زمجرت العواصف وفار التنور ودوى الإعصار واكتسحت أمواج تسونامى الهائجة الساحل الشمالى، واقتلعت المحطة النووية المصرية من جذورها بحزامها الخرسانى وظلت تتدحرج حتى هوت على رأس مفاعل ديمونة الاسرائيلى واستقرت فوقه بعد أن جعلته حطاما تذروه الرياح، جال هذا الكابوس المفزع بخيالى بعد ان قرأت تقريرا عن اكتشاف علمى خطير بان المنطقة التى سيقام فيها المفاعل النووى المصرى بالذات معرضة لتسونامى مدمر، ..الكشف الخطير نشرته صحيفة تتبع رجال أعمال ينافسون فى كراماتهم العلمية علماء فطاحل مثل نيوتن وجاليليو وفيثاغروث عن احتمال تعرض منطقة الضبعة بالذات لعواصف تسونامى مدمرة، ويوصى الكشف بضرورة وقف إقامة المشروع فى الضبعة.(قفز إلى ذهنى تشبيه «القط والفأر» الذى أطلقه الدكتور جلال أمين فى توصيف العلاقة بين قبضة الدولة وجماعات المصالح المريبة) وفى اليوم التالى ـ السبت الماضى ـ لنشر هذا الكشف صدر قرار النائب العام بحظر النشر فى قضية وقف مشروع الضبعة النووى فشعرت أن القط متيقظ هذه المرة لألاعيب الفئران!
ولأن الأمر لا يحتمل الهزار اتصلت على الفور بصديقى الدكتور إبراهيم على العسيرى الحائز على جائزة نوبل ضمن الفريق العلمى لمفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 2005، والذى جمع شهادته فى كتاب بعنوان «المشروع النووى المصرى بين الزعم والحقيقة» وسألته عن حقيقة هذه الدراسة «الخطيرة» التى نشرتها الجريدة، وهل تؤدى هذه الحيلة لوقف المشروع المصرى الذى يستفز إعصار تسونامى الخطير؟
فقال الدكتور العسيري: لعلمك الخاص تم إجراء دراسة مسحية شاملة لمنطقة الضبعة وسواحل مصر على مدى أرٍبعة آلاف سنة، وتم وضع مواصفات لعوامل أمان بما يتحمل أعلى تسونامى أو زلزال تعرضت له المنطقة حتى اليوم، لكن المشكلة أن خلف هذه الصحيفة رجل أعمال، يريد أن «يفتح الشقتين على بعض»، كما قالت النكتة التى أطلقها المصريون لوقف مشروع التوريث ، فهو يمتلك قطعتى أرض يمين وشمال المحطة النووية، والتقت مصالحه وأمثاله مع الرغبة الأمريكية الإسرائيلية الدائمة بعدم إقامة المشروع، فصارت مهمتهم ترويج الشائعات المعوقة للبرنامج النووى المصرى وتمويل دراسات «علمية» للخروج بنتائج بعينها ومتفق عليها قبل إجراء الأبحاث!
قلت ولكن هناك سوابق خطيرة فى انفجار مفاعل تشرنوبيل؟ فقال العسيرى إن أوكرانيا التى شهدت انفجار تشيرنوبيل بها الآن 15 محطة نووية، بينهما محطتان تفتتحان خلال أيام، والطاقة النووية لا يمكن الاستغناء عنها فى دولة مثل مصر، مواردها المائية محدودة وتتعرض للمخاطر، لكن المشكلة أن هناك قوى دولية مازالت تحكمها عقدة بن جوريون الذى كان يعتبر أن نهضة مصر علميا واقتصاديا هى التى تعجل بزوال إسرائيل، فمشروع مصر النووى بدأ عام 1955، وكان هدفه إعطاء دفعة للاقتصاد الوطنى وتوفير الطاقة للمصانع وإضافة عنصر جديد لعناصر قوة الدولة، ثم بنت مصر مفاعل أنشاص للأبحاث عام 1961 وأجهض المشروع عام 1964بسياسة العصى والجزرة فبعد أن تقدمت شركة وستنجهاوس الأمريكية بالجزرة وهى عبارة عن عرض لإقامة محطة نووية، كانت سياسة العصا الغليظة بعدوان يونيو 1967، ..وفى عام 1978بدأت الخطوات التنفيذية لاستئناف المشروع النووى بواسطة نفس الشركة، لكن السادات فوجئ بطلب أمريكى أن يكون لها الحق فى التفتيش على كل المنشآت والأنشطة النووية فى مصر، فرفضت مصر وتعطل المشروع، واغتيل الرئيس السادات وجاء الرئيس مبارك، ووقعنا اتفاقية مع فرنسا على توريد محطتين نوويتين وكان لى شرف الانضمام للهيئة المصرية ، وقامت شركة سوفراتوم بمسح المناطق المرشحة فى سيناء وخليج السويس والدلتا وبحيرة ناصر والساحل الشمالى وكانت النتيجة أن منطقة الضبعة هى أفضلها..
وذكرت الدكتور العسيرى بتصريح المهندس ماهر أباظة وزير الكهرباء للأهرام مطلع عام 1983الذى قال إننا سنحتفل هذا الشهر بانطلاق مشروع مصر النووى الذى سيتكلف 8 مليارات جنيه وينتهى بعد خمس سنوات، وطرحت المناقصة، واستمر التفاوض مع المتناقصين أعوام 84و85، فقال: بعدها أصدر بنك التصدير والاستيراد الأمريكى بيانا أوصى بعدم تمويله، وعرض الأمريكان تمويل محطة تعمل بالفحم كبديل للمحطات النووية،وعادت المنهجية المنظمة لقتل المشروع، حتى أعلن الرئيس مبارك وقفه دون الرجوع لمجلسى الشعب والشوري ولا للخبراء ..وفى عام 2009 عاد مبارك واستأنف البدء فى المشروع النووى لإنقاذ شعبيته، وبعد تحديث الدراسات بواسطة خبراء الأرصاد والزلازل والمياه الجوفية والتيارات البحرية أقرت بيوت الخبرةالمصرية وخبراء من الوكالة الدولية للطاقة موقع الضبعة بلا أى خطورة من حدوث تسونامي..
وأضاف الدكتور ابراهيم العسيري: طوال الوقت كانت هناك محاولات لإجهاضه من رجال المصالح قبل ثورة يناير وبعدها، .. والآن نحمد الله أن الرئيس السيسى اتخذ القرار وأعلن إصراره على تنفيذ المشروع، وأدعوه للإسراع به، لأن كل تأخير يكلف مصر شهريا أكثر من 800 مليون دولار فرق تكلفة الوقود النووي، وهو مايعنى خسارة عشر مليارات دولار سنويا، أى ما يعادل تكلفة إنشاء محطتين نوويتين..
..وعليه، فالإبطاء يعطى الفرصة مرة أخرى لفئران المصالح المشبوهة أن تنظم صفوفها وتخرج من جحورها مستخدمة أذرعتها الإعلامية لعمل حالة من البلبلة بين فئات الشعب التى لا يعرف أغلبها حقيقة وأهمية المشروعات القومية الكبرى وأولها المشروع النووي، وكما تتجاهل «جماعات المصالح» مشروع الطرق العملاق ولا تتذكر منه إلا كوبرى سوهاج المنهار، تتجاهل أيضا أهمية وحتمية المشروع النووى وتهتم بإشاعة «تسونامي» التى تهدد بتحويل الحلم المصرى اليوم إلى وهم وكابوس !
لمزيد من مقالات أنور عبد اللطيف رابط دائم: