد أن تحقق الهدف الرئيسى لهذا التحالف وهو هزيمة نظام الإخوان، ويؤكد غياب قدرة كثير من القوى السياسية والحزبية والنشطاء المغرمين بالظهور الإعلامى على فهم طبيعة التحالفات السياسية ذات الطابع المرن، والتى يتحدد لها هدف معين يمثل قاسما مشتركا بين الجميع فى لحظة تاريخية بعينها، وما إن يتحقق هذه الهدف يصبح من الطبيعى أن تعود كل قوة سياسية إلى مرجعياتها السياسية والفكرية، وأن تسعى للاستفادة من الواقع الجديد لمزيد من الانتشار الشعبى والتأثير فى المشهد السياسي. وكما هو معروف فإن العديد من مكونات تحالف 30 يونيو انسحبت من المشهد السياسى وركزت على توجيه الانتقادات للطريقة التى أديرت بها المرحلة الانتقالية الثانية وما بعدها، ولم تقم بما عليها من واجبات التنظير السياسى الشامل وتشكيل رؤية متكاملة لمستقبل البلاد، ولم تسع إلى الانتشار الأفقى بين فئات المجتمع، وأبعدت نفسها عن الاستحقاق البرلمانى واكتفت بالتحرك الدعائى الحاد، وبالتالى فقدت حضورها. ويرتبط بهذا المسار ما ظهر بين فترة وأخرى من مساع وصفت بأنها لتشكيل بديل، وهنا رؤيتان لمعنى البديل، إما مشروع سياسى لتغيير بنية النظام كلية، الأمر الذى يصطدم بمؤسسات الدولة المنتخبة والتأييد الشعبى لها، وإما رؤية بديلة لمجموعة السياسات والبرامج التنفيذية التى تقدمها السلطة التنفيذية فى إطار الدستور والقانون وليس الخروج عليه. والمعنى الأول لا يؤدى إلى قيام بديل بل إلى انقلاب، وبالتالى فهو خارج الحسابات ولا يمكن قبوله أو حتى مناقشته. أما المعنى الثانى فهو الأرجح والأكثر مصداقية والأكثر صلة بالتعددية الحزبية التى تعد حجر الأساس للنظام الديمقراطي. وبالقطع فإن التعددية الحزبية ليس هى حالة الفوض الحزبية الراهنة الآن، حيث الأحزاب الهامشية محدودة العدد وبلا أى قاعدة شعبية، أو مجرد محاولات شخصية لبناء أحزاب تُرضى طموح البعض فى أن يكون موسوما كرئيس حزب وكفي. وليس هناك مصير حقيقى لمثل هذه المكونات الحزبية إلا الاندماج وبناء حزب واحد أو حزبين قويين ولكل منهما مرجعية سياسية واضحة ومتميزة وقاعدة شعبية تصل بكوادر الحزب الى البرلمان أولا وباقى المؤسسات ثانيا. ولذا فمن الإنصاف القول أن المسعى الأخير لتشكيل حزب واحد من حزب الكرامة والتيار الشعبى وبعض المستقلين الذى بدأت خطواته الاولى قبل أيام قليلة هو مسعى إيجابى للبناء الديمقراطى المرغوب ككل، والأمل أن يستكمل هذا المسعى شروط النجاح والتأثير والانتشار الجماهيري، وان تبدأ ورشة عمل حقيقية لبلورة رؤية متكاملة قابلة للتطبيق فى ظل الموارد المتاحة وتكون بعيدة عن الصياغات الرنانة فاقدة المضمون. وسيظل الأمل موجودا فى أن تنشط أحزاب وشخصيات أخرى فى تشكيل حزب قوى آخر يثرى الحياة السياسية ولا يكون عبئا عليها. إذ يكفى مصر ثلاثة أو أربعة احزاب لكل منها رؤية سياسية محددة ومتميزة عن رؤى الأحزاب الأخري، وفى السياق الحالى فإن النسبة الأكبر من الأحزاب القائمة لديها رؤى متقاربة ومتشابهة إلى حد كبير مع بعضها البعض، وهو ما يسهل نسبيا، بعد تسوية مناسبة ومتفق عليها لأوضاع الشخصيات القيادية فى الأحزاب المندمجة، أن ينشأ حزب موحد قادر على العطاء السياسي. وما دام الاصل فى العمل السياسى هو خدمة الوطن والشعب، فلا بديل من التضحية بتطلعات شخصية لن تتحقق إذا ظل الوضع الراهن على ما هو عليه. وفى انتظار هؤلاء الذين يقدمون مصلحة الوطن على مصالحهم الذاتية الضيقة. لمزيد من مقالات د. حسن أبو طالب