رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

قرارات مؤلمة

ذكر رئيس مجلس الوزراء فى اجتماعه يوم 14 فبراير مع بعض رؤساء الصحف وكبار الكتاب أن هناك قرارات اقتصادية مهمة

سيتم الإعلان عنها، حيث لم يعد لدينا ترف الوقت لتأجيلها، وشدد على أن الحكومة ستتخذ قرارات بعضها صعب وقد تكون مؤلمة لأنه ليس لديها بدائل ولكن بصورة تدريجية لأن الحكومة لا تعمل بأسلوب الصدمات، كما أن هذه القرارات سوف تتخذ بالتزامن مع قرارات توفر الحماية الاجتماعية مثل توفير السلع الأساسية بأسعار تلبى احتياجات الفقراء ومحدودى الدخل، ووصف برنامج حكومته بأنه «صناعة الأمل»، ويعنى هذا أن الألم هو طريقنا إلى الأمل، ولا شك فى أننا نواجه أوضاعا ملحة باتت تتطلب معالجة جذرية ولكن السؤال يكون دائما عن الكيفية المثلى التى يمكن أن تتم بها هذه المعالجة وفقا لحسابات الهندسة الاقتصادية وفى الوقت نفسه السياسية والاجتماعية حتى لا يتعرض البناء الجديد إلى مخاطر تعرقله أو تهدده بالانهيار لا قدر الله.

وأول ما يثور فى الذهن من أسئلة عن ماهية هذه القرارات، وعادة ما تبرز على الفور فى هذه الأحوال نية المزيد من رفع الدعم عن بعض السلع الحيوية أو رفع لأسعار سلع وخدمات أو أعباء ضريبية جديدة ، وليس مجديا أن نحاول التنبؤ بدقة بهذه القرارات وإنما المهم أن رئيس الوزراء قد ذكر أنها «مؤلمة» وبالتالى يتحول السؤال فورا إلى: مؤلمة لمن؟ لأن التجارب علمتنا أن الحسابات الاجتماعية كثيرا ما لا تراعى عند اتخاذ القرارات فتكون كارثية أو لا تؤتى على الأقل ثمارها المرجوة ، وعادة ما يُشار إلى المثال الصارخ لقرارات يناير 1977، وهنا من المهم أن رئيس الوزراء قد أشار إلى أن القرارات المنتظرة سوف تكون تدريجية وليس بأسلوب الصدمات كما أنها سوف تتزامن مع قرارات للحماية الاجتماعية وهذا جيد لكن حساباته لابد أن تكون دقيقة للغاية، وظنى أن التدرج المطلوب يجب أن يتناسب مع أوضاع الطبقات الفقيرة التى يدركها الرئيس السيسى جيدا وذكر فى تصريحاته الأخيرة للأستاذ عمرو أديب أنه لا يحتاج توصية منه عليها ، والواقع أن هذه الأوضاع فى تقديرى تتطلب الامتناع عن التفكير فى أى قرارات من شأنها أن تمثل أى عبء إضافى على الفقراء فلديهم ما يزيد على حاجتهم كثيرا من ألم يمكنهم أن يصدروه إلى من يستطيع تحمله، والمفارقة أن الحكومات السابقة فشلت فى عملية التصدير هذه فتعثرت خطوات مثل فرض ضريبة على أرباح البورصة أو فرض ضرائب تصاعدية وما إلى هذا .

لا ينكر المرء أن تقدما ما قد حدث فى محاولة إيجاد حلول للمنغصات التى تزيد من معاناة الطبقتين الفقيرة والمتوسطة، وتبرز فى هذا الصدد قضية الحصول على الخبز المدعم ونوعيته وتوسيع شبكة الضمان الاجتماعى وحل مشكلة انقطاع الكهرباء، ولا ينكر المرء أيضاً أن المشروعات الجديدة سواء الكبرى أو الصغرى منها قد ساعدت على إيجاد فرص عمل جديدة وغير ذلك من إنجازات مقدرة يتمنى الجميع استمرارها وزيادتها ، لكننا من ناحية أخرى لا نستطيع الادعاء بأن كل شىء قد أصبح على ما يرام أو أن هذه الإنجازات قد وصلت إلى الحد الذى يجعلنا نطمئن على مناعة تلك الطبقات إزاء أى إجراءات جديدة «مؤلمة»، والواقع أن المرء يخشى كثيرا من أن يكون المسئولون الفنيون غير مقدرين من الناحية الفعلية لمدى هشاشة أوضاع تلك الطبقات، ويفاقم من هذه المشكلة أننا نعيش فى مرحلة يتربص بنا فيها أعداء الوطن فى الداخل والخارج ويحاولون استغلال أى ثغرة للنفاذ إلى جسد المجتمع فى محاولة لخلخلة تماسكه وتأليبه على السياسات الحالية المتبعة بدعوى أن من شأنها أن تودى بنا إلى الهلاك ، ولا يقتصر الأمر فى صدد محاولات إثارة الفتنة على القضايا السياسية والاقتصادية ، ولكنه يمتد إلى أى مجال حتى ولو كان مباراة لكرة القدم .

قال رئيس الوزراء بحق ان القرارات المزمع اتخاذها «لم يعد لدينا ترف الوقت لتأجيلها»، وشدد على عدم وجود بدائل لدى الحكومة وتقييم هذا القول لن يكون ممكناً دون أن نعرف ماهية هذه القرارات وإن كان صدق رئيس الوزراء فى وصفها بأنها مؤلمة يجعلنا نتوجس خيفة من توجهاتها، وليست لدينا سوابق للأسف للنجاح فى اتخاذ قرارات «مؤلمة» تراعى البعد الاجتماعى، ومعروف أن الأثر المضاعف لأى قرار يزيد كثيرا عن الأثر المحسوب عند اتخاذها بسبب مسارعة الكافة من غير أصحاب الأجور الثابتة عند زيادة سعر سلعة أو خدمة معينة إلى المبالغة فى زيادة هامش أرباحهم أو أسعار ما يقدمونه من خدمات بدعوى الحفاظ على القيمة الحقيقية لدخولهم وهى لعبة تضخمية معروفة ، وقد نجح الرئيس السيسى فى 2014 فى أن يمرر الزيادة فى أسعار الوقود بإقناعه الشعب بحتمية ذلك بسبب شعبيته الغامرة ومخاطبته الشعور الوطنى لدى المصريين عندما ألمح إلى ما تمثله زيادة الاعتماد على المساعدات الخارجية من حرج بقوله «لا تحرجونا أكثر من ذلك»، لكن عوامل استجدت كتخفيض قيمة الجنيه المصرى وغير ذلك أدت إلى استمرار ارتفاع الأسعار بما يشكك فى أن تمر أى زيادة جديدة دون مشاكل فى الوقت الذى نحتاج فيه إلى أقصى درجات الاستقرار للانطلاق من أجل تحقيق طموحاتنا، ولست خبيرا اقتصاديا ولكننى أحسب أننى أشعر بدرجة بما عاناة الطبقتين الفقيرة والمتوسطة ولا يمكننى أن أناقش مناقشة جادة مسألة غياب البدائل أو أقيم مدى أمان «التدرج» الذى تحدث عنه رئيس الوزراء قبل معرفة مضمون القرارات المنتظرة لكننى أنصح بترشيد عملية صنع هذه القرارات بتوسيع دائرة المشورة حولها وإشراك مجلس النواب فى هذه المشورة حتى تكون المسئولية جماعية بين السلطتين، وأعلم أن توسيع دائرة النقاش له محاذيره لكنها بالتأكيد أهون من اتخاذ قرارات لا تأخذ فى اعتبارها الحسابات الاجتماعية والسياسية.


لمزيد من مقالات د. أحمد يوسف أحمد

رابط دائم: