رئيس مجلس الادارة
أحمد السيد النجار
رئيس التحرير
محمد عبد الهادي علام
والحقيقة، أن الموضوع أبسط بكثير مما نتخيل، ولطالما عرف العقل الجمعى المصرى السياسة فى أبسط معانيها، دونما حاجة لتنظير المنظرين، ولا لتقعير المتقعرين. ألا يقول أبناء البلد- إذا تشاجر رجل مع امرأته: يا عم خذها بالسياسة؟ ألم يقولوا: إن كبر ابنك خاويه وسايسه؟ ويقولون عند الغضب: خليك سياسى؟ إذن فالحدوتة واضحة.. ولا تحتاج إلى كل هذا العناء فى فهم القصة. فما هى القصة؟ صلوا بنا على حضرة النبى. إن السياسة هى الحوار. بس خلاص. وفى المعجم الوسيط أتت الكلمة من الفعل «ساس». وساس الأمر يعنى تولى تدبيره وتصريفه. وكذلك: ساس الدواب أى اهتم بتربيتها وترويضها، وطبعا ساس الناس يعنى تولى قيادتهم وإدارة شئونهم وأصلح حالهم. والذى يقوم على ذلك هو السياسى، أى الحاكم، أو الراعى.. ومعلوم أن «كلكم راع».. «وكلكم مسئول عن رعيته».. ( يعنى يا عم الحاج.. كلنا سياسيون بمعنى أو بآخر). واضحة؟ نروح الآن إلى ما يجرى فى مصر فى تلك اللحظة. إن القول بأن السياسة عندنا الآن «بعافية حبتين» لا يخلو من الصحة. وعليك أن تتساءل: هل ما يجرى فى البرلمان حاليا سياسة؟ وهل تمارس الأحزاب - وعددها ما شاء الله اقترب من المائة أو تعداها - السياسة بجد؟ وهل عندما تمارس النقابات دورها تمارسه بالسياسة.. أم بالغضب والدعوة للإضراب والتصريحات النارية؟ وهل فى جامعاتنا سياسة؟ سينتفض البعض صارخين: خبرك أسود.. وهل تريد أن تكون فى الجامعات سياسة؟ ناقص كمان تقول لابد أن تكون فى مدارسنا سياسة؟ نعم يا أفاضل.. يجب أن تكون فى المدارس، وفى الجامعات، وفى الأندية ومراكز الشباب سياسة.. بل وفى بيوتنا أيضا.. بشرط أن تكون سياسة بالمعنى الصحيح للسياسة. يعنى إيه؟ إن تصوير السياسة على أنها رجس من عمل الشيطان، أو أنها ستؤدى إلى انهيار البلد واحتراقها، هو منتهى الهبل. ألم نقل إن السياسة هى الحوار؟ ألم نتفق على أن كل حاجة فى الدنيا يجب أن نأخذها بالسياسة؟ فكيف تريد أن يبقى البلد بلدا دون حوار مواطنيه مع بعضهم البعض؟ إن النظام السياسى - فى أحد معانيه - يشبه الماكينة التى لها مدخل ولها مخرج، تدخل إليها المعلومات عن المجتمع، فيتم استيعابها والتفاعل معها وهضمها، ثم تخرج من الناحية الأخرى فى صورة قرارات.. فكيف- بالله عليكم- سيتخذ صانع القرار قراراته دون معرفة ما يريده المواطنون؟ إن فكرة أن يصدر الحاكم( أى حاكم حتى لو كان الأب فى المنزل) قراراته من أعلى إلى أسفل، وعلى الجميع الخضوع والطاعة، عفا عليها الدهر.. واختفت من زماااااااان! مصر - يا سادة - مجتمع ضخم جدا، وملىء بالطبقات، والفئات، والمصالح المتعارضة المتشابكة.. وكل واحد منا يريد مصلحته هو فقط.. ومالم تكن هناك عملية سياسية فعالة وناجعة، سنقوم- لا سمح الله - لنأكل بعضنا بعضا. والرهان على أجهزة الأمن وحدها لحل مشكلات المجتمع كلها رهان غاية فى الخطر.. لأن للأمن- كان الله فى عونه - وظائف محددة ومعروفة، ولا يصح أبدا تحميله فوق ما يحتمل.. ومن ثم فإن على السياسة أن تقوم بدورها. يعنى نعمل إيه بالضبط؟ بسيطة، فلنبدأ بالالتزام بالكاتالوج( والكاتالوج هو الدستور).. ثم بعد ذلك نقوم بتفصيص الكاتالوج إلى بنود محددة( يعنى قوانين) وهذه القوانين هى التى تحدد بالضبط عمل المؤسسات السياسية، كالأحزاب، والنقابات، والاتحادات الطلابية، والإعلام، والصحافة. مطلوب ثورة تشريعات فورا. وللعلم القوانين الجديدة موجودة.. ولا يبقى إلا أن يدرسها البرلمان ثم يقرها.. وأى تأخير- أو تسويف - معناه أن السياسة ستظل فى موتها السريرى داخل غرفة الإنعاش. طيب، وإذا استمرأنا موت السياسة، وعملنا نفسنا موش واخدين بالنا.. فماذا سيحدث يعنى؟ أبدا.. سيظل المجتمع يغلى كالمرجل الهائج.. وينحبس فيه البخار أكثر وأكثر.. والباقى معروف. والخلاصة.. أنه مالم تطلق للناس الفرصة للتعبير عن مطالبهم، فى قنوات شرعية دستورية منضبطة.. فسوف نظل نتخبط هكذا كأننا سكارى.. ثم نصحو.. فإذا الأحباب كل فى طريق( على رأى الست أم كلثوم)! لمزيد من مقالات سمير الشحات