رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

هل أوشك الدولار على الانهيار ؟

لا أعلم هل الخطوات التى اتخذها البنك المركزى مؤخرا استجابة لما طالبت به فى مقالى السابقين «دعم الدولار»، و «حتى يستعيد الجنيه قيمته»، أم لا، لكن المهم أن عدم تحديد سقف للإيداع والسحب للأفراد والشركات فيما يخص الدولار، أضفى على سوق الصرف مرونة مطلوبة، بعد أن تيبست مفاصلها بدرجة كبيرة أصابت المتعاملين معه بالاضطراب.

لكن يجئ القرار الأخير بتخفيض قيمة الجنيه بـ 1٫12 قرشا ليصل سعر الدولار فى السوق الرسمى الى 8٫95 قرشا لأول مرة فى تاريخه، مفاجأة للبعض، لكنه فى حقيقة الأمر متوقع، لأنه فى السياق الطبيعى بعد أن قرر البنك المركزى رفع الحظر عن الإيداع والسحب للدولار، يكون من المنطقى أن تزداد التحويلات الدولارية فور إلغاء القيود التى كانت تشترط حد سحب يومى فى حدود الـ 10 الآف دولار، بما يعنى أنه من حق كل من يحول إليه أى مبلغ سحبه فى نفس اليوم، ومن ثم الخروج به من البنك وبيعه فى السوق الموازى بما يفوق السوق الرسمى بأكثر من جنيه ونصف الجنيه، وهذا تصرف منطقى فى ظل وجود سوق عملة يعمل جهاراً نهاراً فى أريحية شديدة من خلال غالبية شركات الصرافة، التى أرى أنها أحد أهم أسباب إنهيار الجنيه.

فمع تعويم الجنيه فى 2003 ـ حكومة عاطف عبيد ـ فى سابقة أولى غير مدروسة، وما ترتب عليه من آثار سلبية مؤلمة على أغلب البسطاء، لم يرتفع سعر الدولار بهذا القدر فى السوق الرسمى 1٫12 قرشا فى لحظة فارقة، لأن تبعات هذا الارتفاع ستكون مؤلمة بقدر يصل لعدم الاحتمال على الطبقات الأقل دخلاً، فكلما ارتفع سعر الدولار بضعة قروش قابله ارتفاع مغال فيه للأسعار، فما بالنا والارتفاع تجاوز الجنيه بـ 12 قرشا ؟

قد يكون من المقبول أن ترتفع الأسعار بعد وقت استيراد بضاعة بأسعار الدولار الجديدة، أى بعد عدة أسابيع، لكن أن ترتفع بعد عدة ساعات، فذلك يدعونا إلى الامتعاض، خاصة أن هذا القرار الذى يحمل بين جنباته جرأة نادرة ومخاطرة كبيرة، من المفترض أنه يهدف إلى التحكم فى سعر الصرف، الذى سيظل ناقصا ما لم يستكمل بالإجراءات التالية.

أولاً: إيقاف شركات الصرافة بشكل تام وحظر نشاطها نهائياً، فمنذ أن تم التصريح بها وسوق العملة بات نافذاً ومسيطراً على سعر الدولار، وجاءت أوقات من ضبط منهم متلبساً ببيع العملة بالسعر غير الرسمي، تتم معاقبته بالغرامة، والايقاف المؤقت، ليعاود الكرة من جديد .. وهكذا. مع استبدال شركات الصرافة بالبنوك التى تحدد بعض الفروع التى تستمر فى العمل لبعد ساعات العمل الرسمى لموعد يحدده البنك المركزي، كما يحدد عدد الفروع و طبيعة عملها، سواء كان تغيير عملة فقط أو أشياء أخري.

ثانياً: يجرم تماماً الاتجار بالعملة الأجنبية بكل الأحوال، أو التعامل بها خارج البنوك، واعتبارها جريمة تمس الأمن القومى المصرى، وأن تصل عقوبة المتاجرة بها للحبس المشدد، على أن يجتهد خبراؤنا القانونيون فى عرض هذا القانون على مجلس الشعب من خلال مجلس الوزراء، أو يتبناه أحد النواب المخلصين.

ثالثاً: أن تستجيب الحكومة لما طالبت به فى مقالى المشار إليهم سابقاً، الخاص بعدم دخول أى منتجات مستوردة من الجمارك غير مغطاه بإيداع دولارى كامل فى البنوك، وأن يتكبد من يخالف هذا الأمر خسائر فادحة حتى لا يكرره، ويكون عبرة لغيره.

رابعاً: أن يتم الإعلان عن موعد تلك الإقتراحات التى ذكرتها سابقاً بوضوح وشفافية، مع إعطاء مهلة لتوفيق الأوضاع، حتى لا تحدث هزة للأسواق تصيب المستهلكين بأزمات هم فى غنى عنها.

البديل أن نظل ندور فى حلقة مغلقة، دون تحقيق أى درجة من الإنجاز، فما يحدث الآن خير توصيف لما أقول، فقد حكى لى صديق مغترب فى الكويت، أنه عرض عليه أحدهم أن يشترى منه الدولار مقابل 12 جنيها مصريا، وأن يسلمه القيمة المقابلة فى أى مكان فى مصر والوقت الذى يريده، حتى لو قرر أن يكون التوقيت فى نفس اليوم. بما يعنى أن هناك حملات منظمة تهدف إلى ضرب الجنية بأى ثمن وبأى طريقة، وإن لم تحكم الدولة قبضتها على سوق الصرف بشكل حاسم، ستضيع الجهود هباء منثوراً.

ولأن الدولار العملة الأشهر والأقوى فى العالم، فالغرض الرئيسى من جمعه الاستيراد، فإذا منعت الحكومة وجود سوق صرف مواز، وأحكمت قبضتها على الدولار من إيداع وسحب وتغيير وتصدير واستيراد، وقتها، سيتوقف التاجر الذى يشترى الدولار من المصريين بالخارج، لأنه لن يجد طريقة لبيعه مرة أخري. لعدم وجود سوق مواز، وعدم السماح بدخول منتجات مستوردة غير مغطاه دولارياً بالكامل بالبنوك.

فى ذلك الوقت سيكون البديل الوحيد لدخول الدولار لمصر تحويله عبر البنوك، كما سيكون السبيل الوحيد أيضاً لبيعه البنوك، وهو يجعل الدولة المتحكم الوحيد فى الدائرة الدولارية بكل عناصرها، وأى خلل فى تلك المنظومة من شأنه فتح الباب واسعاً للمضاربة على الدولار، واستمرار استنزاف الموارد والمقدرات لصالح قلة تهدف إلى امتصاص دماء المصريين بلا رحمة.

إن قرار تخفيض سعر الدولار 112 قرشا مقابل الجنيه يتطلب أن تستنفر الحكومة كل طاقتها لمواجهة الارتفاع غير المبرر للأسعار، وإلا فلتترك المواطن «الغلبان» يحترق بلهيبها، كما يجب أن يعلم البنك المركزى الذى يسعى جاهداً لتعظيم الاحتياطى الدولارى بعدد من الإجراءات منها المحمود مثل إلغاء قرارات فبراير 2015، ومنها من يحمل فى طياته درجة من المخاطرة مثل الشهادات الدولارية التى قد تعطى أعلى معدل فائدة على الدولار فى العالم، ومنها الأكثر مجازفة، وهو قرار التخفيض، أننا أمام تحقيق نتائج مبهرة، أتمنى أن تكون بالإيجاب، والتى تستلزم التكاتف من حكومة واعية، مع بنك مركزى جرئ.
[email protected]
لمزيد من مقالات عماد رحيم

رابط دائم: