رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

الاستاذان (هيكل وغالى)

من الصعوبة بمكان أن تلتقط خيطا لتتحدث عن أستاذين جليلين، لهما بصمات واضحة لايستطيع أى إنسان أن ينكرها، وسط فيض التكريم والتقدير والحفاوة البالغة لهما.


فالاستاذان هيكل وغالى، عندما يطلق عليهما هذا اللفظ (أستاذ)، فإنه يعنى أن أصبح هذا الشخص او ذاك مرجعية فى هذا المجال أو تلك، ومن ثم يشار إليه بالبنان، وقد خبرت الاستاذين وكان بينهما جسر كبير من أجيال طلابهما فى البحث عن الحقيقة. فالجورنالجى محمد حسنين هيكل (كما كان يحب أن يخاطب)، كان محبا لمهنته البحث عن المتاعب، وكان باحثا عن الحقيقة وسط طوفان الوثائق التى كانت تتاح إليه ويسعى إليها، ويقدم الوجبات الدسمة لقارئه العربى والمصرى المهموم به لتبصيره بغض النظر عن رضا الحكام أو كبار المسئولين عنه من عدمه . وكان يقدم أشياء ويؤخر أخرى فى ضوء تقديره للزمن والبيئة، أو لعنصرى التاريخ والجغرافيا، وهو عاشق لهما تجسيدا للمفكر د. جمال حمدان (ابن دائرتى الحبيبة ـ قرية ناي مركز قليوب وكانت جزءا من دائرة شبرا الخيمة ثان 2005 ـ 2010)، وقد يتلمس ذلك كل قارئ أو مستمع للأستاذ هيكل فهو ينطلق دائماً من الجغرافيا ليقرأ الوقائع تلو أخرى ليصيغ تاريخا هو أحد صناعه فى فترة تاريخية ما، وينطلق من التاريخ لكى يرى انعكاسه على الجغرافيا ومدى إسهام صناع القرار فى فهم هذه العلاقة الديناميكية وصولا لقراءة شاملة ومكتملة وموضوعية للخطة والواقعة. وقد رأينا فى كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسى فى افتتاح قناة السويس يوم 6/8/2015 (القناة الثانية)، أن أشار إلى مقولات د. جمال حمدان فى كتابه الخالد (شخصية مصر: عبقرية المكان)، فكان تأكيدا للقراءة الموضوعية للأستاذ هيكل لأى حدث بأن يضعه فى سياق الزمان والمكان و(التاريخ والجغرافيا)، ومن هنا فقد اكتسب مصداقية عالية لدى الأجيال المتتالية والمتعاقبة. وقد ورثت عن والدى (رحمة الله عليه) حرصه على قراءة مقال هيكل (بصراحة) كل جمعة، وكان يلفت نظرى لذلك وكنت فى المرحلة الابتدائية، فحرصت على الاحتفاظ بجميع مقالات الأستاذ فى أرشيفى منذ نعومة أظفارى وحتى الآن. ورغم أن أغلب مقالاته نشرت فى كتب أحتفظ بها بعد قراءتى لها عدة مرات، إلا أن النشر فى الكتب لا تشبعنى قراءته ولا تغنينى عن قراءة المقالات فى صفحات »الأهرام« ذاتها، فلها مذاق خاص وعلى المقال تاريخ نشره. ولا يمكن تغافل أن الأستاذ هيكل، ولد على ضفاف النيل فى قرية (باسوس/ القناطر الخيرية والملاصقة لشبرا الخيمة) وهى احدى قرى محافظتى «القليوبية» التى أنتمى اليها، ومن ثم فان هناك انتماء جغرافيا فيما بيننا، كما أن هذا يكشف سر حبه للنيل، فاختار منزله ومكتبه على ضفاف النيل بجوار شيراتون القاهرة والذى تشرفت بزيارته مرتين، التقيت فيهما، بمدير مكتبه المبتسم والودود والذى يسعد كل من يزور مكتب الأستاذ ومن عشق الأستاذ هيكل للبحث عن الحقيقة، أسس مركز الدراسات الصهيونية الذى تحول لمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية ليكون اداة مهمة فى قراءة موضوعية للصراع العربى الصهيونى الذى لم يتزعزع الأستاذ هيكل فى استمرار قراءته حتى نهاية عمره بأنه صراع وجود وليس صراع حدود، كما كان يشير الزعيم جمال عبد الناصر، وعندما أسس المركز وتولى إدارته الاستاذ حاتم صادق، كان بهدف دراسة الصهيونية ومقاومة الكيان الصهيونى الإسرائيلى وليس لترتيب التطبيع معه، فى معاداة صريحة مع الشعب المصرى الرافض للتطبيع للآن.

وقد أتى هيكل الأستاذ، بالأستاذ الدكتور بطرس غالى (رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة)، ليكون رئيسا لمجلس إدارته، ورئيسا لتحرير مجلة السياسة الدولية، وكلاهما من لم يعمل فى المركز، ومن لم ينشر فى المجلة، حسب التقاليد العلمية الرصينة، فهو غير محسوب على البحث العلمى لا فى مصر، ولا فى الوطن العربى، وأتحدث بأمانة البحث العلمى، وبصفتى أمينا عاما للجمعية العربية للعلوم السياسية، لأن هذا من المستقر عليه علميا، وقد تشرفت أن اكون باحثا فى المركز وكاتبا فى مجلة السياسة الدولية وفى صفحات الأهرام الصباحى والأهرام المسائى، ومع الاهرام الاقتصادى، وغيرهم، لأننى أتشرف بأننى أحد أبناء الأهرام العملاقة، والذى صنعه الأستاذ هيكل، وتربينا على أفكاره التى لم تتغير باعتبارها من الثوابت ولم تهتز ثقتنا فى هذه المبادئ ولا فى هيكل، ولم نصدم يوما فى عقيدة فكرية تغيرت للأستاذ هيكل، وفى الوقت نفسه فقد تعلمنا البحث العلمى على يد أستاذ فاضل هو الأستاذ الدكتور بطرس غالى، الذى درسنا كتابه الأصولى فى العلم (مبادىء فى العلوم السياسية أو المدخل فى علم السياسة فى طبعاته المتكررة)، مع أستاذنا د.خيرى عيسى، وتخرجت فى الكلية وكلى فخر واعتزاز، وكان رئيس قسمنا هو د.بطرس، ودرس لى العلاقات الدولية، وأول من تنبأت له بأنه سيكون أمينا عاما للأمم المتحدة فى حديث لى بالقناة الثالثة قبل الحدث بستة أشهر، ويمكن الرجوع له بأرشيف التليفزيون. ربما اختلفت مع د.بطرس فى رؤيته للصراع العربى الصهيونى، ولكن قدرته عندما رفض ضميره القومى العربى أن يساوم باستمراره مقابل السكوت على عدم نشر تقرير مجازر «قانا» اللبنانية التى ارتكبتها اسرائيل. تحية للأستاذين اللذين ارتبطت بهما بكل محبة واحترام، وهؤلاء يرحلون جسديا، فنتألم لفراقهم، لكن أعمالهم مستمرة وأفكارهم حية ومتجددة.

ومازال الحوار متصلا.

لمزيد من مقالات د. جمال زهران

رابط دائم: