رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

المصالحة الاجتماعية…الآن وليس غدا

حقيقتان لا سبيل لإنكارهما أو إخفائهما مهما تكن الدوافع والمصالح والمهارات، الحقيقة الأولي: أن تنظيم الإخوان فشل فى حكم مصر، ودفع غالبية المصريين للتخلص منه بعد أن منحوه ثقة لم تُمنح لأى حزب ذى مرجعية إسلامية، منحوه عرش مصر، وبرلمانها، ولكن للأسف كانت قيادة هذا التنظيم أقل بكثير من تحديات اللحظة التاريخية ومتطلباتها، تصرفت بعقلية رئيس اتحاد طلاب كلية الهندسة أو كلية الطب فى الثمانينيات من القرن الماضي، وتلك خبرتهم فى الحياة، وتعاملت مع الدولة المصرية كغنيمة، لذلك قامت بتوزيعها على المجاهدين من التنظيم وأبنائهم، وهم أولئك الذين قضوا معظم حياتهم فى السجون؛ فكانوا الأكثر تضحية والأولى بالمكافأة، ولكن للأسف المكافأة كانت منصبا سياسياً فى مصر يحتاج الخبرة السياسية واعتراك الحياة، لا السجن والعزلة عن الحياة، وتوقع الإخوان من المصريين أن يكونوا فى أيديهم مثل «الميت بين يدى الُمغَسِّل» كما علمتهم الجماعة منذ نعومة أظافرهم أن يكونوا بين يدى قياداتهم ومسئوليهم فى الأسر والشعب والمكاتب الإدارية للتنظيم.

والحقيقة الثانية : أن غالبية الطبقة المثقفة المصرية من بقايا اليساريين والليبراليين، قد أعادوا تكييف دورهم بعد انتهاء الحرب الباردة، وانتقلوا من حالة العداء إلى حالة التعاون بعد أن أوجدوا عدواً جديداً هو الحركات الإسلامية، بل الإسلام الحضارى بكل مظاهرة، وأصبح كل همهم هو إيجاد إسلام على مقاسهم، يكون على شاكلة المسيحية الأوروبية. ومع هاتين الحقيقتين عاشت مصر ماقارب الأعوام الثلاثة منذ ثورة 30 يونيو 2013، وعانت مصر حالة حرب اجتماعية باردة، وقع فيها تنظيم الإخوان، ومن شايعه، وسار على دربه فى مربع العنف المادى واللفظي؛ الذى كان يهدف إلى إفشال الدولة المصرية وإسقاطها؛ على أمل أن يكون ذلك مقدمة لعودة الواهمين إلى عرش مصر، وقد نسوا أنه كان فى أيديهم وفقدوه بسوء تقدير، وإساءة تصرف قادت إلى ارتكاب كل سوءات السياسة وحماقاتها، ووقفت غالبية الطبقة المثقفة تنفخ فى النار، وتشعل الفتنة متمنية أن تتخلص من الإسلام كحضارة وقيم وتعاليم فى خضم تلك الفتنة المشتعلة بين الدولة والمجتمع من ناحية، وتنظيم الإخوان وأشياعه وأعوانه من ناحية أخري.

والآن - وبعد أن أثبتت الأدلة الواقعية أن تنظيم الإخوان فى مصر كحركة سياسية قد خرج من التاريخ، ولن يعود فى المدى المنظور، وأنه تحول إلى ظاهرة افتراضية ضخمة جداً، حقيقتها فى الواقع ضئيلة جداً، ظاهرة لا وجود لها خارج قناة الجزيرة وملحقاتها وقنوات تركيا وبعض مواقع على وسائل التواصل الاجتماعى - لقد زال حقيقةً خطر الإخوان عن مصر، ومن ثم لا داعى لاستمرار استخدامهم كشماعة لتمكين الطبقة الثقافية من اليساريين والليبراليين للتخلص من كل ماله علاقة بالدين تحت شعار التنوير والحداثة والوطنية والعصرنة - الخ.

فى هذه اللحظة التاريخية ومصر تواجه تحديات جساما فى كل الدوائر المحيطة بها سياسياً، واقتصادياً، ووجودياً، تحديات مع إثيوبيا التى تهددالوجود المستقبلى لمصر، وتحديات مع الوجود العربى فى الشام والعراق وجزيرة العرب، وتحديات فى الجوار الغربى والجنوبية... الخ. كل هذه التحديات تستوجب توحيد الجبهة الداخلية وتماسكها، ولن يحدث ذلك بدون مصالحة اجتماعية وليست سياسية، مصالحة مع المجتمع والناس وليس قيادات الأحزاب والحركات من الذين أجرموا فى حق دينهم وأمتهم وضيعوا المشروع الحضارى الإسلامى الذى كان يهدف إلى بناء مجتمعات قوية، وليس الاستيلاء على كراسى الحكم، والاستحواذ على السلطة والثروة والنفوذ.

نحتاج إلى مصالحة اجتماعية شاملة لا تستثنى أحدا، تضمد الجروح، وتجبر الخواطر، وتعيد اللحمة الاجتماعية لكل مفاصل المجتمع المصري، وكل خلايا الجسد الوطني، وهذه المصالحة تقوم على الآتي:

حصر جميع من قُتل أو أُستشهد منذ ثورة يناير 2011 إلى اليوم؛ أيا كان السبب؛ وأيا كان القاتل، وتقديم تعويض يكون عبارة عن وديعة بمليون جنيه فى البنك المركزي، تقدم عائدا شهرياً بنحو ثمانية آلاف جنيه، على أن تأتى المبالغ التى سيتم الإنفاق منها من مصادرات الحزب الوطنى ورجال عصر مبارك لكل من قُتل أو أُستشهد من يناير 2011 إلى 30 يونيو 2013، ومن أموال تنظيم الإخوان ومصادراته للفترة من 30 يونيو 2013 إلى الآن، وهنا ينبغى التأكيد على أن التعويض سيشمل كل المصريين الذين فقدوا حياتهم خلال تلك الفترة من جميع الخلفيات.

مراجعة أحوال جميع المسجونين مراجعة دقيقة تقوم بها نقابة المحامين مع قضاة ومنظمات حقوق الإنسان المصرية، والجهات الأمنية، على أن يتم الإفراج عن جميع من لم يثبت بالدليل القطعى تورطهم فى العنف المادى أو التحريض عليه إذا كانوا فى موقع يجعلهم قادرين على توجيه سلوك الآخرين، وينبغى تعويض كل من سُجن بدون مبرر بمبلغ مائة ألف جنيه عن كل سنة، ويتم تحصيل قيمة التعويض من المصادر السابق الإشارة إليها .

مراجعة ملفات كل من فقدوا وظائفهم لأسباب سياسية، وتصحيح أوضاع كل من لم يثبت ارتكابه لأفعال تقع تحت طائلة القانون الجنائى المصري.

وقف البرامج التليفزيونية التى ساهمت فى إشعال الفتنة، وكانت مصدرا للإهانة والتشهير، وإساءة السمعة لأى مصرى أيا كانت خلفيته وتوجهاته.

فتح باب الحوار مع الشباب فى جميع جامعات مصر ومدارسها، وذلك بعد اختيار رؤساء جامعات وعمداء كليات محترمين؛ يقومون بدور الأستاذ والأب وليس المخبر الأمني، أو الحزبى الغوغائي.

تطوير خطاب سياسى وإعلامى يركز على كل ما يوحد المصريين، ويتجاوز الماضى بكل ما فيه، بدون إهانة أو إحراج لأى طرف، وترك حكاية الإخوان للتاريخ، فقد أصبح التنظيم من الماضي.

نزع الشرعية عن جميع الجماعات الدينية بكل أشكالها وخلفياتها، فلا ينبغى أن تكون هناك حركة دينية تقدم نفسها على أنها النسخة الأصح من الإسلام، فلا يكون هناك شيء اسمه الدعوة السلفية أو الجماعة الإسلامية، وكل من أراد أن يخدم المجتمع، أو ينشر الثقافة الدينية عليه أن ينشئ جمعية خيرية، أو نادٍيا علميا، أو مركزا ثقافيا، أو مركز أبحاث، والمرجعية الدينية الوحيدة هى الأزهر الشريف بعد فك الاشتباك مع وزارة الأوقاف التى تنافسه بدون إمكانيات.

هنا - وهنا فقط سوف تخرج مصر من دوامة الزلازل وتوابعها التى عصفت بالمجتمع والدولة منذ يناير 2011- هنا فقط سوف تضع مصر أقدامها على طريق المستقبل - هنا فقط سيكون لزيارات رئيس مصر إلى اليابان وكوريا الجنوبية معنى وفائدة، لأن مصر سوف تكون قادرة على الخروج من ظلام كهف الانتقام، والانتقام المضادة إلى المستقبل والأمل.

لمزيد من مقالات د. نصر محمد عارف

رابط دائم: