رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

بعد فوزه بجائزة «ساويرس» فى الرواية
رضا البهّــَات: أكتـب الأدب بروح الهواية

حوار : أسامة الرحيمى
رضا البهّـَات
كانت روايته الأولى «بشاير اليوسفي» (1992) إشارة مُبكِّرَة لتبدل من ذهبوا إلى الخليج. سافروا بسماحة تاريخية،كانت «كامنة فى الجينات»، وعاودوا بلحى مرسلة، وقسمات جهمة، وورع ظاهرى زائف، و«شراسة غاشمة» فى التكفير والتحرى، مع نهم فادح للملذات، واهتبال فاضح للمغانم، والاختباء بحرص خلف «زبيبة» و«حوقلات» أضعاف حبات المسبحة. أسماهم «المبدولون».غدوا خِماصاً، وآبوا بطاناً، مسوخاً لا نعرفهم، ولا يقبلون أى شىء من حياتهم السابقة السمحة.

و«المبدول» فى تراثنا الشعبى ومن «بدَّلته قوى خفية». وكان الرُضَّع إذا فقدوا شهيتهم، تلوذ أمهاتهم بالتعاويذ، والأدعية، ويضعن أطفالهم أمام فُوَّهة مقبرة مفتوحة، لتعينهم الملائكة على استعادة ابنهم «المبدول» بدلا من قرينه. لكن التعاويذ، والأدعية كلها باءت بفشل مريع أمام أثر الوهابية «الناقع». وتزايد «المبدولون» حتى باتوا بالملايين، ونقَّبُوا الأفق ببرقع التشدد، وضَبَّبُوه بالعنف، والجهل النشط.

ومن وقتها، تداعى «البدل»، وفاقم انهيار السياسى تداخل الاجتماعى بالنفسي، حتى غدا المشهد معتما، بحلكته المُقبضة.

وفى أعماله التالية، «طقوس بشرية 1995»، و«شمعة البحر 2004»، و«ساعة رملية تعمل بالكهرباء 2014» التى فازت مؤخرا بجائزة ساويرس، ألصق «رضا البهات» أذنه (كطبيب وأديب)،مفزوعاً، بقلب المجتمع، يَعد وجيبه المضطرب، ويجس نبضه، لكن مخاوفه ــ من وقتها ــ لم تهدأ، فلم يلتفت أحد إلى المخاطر الداهمة التى نبَّهنا إليها فى«بشاير اليوسفي». فإلى نص الحوار:

{ فى عملك الأول المدهش «بشاير اليوسفى 1992» كنت متيقظا للتبدلات التى لحقت بالمصرى الذى أنسته «رائحة النفط» «نسيم الحقول»، وأغواه الكسب السريع بالتخلى عن قيم الكدِّ، والاستمتاع «بثمار عرقه»، وتعاطفك معه كان باديا، لكنك فى كل أعمالك اللاحقة بِتَّ عاتبا عليه، ونافرا منه بدرجة ما، فهل ثمَّة تبدلات لحقت بك أنت كأديب، وبرؤيتك؟ وما مدى تبدل المبدع سلبا وإيجابا بتقديرك؟

{{ تغير مكان الوقفة. بالأمس كنت أقف بين المثقفين.. اليوم أقف بين الناس, وبينهما دائما مسافة.. والعين فيهما مختلفة، يكون لديهما فى كل مرة البئر التى تغرف منها. الفرق فى نوع الثقافة التى ينتمى إليها الكاتب.

المصريون الذين أحبهم يستأهلون النقد أيضا. يكفى أنهم جربوا هجرة العمل والذهاب إلى النفط بأمواله، ثم عادوا يرددون أفكار الوهابية, وهى شىء مختلف تماما عن مفردات الثقافة المصرية.. اليوم أقف بين الناس لا وسط مؤسسة. عموما الناس هم من يصنعون تاريخهم على مهل. دعك من الأحداث الرسمية .. تبقى معضلة إن الناس اليوم فى مفترق طرق، بعد ثورتين.

ولا يصح أن نطابق بين الرواية والحياة الشخصية للكاتب.. بمعنى أن نقرأ أن الكاتب يسرد وقائع حياته. وهذا مزلق لمن يعرفون شخصية الكاتب. فى الرواية تمتزج الأفكار بالشخصى بالخيال لأجل جملة يريدها الكاتب فى نهاية الأمر.

{ فى مجموعتك «طقوس بشرية - 1995»، وروايتيك «شمعة البحر - 2004»، و«ساعة رملية تعمل بالكهرباء - 2014»، عرضت أيضا للتحولات التى لحقت بالبشر، وتشوهات حياتهم من سياسى إلى اقتصادى وانعكاساتها على نفوسهم، وعلاقاتهم الاجتماعية، فهل الأدب بتقديرك يصلح قاطرة لجرّ المجتمع، أم أنه فقط عربة أخيرة فى القطار (سبنسة)؟

{{ الأديب الذى يقف وسط الناس يرى ما هو تاريخى بصورة أوضح. هذا يجعله يؤمن بأن الأدب قاطرة تعيد صنع الأفكار، لكن على المدى البعيد. والمصرى شهد حكاما كثيرين فيهم الظالم والعادل بل والمختل عقليا.. لذا يردد فى سره.. أكم!. المثل الفلاحى يقول: «أبو يوم إديله يوم .. وأبو ساعة ما تحاسبوش». وباستثناءات معروفة أكثر هؤلاء الحكام والأنظمة من نوع «أبو ساعة». أى أنهم طارئون على الوجود المصرى القديم. أما أحداث السياسة بزخمها فهى توجه الواقع لسنوات فقط.. ومن هنا تغلب قضايا النقد الاجتماعى على ما أكتب.. يبدو الكلام صعبا.. لكننى فى النهاية وسط المصريين مش فوقهم.. هناك من يقول: ولكنك طبيب وكاتب، وهو ما يضعك فى مكان بعيد عن الناس.. عمن يعملون ويتعيشون يوما بيوم.. اجيب: ولكن هذا موقف.

{ قلت فى «ساعة رملية تعمل بالكهرباء»: «سأكتب عن فقر صار خاليًا من النبالة بعدما خلا من القيمة، وثراء أصبح خاليًا من الكبرياء، بعدما خلا من الذوق، تلوثا معًا حتى إن الجميع يزهون بالقدرة على أن يعيشوا كعبيد»، ألا تظن هذا تخلٍ من الأديب عن التماس الأعذار للضحايا؟ ومساواتهم بمن جلدوهم وأفسدوهم؟أم أنه تشخيص الطبيب للداء بشكل مجرد؟

{{ أرى أن تقييم الأدب من خلال أحكام سياسية يظلم الأدب والسياسة معا. وإن كان الأدب ذا الطابع السياسى يصنع شهرة أكبر لأنه يتناول قضايا محسوسة. عموما التضحية بالفن من أجل مفهوم سياسى خسارة كبيرة تجعل من الكتابة عملا مؤقتا.. وأما الجزء الثانى من السؤال.. فتناول الضحية كمفعول به دائما مفهوم ضار. الناس مسئولون. وقد بلع المصريون الطعم وجربوا أسلوب الحياة الأمريكي.. وفشلوا إنسانيا وها هم يجنون الحصاد.. تخريب شامل، لسمات المصرى التى حافظ عليها لزمن طويل. أرى أيضا أن المساواة بين الضحية والجلاد تبقى كلا منهما فى موقعه. المصريون كبار وحاملون لثقافة كبيرة وفاعلون ومسئولون أيضا. وهم اليوم فى مفترق طرق.. فالدولة المركزية التاريخية بطغيانها فى سبيلها إلى الانتهاء بما يزيد من مسئوليتهم.

{ وأعود لبداياتك لأسأل عن آخر أعمالك، فعن «بشاير اليوسفي» قال الناقد الراحل الكبير «فاروق عبدالقادر» إنك: «كاتب يقدم عمله الطويل الأول فيأتى على هذا النحو من التكامل»، وأضاف إن الرواية : «رؤية صادقة تتفتح على أفق فسيح، ومعرفة حميمة بأرض مصر وناسها»، وأنك تقدم : «رؤية لما حدث فى مصر من 1973، و كيف ابُدِّلت» أو «أُبدلت»، وكيف طال «الانتهاك» الجميع، لم يكد ينجو منه أحدب. فهل ترى روايتيك الأخيرتين على ذات القدر من الطموح الذى رآه «فاروق عبدالقادر»، وهل يطال الإنهاك المبدع كما يطال مجتمعه؟.

{{ الانهاك الذى طال المبدع تسمية أخلاقية. أنا مع الليبرالية، ليقف كل شخص حيث يروق له أن يقف حتى يتم الوصف السليم للمواقف. اليوم يحدث فرز وإعادة ترتيب وهذا صحى ومؤلم. وعموما الأفكار والانتماءات تكتب معك.

{ ألم يكن لبقائك فى المنصورة، وانشغالك بالمهنى والمعيش، تأثير سلبى على إبداعك، من زاوية الكم، والمستوى؟ ومن جهة أخرى ألا ترى أن للقاهرة تأثيرا حيويا كبيرا على الأديب فى تفاعله مع الإبداعي، والعام؟

{{ بصراحة فكرت فى هذا كثيرا. لكن الإقامة خارج القاهرة توفر لى الهدوء والتأمل، وهما ضروريان لكتابة رواية. رغم أن القاهرة مساحة متقدمة من مصر بزخمها الإعلامى والصحفي. وقد تعجب أننى نشأت وولدت فى القاهرة وعشت فيها حتى سن المراهق. لكن كما قلت فإن المركزية الطاغية للقاهرة هذه فى سبيلها لأن تصبح من الماضي. وهذا أحد الآثار الجانبية المحمودة للعولمة.

وبشكل عام لا أتحمل عشوائية وفوضى وزحام القاهرة اليوم. بالمناسبة لقد جرى تدميرها على مدى أربعين سنة من أول السادات إلى اليوم وقد تم وصف هذا كثيرا فى الأدب والسينما. بالنسبة لى أكتب اللى عندى واعتبر نفسى شاهدا على التغيير فى حياة المصريين.. أن تحتفظ بالأدب كهواية بصراحة أمر له سحر وغواية. لذا أعمل فى المنطقة الساحرة للأدب والفن مثلما تحدث عنها أرسطو. وأنا أول مستفيد مما أكتب. فبه أعيد ترتيب أفكارى ومشاعري.. القاهرة.. يفتح الله.

أما بالنسبة للكم والمستوى فهذا بين يدى الزمن، وإن كنت أعتقد أن كثيرا من الكتاب المهمين عاش منهم عمل أو اثنان ومنهم أيضا من له فى كل حياته عمل واحد فقط.

وحكاية مقل فى انتاجى هذه بصراحة لا أعرف لها إجابة. لكن عموما لما بيبقى فيه عندى حاجة أقولها باقولها.. ليست هناك ميزة لا فى الإقلال ولا الغزارة. سأقول لك سرا. لى أكثر من ألفى مقال منشور ويمكن أزود بها عدد كتبى إلى عشرة مثلا. أنا أكتب الأدب بروح الهواية لا الاحتراف.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق