رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

دروس «استراتيجية2030» من بولندا..!

وارسو ــ ابتسم مسئول بولندى كبير ابتسامة خفيفة وهو يرد على سؤال من أحد أعضاء وفد مصرى رفيع زار وارسو قبل أيام للتعرف على آخر تطورات النقلة الاقتصادية والمالية الكبرى ثم قال: «الإرادة السياسية تسبق أى نجاح» فى اشارة إلى أن كل ما فعلته بلاده من إنجازات فى 25 عاماً لم يكن مقدرا له أن يتحقق دون توافق سياسى عام وقيادة واعية نقلت البلاد إلى المكانة الـ 21 فى الاقتصاد العالمى وفقا لمؤشرات عديدة. أهمية الزيارة أنها جاءت بعد أيام من الإعلان عن الاستراتيجية الوطنية المصرية2030، وشارك فى الوفد ستة من النواب الشباب فى البرلمان برفقة قيادات المجلس الوطنى المصرى للتنافسية ومستشارون كبار من مجلس الوزراء ووزارتى التخطيط والمالية لدراسة عملية تطوير البنية الاقتصادية والمالية وربطها بالإستراتيجية الأكبر على المستوى الوطنى وهو مسار جاد تتخذه بولندا فى استراتيجية 2030 الخاصة بها. بالفعل على مدى جلسات مطولة غاص الوفد المصرى تحت جلد صناعة القرار الاقتصادى والمالى وتعرف على قصة نجاح مبهرة لبلد لديه ثانى أقدم برلمان فى أوروبا خرج مدمرا من الحرب العالمية الثانية ثم دار فى دوامة فشل المعسكر الاشتراكى لمدة 40 عاماً قبل أن ينتفض المجتمع البولندى بقيادة ليخ فاونسا القيادى العمالى الشهير مطلقا شرارة سقوط الحكم الشيوعى فى شرق أوروبا بعد تأسيس منظمة «تضامن» ودارت دورة التاريخ من جديد. يوم وصولنا، خرجت مظاهرة شارك فيها الآلاف دفاعاً عن «سمعة» ليخ فاونسا فى مواجهة اتهامات اليمين المحافظ - فى الحكم حاليا- بقيامه بالتجسس على رفاقه وتعاونه مع الأجهزة الأمنية فى سنوات السبعينيات وعندما سألت عن ردود الفعل فى الإعلام وفى الحياة السياسية وجدت الإجابات تضع الأمور فى حجمها الحقيقى دون تشنج أو تراشق بغيض. وفى مؤسسات الدولة البولندية لا ترى صور تقديس المسئول «الفرد» أو المبالغة بما قام به فاونسا أو غيره ويلتفت نواب البرلمان والوزراء إلى المستقبل أكثر مما يشغلهم الماضى وهو ربما السبب فى التقدم المطرد للمجتمع البولندى (38 مليون نسمة) ووصول دخل الفرد إلى 24 ألف دولار سنوياً.

هناك بعض المشاهدات المفيدة فى التجربة البولندية نتوقف عندها قليلاً:

  • < أكثر من80 % من البولنديين راضون عن أوضاعهم المعيشية اليوم، بينما لم تتعد النسبة 50 % عندما بدأت عملية التحول الكبرى قبل عشرين عاما، وتحسن الأوضاع المعيشية انعكس على ما يسمى «جودة الحياة» فالمواطن البولندى أكثر سعادة فى حياته ربما من بعض دول غرب أوروبا التى يزيد فيها متوسط الدخل على المعدل الموجود فى بولندا. ويشمل مستوى الحياة الأفضل استخدام المواطنين للمرافق العامة التى تمولها الدولة والتى وصلت بها الحكومات المتعاقبة إلى مستويات تنافس الدول الأكثر تقدماً. ويقول المسئولون إن العشرين عاما الماضية هى الأفضل فى تاريخ البلاد على الإطلاق، فالصادرات تضاعفت 25 مرة واقتربت من 250 مليار دولار قبل عامين ولم يتوقف النمو الاقتصادى فى عنفوان الأزمة المالية فى عامى 2008 و2009 ليستمر النمو لمدة 23 عاما متصلة بلا توقف.

 

  • < استفادت بولندا من الاتحاد الأوروبى واعتمدت دون تراخ أو تهاون معايير المؤسسات الغربية، والمعايير الاجتماعية التى هى الأساس الحقيقى للتنمية الاقتصادية وتشمل سيادة القانون والسياسة النقدية المستقلة والمنافسة القوية وحرية الصحافة والديمقراطية.

 

  • < منح نوعية التعليم أهمية خاصة حتى تفوق معدل الالتحاق بالتعليم الجامعى المتوسط العام فى الاتحاد الأوروبي. على سبيل المثال، تقوم الدولة ممثلة فى البلديات بتقديم «كوبونات خاصة» لتمويل التعليم الأساسى لكل الطلبة فى المدارس الحكومية ومن يريد الالتحاق بالتعليم الخاص يحصل على التمويل نفسه وعلى أسرته دفع الفارق من أموالها.

 

  • < تتكامل تسع استراتيجيات مختلفة (تشرف عليها وزارات بعينها) فى الاستراتيجية الوطنية 2020، وهى تمهد لتحقيق أهداف استراتيجية تنموية طويلة المدى 2030 وتتسم بالدقة الشديدة والجداول الزمنية التى لا تحتمل التأخير أو التلكؤ فى التنفيذ.


أعود إلى «الإرادة السياسية» فهى مفتاح نجاح استراتيجية التنمية وعلينا قبل أن نطلق تصريحات عن وضع مصر ضمن أكبر 30 اقتصاداً فى العالم بحلول 2030 أن ندرك وعورة الطريق وعدم استسهال الكلام فى شأن لم يعد يحتمل الهزل أو التصريحات المستهلكة. لم يضع البولنديون دقيقة واحدة فى مشوار 25 عاماً من التقدم للصفوف الأولى .. فهل نفعلها أيضا بنضج ووعى مماثل؟!
 

[email protected]


لمزيد من مقالات عزت ابراهيم

رابط دائم: