رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

الآخر.. ليس شيطانا ولا ملاكا

للمرة الثانية أجد نفسى على منصة إدارة ندوة حول كتاب «الآخر بين الرواية والشاشة» للكاتب والأديب محمد رفعتA

بمكتبة الإسكندرية مساء أمس الأول، وكانت المرة الأولى بمقر نقابة الصحفيين فى القاهرة، وفى المرتين كان الجمهور يقظا وذكيا ومدركا لطبيعة النص الذى يحضر مناقشته، حيث خرج من الإطار السينمائى والروائى الذى قصده المؤلف، إلى السياسى والفكرى والثقافى بمعناه الشامل.

وإذا كان مؤلف الكتاب قدم توثيقا مهما للأعمال السينمائية بشكل خاص التى تعرضت لصورة الآخر عند المصريين، وتشعب منها إلى الأسباب والظروف التاريخية التى فرضت كل صورة، فإن حضور الندوتين قام بجرنا للحديث عن كثير من المفارقات، أو بمعنى أدق التناقضات التى تحكم نظرتنا للآخر، وهى غالبا مليئة بالثغرات والفجوات، وكشفت لأى مدى نحن مغرضون ومنافقون وغير منصفين، وربما لا نجيد أو نحسن قراءة الواقع جيدا، بل ومحكومون (غالبا) بنظرة قاصرة، وصورة نمطية مشوهة عن الآخر، سواء كان عملا أدبيا، أو إنتاجا ثقافيا وفكريا، أو موقفا سياسيا، وأحيانا تصل ببعضنا المبالغة للتشكيك فى تطورات علمية بريئة ومذهلة، ونتصور أنها جاءت من أجل استهدافنا وتدميرنا.

هذا المدخل يقودنى للتوقف عند مجموعة من المفارقات التى طفت على السطح خلال الأيام الماضية، وكشفت عن أخطاء ساذجة فى طريقة تعاملنا مع الآخر فى ملف حقوق الإنسان، فقد استوحى البعض تصوراته السابقة عن الغرب، وكال التراب على جميع المنظمات الحقوقية الدولية، وفى إطار دفاعه المستميت، عن مصالحه أصلا، وليس مصالح الدولة المصرية، ألصق بها جملة من التهم المنطقية وغير المنطقية، انطلاقا من الرؤية المعلبة التقليدية، التى تضعنا فى صف المتفوقين، والآخريحجب عنا سبل التقدم.

قدم هؤلاء، وسط اندفاعهم، من حيث لا يدرون، مبررات كثيرة لهذا الآخر، ليؤكد اتهاماته بأن «هناك انتهاكات فى مجال حقوق الإنسان فى مصر»، فقد قدمنا، رسميا وإعلاميا، ردودا مشوهة لكثير من الوقائع التى تحتاج لدحضها، ولعل التخبط الذى شاب حادث مصرع الشاب الإيطالى جوليو ريجيني، دليل دامغ، والارتباك الذى صاحبها، بدءا من الرواية التى خرجت أولا وقالت إن مصرعه جاء بسبب حادث سير، ومرورا بالشاهد الزور، وحتى عصابة خطف الأجانب، التى وجد بحوزتها متعلقات خاصة بالشاب الإيطالي، جميعها تعزز الشكوك التى راودت بعض الجهات الغربية بشأن مقتل ريجيني.

نظرتنا النمطية للآخر، وقلة خبرة بعض المسئولين، أو استهانتهم بما يدور حولنا فى فضاء حقوق الإنسان والدور الذى تلعبه المنظمات المدنية، تكاد تورطنا فى فضيحة عالمية، وربما تفوت فرصة كان من الممكن توظيفها لدحض الكثير من الافتراءات التى تتردد فى هذا المجال، الذى أصبح يحظى بأولوية فى أجندات دولية متعددة، لأن تأثيره على مشاعر الناس قوي، ويؤدى إلى نتائج سياسية مؤثرة، بالتالى فالتركيز عليه واستثماره عالميا لم يأت من فراغ، بل اخترع لتحقيق أهداف معينة، وخطؤنا أو جهلنا، يمكن أن يتسبب فى زيادة حدة المشكلات.

يمكن أن تقول ما تشاء عن التحديات التى تواجه مصر، ويمكن أن تتحدث إلى ما لا نهاية عن المؤامرات التى تحاك ضدنا، لكن لا هذه أو تلك سوف تنجح ما لم تجد البيئة الحاضنة التى تساعدها على التفوق، البيئة الخصبة الحافلة بالأخطاء، دون أن تستفيد من التجارب السابقة.

لذلك فالرواية الأخيرة التى قدمت وأشارت إلى القبض عن قتلة الطالب ريجينى شرعت الباب لطرح أسئلة أكثر مما قدمت من إجابات، وفتحت الطريق للتشكيك فى أى رواية صحيحة قادمة، وأخشى أن أقول إنها ألصقت بمصر تهمة لا تستحقها على الإطلاق.

الإنصاف يقتضى الإشارة أيضا إلى أن الصورة النمطية القاتمة عن الآخر، تنسحب أيضا على رؤية منظمات حقوق الإنسان للحكومات المصرية المتعاقبة، والتى كان سجلها حافلا بالانتهاكات، الأمر الذى منح التقديرات المتضخمة حاليا جزءا من الثقة فيها، فالميراث العميق فى هذا المجال غير إيجابى بالمرة، وهو ما منح النغمة التى يتم ترديدها حول وجود انتهاكات جانبا معتبرا من التأييد، وفى وقت لم نستطع تقديم ردود مقنعة، ولم نعمل على الترويج لرؤية تعكس جوانب حقيقية مناهضة، يقوم آخرون بتقديم بيانات ومعلومات وقص روايات، بصرف النظر عن دقتها، لكنها تساعد على ترسيخ مبدأ وجود الانتهاكات.

فهم عقلية الآخر، أحد المداخل الرئيسية لتحديد سبل التعامل معه، فهو يبدو عند البعض متآمرا، وحتى لو كان ذلك صحيحا، فإنه لا يأتى من فراغ، بل يخرج من رحم أننا نقدم المسوغات اللازمة للتدليل على وجهة نظره، فكم من التطورات التى حصلت فعلا وجرى بناء مواقف حقوقية أو سياسية صادمة عليها ؟ وكم من الأحداث التى وقعت تدعم الرؤية السلبية فى مجال حقوق الإنسان عندنا؟ وكم من التصرفات التى قدمت تفسيرات جاهزة لكثير من الاتهامات التى كانت تتردد على استحياء ؟

أعلم أن شابا تم احتجازه لنحو شهرين، وخلال فترة الحبس الاحتياطي، كانت كل المعلومات التى خرجت على لسان محاميه، تقول إنه يتعرض لتعذيب مبرح، وحقوقه الآدمية مهدرة تماما، وأنه أوشك على الموت، وعندما خرج سالما وبصحة جيدة، سئل عن أسباب تقديم صورة سيئة لما حدث معه فى أثناء فترة الاحتجاز، فقال بلا مواربة حتى تتحرك منظمات حقوق الإنسان الدولية، وتضعط على الحكومة المصرية، فتشعر الأخيرة بالحرج وتفرج عنا؟

لم أقصد بهذا النموذج تبرئة الحكومة المصرية أو إدانة المنظمات الحقوقية، لكن قصدت أن هناك تلوينا متعمدا يحدث لأغراض معينة، وهو فى اعتقادى معروف لغالبية المنخرطين فى هذا الملف، لذلك فالتعامل معه يحتاج إلى نظرة فاحصة، لا تجعل الآخر شيطانا أو ملاكا، وتستفيد من النتيجة التى توصل إليها صديقى محمد رفعت مؤلف كتاب «الآخر بين الرواية والشاشة» وهى ضرورة التخلص من الصورة النمطية عن الآخر، لأنه سواء كان فردا أو جماعة، فى النهاية ينتمى إلى فصيلة البشر، بحلوها ومرها.

لمزيد من مقالات محمد ابو الفضل

رابط دائم: