رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

جندى وعامل ورجل أعمال

بعيدا عن الطافين على سطح الأحداث، تزخر مصر بنماذج من الشرفاء الذين قدموا للوطن خلاصة جهدهم دون مقابل إلا مرضاة

الله ، فتركوا فى مجتمعاتهم المحلية إنجازات قيمة بعيدا عن بريق الإعلام أو طموحات السياسة، تاجروا مع الله بقلب سليم فأنعم عليهم بحب الناس، لم ترتبط بواعثهم الخيرية بالغنى أو الفقر ولا بالمستوى الاجتماعى أو التعليمي. رجال علموا من الدين أصوله التى تدعو إلى الخير والمحبة والإخاء وقضاء حوائج الناس ومساعدة الآخرين والإتقان فى العلم والإحسان فى المعاملة، بعيدا عن أى لافتات دينية أو وطنية أو حزبية. فى جنوب مصر كما فى شمالها نماذج من هؤلاء المصريين البنائين العظام الذين تجرى الحضارة المصرية فى دمائهم، الحضارة التى دشنت أبجديات الحكمة وأدركت منذ فجر التاريخ فلسفة الحياة وعلاقتها بالموت فبنت الأهرامات والمعابد وانطلقت من القيم الإنسانية العليا التى جاءت بها الأديان فربطت خير الدنيا بنعيم الآخرة. ولأن النماذج المشوهة السائدة قد تضاعف الإحساس بنصف الكوب الفارغ فإننا بحاجة دائما إلى أن نتشبث بالنماذج المضيئة، ويكفى فى هذه المساحة أن نذكر ثلاثة من هؤلاء العظام، أولهم ابن دمياط الجندى محمد أيمن البطل الذى أنقذ زملاءه الثمانية من الحزام الناسف الذى كان يحمله أحد العناصر التكفيرية فى قرية المساعيد بمدينة العريش، حيث كان محمد أيمن فى مقدمة القوة، لاقتحام الموقع، وبعدما أحس العنصر التكفيرى الموجود داخل عشة بدخول الجندى البطل إليه، بادر بتفجير نفسه بالحزام الناسف، فاحتضنه الجندى البطل، وجنب رفاقه الموجة الانفجارية الضخمة، التى حولّت جسده الطاهر إلى أشلاء، محمد أعطى عمره كله فى لحظة فارقة فداء لزملائه .والنموذج الثانى رجل الأعمال الذى فارق دنيانا منذ أيام، المهندس صلاح عطية ابن الدقهلية الذى كرس حياته ووظف أمواله لخدمة مجتمعه،مؤسس جامعة الأزهر فى قريته تفهنا الأشراف،أول جامعة بقرية مصرية، الذى اتفق مع شركائه على تخصيص نسبة10% من الربح لإنفاقها فى وجوه الخير وعندما وجدوا حصيلة الربح كبيرة قرروا زيادة النسبة إلي20% من الربح ، وتحقق إنتاج غير مألوف فى الدورة التالية فقرروا زيادة نسبة الربح المخصصة لوجوه الخير إلي30% واستمرت الزيادة إلى أن أصبحت 100%.

وأنشأ صلاح عطية العديد من الأعمال لخدمة المجتمع، منها 6 معاهد دينية أزهرية ومحطة سكة حديد،أعقبها إنشاء كلية جامعية للشريعة والقانون، تلاها كلية للتجارة بنات ثم كلية لأصول الدين وكلية للتربية. وأسهم فى بناء المعهد الدينى بقرية الصنافين بالشرقية، بعد أن حفز أهل القرية لجمع التبرعات. الرجل لم يكتف بالتبرع بأمواله وإنما كان صاحب رسالة عنوانها زرع الخير فى نفوس الناس ، فقد توسع فى إنشاء لجان متخصصة للتنمية داخل القرية، منها لجنة للزراعة تضم مهندسين زراعيين على المعاش، لبحث كيفية زيادة إنتاجية المحاصيل المزروعة، وأخرى للشباب تختص بشغل أوقات فراغهم. وثالثة للتعليم لرفع المستوى التعليمى بالقرية،ولجان المصالحة لتحقيق السلام الاجتماعى بين أهالى القرية.

و فى 11 يناير الماضى توفى صلاح عطية ( 70 عاما) وبقيت أعماله فى قلوب الناس .

النموذج الثالث عامل من إحدى قرى قنا التى تعتز بانتمائها القبلي، لكنه غرد خارج السرب، فأغلبية الذين استمتعوا بأعماله الخيرية لا يعلمون اسم ابيه ولا جده لأن إنجازه الفردى طغى على لقبه العائلى مما جعل الناس تكتفى باسمه الأول الذى اقترن بالماء والخضرة واللون الأبيض وهى ثلاثية فلسفة الشيخ عبد العزيز فى الحياة التى جسدها على قارعة الطريق العام «الأسفلت» فى أعمال بسيطة ولكنها معبرة توفر لعابرى السبيل تحت شمس قنا الحارقة استراحات مجانية ممهورة بماء بارد وظل شجرة ومصطبة ومكان للصلاة. كان لا يبدأ عمله الخيرى إلا بعد انتهاء دوامه الرسمي، متبرعا بجهده ووقته لغرس شجرة ووضع زير بجوارها، ثم تطور الأمر لبناء مصطبة على الطريق السريع مقابل قريته «بخانس» بمركز أبو تشت حيث لم يكن على طول الطريق الذى يمتد عشرات الكيلومترات أى استراحة أو مصدر للمياه أو حتى شجر يستظل تحتها العابرون. وعندما وجده أهل الخير عاكفا على هذا العمل بمفرده وأحيانا بمساعدة ابنه الصغير، تبرع بعضهم بمساعدته على استكمال البناء.لم يكتف الرجل ببناء الاستراحة بالطين وإنما قام بدهانها بما تيسر من الأصباغ الشعبية،ثم تظليلها من البوص(سيقان الذرة) وسعف النخيل لتكتمل الاستراحة بلونها الأبيض وتشمل مسجدا صغيرا و زيرا ومصطبة وشجرة، وفيما بعد أضاف لها مصباحا كهربائيا، وعندما نجحت الفكرة كررها بجوار المقابر فى قريته ، ثم فى مواقع أخرى عديدة على طول الطريق السريع. توفى الشيخ عبد العزيز منذ سنوات وبقيت إنجازاته الخيرية شاهدا على حكمة الرجل.

عمل الخير لا يتوقف على الثروة، وإنما ينبع من الإرادة الذاتية ومرضاة الله، ولا شك أن بمصر الكثيرين من هذه النوعية بعيدون عن الأضواء ، وزاهدون فيها.. واجبنا اكتشافهم وتشجيعهم.

لمزيد من مقالات د. محمد يونــس

رابط دائم: