رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

شـاهبندر التجــار


فجأة ظهر فى سماء مصر نجم اقتصادى ربما تبدى كبيرا لكنه ليس ساطعا . فالسيد رئيس اتحاد الغرف التجارية والذى يمكنه أن يتباهى باللقب التاريخى المهيب «شاهبندر التجار» عقد مؤتمرا صحفيا واصطفت أمامه عديدا من ميكروفونات لتليفزيونات وفضائيات لعل بعضها أتى ليتعرف على ما سيقوله الشهبندر فى أول محاضرة يقوم فيها بتعليم الجميع أصول علم الاقتصاد، ولما كانت المحاضرة مسطحة واكتفى الشاهبندر فيها بالقول بأن الحكومة كلها كده على بعضها مبتفهمش فى الاقتصاد، ولا فى أصول التعامل مع السوق . فقد أعقبه مساعده أو مدير مكتبه - الله أعلم - ليزيد الرؤية تسطيحا ولم يشفع له حماسه فى إضفاء أى مسحة علمية على ما قال . وأنا الذى درست بعضا من أسس علم الاقتصاد وبقدر ما أمعنت فى محاولة الفهم ، وقد ظللت فيما سبق انتقد مسلك وأساليب عمل بعضا [وليس كل] من الوزراء ، وتحديدا انتقدت ما لديهم مما يعجب السيد الشاهبندر وهو موقفهم الاجتماعى ، دهشت لأن السيد الشاهبندر ظل شديد الإعجاب بمواقف وتنظيرات بعض السادة الوزراء وخاصة تجاهلهم الممعن فى التعالى على مصالح فقراء هذا الوطن [45% من السكان] ثم ما لبث أن اكتشف بعد ما رآه من [كارثة رفع أسعار المياه على الشرائح الدنيا والكهرباء والغاز] وهو الأمر الذى ربما أثلج صدر الشهبندر ، لكنه ما لبث أن انقض عليهم دفاعا عن متاجرين فى طعام السادة من كلاب يمتلكها السادة وفى الكاجو وغيرهما، واعتقد ان السيد الشاهبندر متسق مع نفسه فيما فعل أولا وما فعل ثانيا . أما بعض الوزراء فقد تم اجبارهم على اتخاذ مواقف متناقضة ، فهم مثلا يرفعون أسعار مياه الشرب على أفقر الفقراء ويهددون وبمنتهى الشجاعة بقطع المياه عن هؤلاء الفقراء إذا ما عجزوا عن دفع الفاتورة وليأذن لى سيادة الشاهبندر بان ابحث عما اعتقد انه السبب فى غضبه من الحكومة ، لعل ذلك يفسر لنا سبب غضبته من تصرف بعض الوزراء الذين يعجب بهم أحيانا ثم يهاجمهم فى مؤتمر صحفى مرة أخرى . فلعل [أقول لعل] السبب فى هذا الغضب هو ما يمكن تسميته افتقاد نسق التوجه العام ، وبعد التوصل لنسق عام ، افتقاد التناغم بين مواقف وتطبيقات وتصريحات جميع الوزراء، وربما كان السبب ضعف فى أداء رئيس مجلس الوزراء وهو ضعف ربما يكون الدافع فى اضطرار الرئيس الى لقاء الوزراء منفردين ورئيس البنك المركزى منفردا بحيث يتلقى كل منهم تلقينا متعلقا بأداء وزارته فيتصرف ليعزف منفردا فيصير العزف الجماعى نشازا ، وينفرد كل منهم بمن يفترسهم من فقراء هذا الوطن ناسيا أنهم سيكونون فى نهاية الأمر الحاسمين فى مصير الوطن إن رضاءً أو رفضا ، والويل كل الويل إن رفضوا . وعلى أيه حال فإننى اعتقد أن احتمالات الرضاء غير المحتمل وتوقعات التحرك الرافض وهو ما نخشاه ونكتب ونقول أو حتى نصرخ تحسبا من حدوثه ، ربما يمس الشاهبندر باعتباره رئيسا لاتحاد الغرف التجارية ويتحمل هو واتحاده مسئوليات كثيرة . وبالمناسبة فإننى اعتقد أن مثل هذا المؤتمر الصحفى كان يحتاج - ولم يزل - مؤتمرا صحفيا آخر يحدثنا فيه سيادته عن بعض من محاولات البعض من التجار لاختراق حدود المصلحة الوطنية والإمعان فى الإضرار بالبيئة الاقتصادية، سواء فى الصناعة أو التجارة أو الإجراءات الاقتصادية . فالأمر يا سادة لا يقتصر على ضرورات احترام البوبيهات التى يدلعها الأغنياء فيستوردون لها طعاما من أوروبا، بينما نحن نرفض [ولنا كل الحق] اقتصار دعم الوجبات الغذائية على من يمتلكون ثمن شرائها بثلاثين جنيها يوميا أى 900 جنيه شهريا دون احتساب وجبتى الإفطار والعشاء أو احتساب مصروفات التعليم والدروس لخصوصية والصحة والعلاج والدواء والانتقال وغيرها ، ولعل هذه الوجبة ذات الثلاثين جنيها والتى تعتبر حلما صعب المنال بالنسبة لملايين من المصريين تأنف البوبيهات المرفهة من مجرد النظر إليها ، لكن الأمر يتخطى ذلك إلى عمليات تهريب وتبديد الثروة الوطنية يقوم بها بعض التجار الذين كنا نطمع أن يرفضهم رئيس غرفهم التجارية علنا، وهناك أمثلة ليست خفية لكنها ربما مسكوت عنها او لم يتم بعد اصطيادها إما بسبب بعض موظفى بعض المناطق الحرة، وإما بسبب التغاضى عنها لسبب لم استطع التكهن به . وإذا ما تفضلت يا سيدى الشاهبندر بأن تسألنى عما اقصد او عن مثال لما اقصد سأقدم لك مثالين الأول متعلق بصناعة النسيج المصرية التى تستمتع - ولست ادرى لماذا - بكراهية شديدة من جانب بعض المليارديرات الذين يطالبون بتصفية مصانعها توفيرا لأجور العاملين فيها ، والذين لا ينتجون بما يكفى ليس بسبب تكاسلهم، وإنما لأن الماكينات تقادمت وفقدت ممكنات الصيانة ، والغزل اللائق لتشغيلها بسبب من عمليات التلاعب بالغزل المصرى واستيراد غزول من تركيا وغيرها سعيا وراء أرباح خفية . وطبعا تنتقل كراهية السادة المليارديرات إلى السادة الوزراء، وتبدأ عملية تدمير مستمرة ومنظمة لصناعة النسيج عبر بعض تجار المناطق الحرة . فماذا يحدث ؟ كونتينيرات داعشية تأتى بأقمشة تركية [وهى داعشية ليس فقط لأنها تضخ دولارات من لحم الاقتصاد المصرى بعيدا لصالح الاقتصاد التركى الذى يضخ بدوره أموالا لدعم داعش بالسلاح والأموال ، وإنما لأنها تأتى لتذبح صناعة النسيج المصرية او بالدقة ما تبقى منها] ثم هل تريد مثالا آخر يا سيدى يتعلق هذه المرة بالزراعة ؟ هناك مثلا أقاويل تقول إن البعض يستورد أرز بسماتك فاخرا الى فراكات فى المنطقة الحرة، وإعادة تصديره بعد ضربه وتعبئته وتغليفه ورغم انها اختراع لا يمكن ابتلاعه إلا إذا كان البعض يتسامح معه لسبب ما . لكن الأرز البسماتك يتسرب للفنادق والمطاعم الفاخرة بينما يتم تهريب أرز مصرى بعض منه كسر لتصديره تحديا لقرار عدم تصدير الأرز .

وتحايلات اخرى عديدة فهل تجعلون من مهام غرفكم الموقرة واتحاد الغرف التجارية الموقر كشف هذه التحايلات وأمثالها لمعاقبة المخالفين المدمرين للاقتصاد المصرى سعيا وراء ربح هو بذاته سحت وحرام ، وإن وجد البعض رغم الادعاء بالتدين الشديد سبيلا للقول بأنه حلال لأنه مجرد شطارة . والآن يا سيدى هل تسمح لى بأن أرجوك أن تتصالح مع مصالح الوطن والشعب ومصالح الفقراء؟ ثم أرجوك ألا تغضب فما قصدت مع احترامى الكامل لك ولتجار مصر جميعا وغرفهم كلها إغضاب أحد وإنما فقط قصدت مصلحة الوطن والفقراء الذين سنظل ندافع عنهم دوما .. ونخشى دوما انتفاضة غضبهم من تصرف البعض .


لمزيد من مقالات د. رفعت السعيد

رابط دائم: