رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رؤيتى لـ «القرن الحادى والعشرين» (112)
حياة بلا موت

عنوان هذا المقال كان عنواناً لبحث ألقيته فى بداية هذا القرن فى مؤتمر بتونس تحت عنوان «ما الحياة؟» وفى حضور فرنر أربر الحاصل على جائزة نوبل فى الطب، وريمون دوديل رئيس الأكاديمية الأوروبية للعلوم والفنون والآداب وصلاح الدين فطوم بكلية الطب بتونس.

وأظن أولاً أن السؤال عن الحياة هو سؤال هذا القرن بسبب شيوع الارهاب الأصولى القاتل للحياة.

وأظن ثانياً أن الانشغال بمعرفة أصل الحياة على كوكب الأرض وليس خارجه قد بدأ علمياً مع دارون. فقد عرض نظريته عن أصل الحياة فى كتابه « أصل الأنواع» ومفادها أن الأحياء تطورت عن أصل واحد حى يُفسر تكاثرها وتنوعها بقانون الانتخاب الطبيعى أو بقاء الأصلح وهو القانون اللازم من تنازع البقاء.

وأظن ثالثاً أن التمهيد لهذا السؤال ورد فى منتصف القرن العشرين لدى الفزيائى النمساوى الحاصل على جائزة نوبل فى الطب ارون شرودنجر عن أهم مؤلفاته وعنوانه «ما الحياة؟» الذى صدر منه ثمانى عشرة طبعة، وفيه يربط بين الفزياء وعلم البيولوجيا، أى بين المادة والحياة. كما ورد لدى فرانسوا جاكوب الطبيب الفرنسى الحائز على جائزة نوبل فى الطب. وهو مشهور بكتابه المعنون « منطق الحياة» وقد صدرت منه سبع طبعات. فكرته المحورية أن الحياة عملية متواصلة لا تقف عند حد تذكر الماضى بل تتجه أيضا إلى المستقبل، والجهاز العصبى من حيث إنه أداة التنسيق بين سلوك الخلايا المتباينة أصبح قادراً على اختراع مستقبل يحتوى على الموت وعلى ما بعد الموت ومن ثم يحدث حوار بين ما هو واقعى وما هو ممكن استناداً إلى عقل قادر على التمييز بين الحلم والواقع ولكنه أيضا قادر على التعامل معهما بشرط أن يكون الأمل هو الذى يعطى معنى للحياة. وهنا يختتم جاكوب كتابه بعبارة قالها الأديب الفرنسى تريستان برنارد عندما قبض عليه وعلى زوجته جستابو هتلر: « لقد انتهى زمن الخوف والآن جاء زمن الأمل».

وتأسيساً على ذلك يمكن القول إنه لم يعد ينظر إلى المنظومة الحية على أنها جملة أعضاء ووظائف أعضاء، إنما على أنها رسالة ضد التفكك، أى ضد الموت. والاتزان هو العملية التى بفضلها تقاوم المنظومة الموت. بيد أن هذا الاتزان لا يتم بمعزل عن البيئة. فثمة علاقة جدلية، أى علاقة وحدة مع الصراع، بين المنظومة الحية والبيئة. ولهذا فعلى المنظومة التفاهم معها. إلا أن هذا التفاهم لا يستلزم المعرفة فحسب بل يستلزم وحدة المعرفة فتتداخل علوم الحياة مع علوم البيئة. وأى اختلال فى هذا التفاهم من شأنه أن يفضى إلى المرض، ذلك أن المرض يعنى أن الانسان ليس على مايرام. واللفظ الانجليزى diseased

أى مريض مكون من مقطعين dis و eased وهما معاً يعنيان «عدم الراحة». وحيث إن المرض ضد الصحة فالصحة اذن تستلزم وحدة المعرفة. واللفظ الانجليزى يدلنا على ذلك. فلفظ health يعنى الصحة وهو مشتق من اللفظ الانجلوسكسونى hal ومعناه whole أى الكل. ولذلك يقال to be made whole ومعناه أن يكون كلاَ، ومن ثم تكون مهمة الطبيب سؤال المريض عن هويته قبل سؤاله عن هوية مرضه. فيسأله أولاً: مَنْ أنت؟ قبل أن يسأله: مم تعانى؟ ولا أدل على ذلك من تعريفنا لمرض السرطان بأنه نتوء فى أسلوب الحياة. وتفصيل هذا التعريف على النحو الآتى:

السرطان ليس ورماً يبزغ بلا مقدمات فى جسم سليم.

والسؤال اذن:

ما هى مقدمات هذا الورم؟

إن ثمة مقدمات ينبغى استبعادها، وهى مقدمات تتسم بتفكير تقليدى آلى عن نشأة أى مرض. فالمرض فى ضوء هذا اللون من التفكير هو ثمرة عامل محدد وهو إما بكتيريا أو فيروس أو نقص فى الهرمونات. والطب الحديث يعتمد هذا التعليل فى نشأة السرطان مع إضافة أسباب سيكوسوماتية، أى أسباب نفسية جسمية، تذهب إلى أن العوامل النفسية قد تفسد الاتزان الهرمونى للكائن الحى، أو تضعف آليات المناعة، أو إضافة أسباب بيوكيميائية مثل نقص الأكسجين.

ومع ذلك يظل السؤال العمدة قائماً:

ما السبب؟

إذا كان هو الفيروس فكيف نشأ؟

وإذا كان أعمق منه كأن يكون كيميائياً فما هو؟

وإذا كانت الانفعالات فكيف تولد السرطان؟

وإذا كان ثمة علاقة بين هذه الأسباب والسرطان فتحول الخلية السليمة إلى خلية سرطانية مازال مجهولاً؟

وإذا كانت معرفة السبب معضلة فذلك مردود إلى أن الطب ينظر إلى الورم السرطانى لا على أنه عرض لمرض ولكن على أنه المرض ذاته. وفى هذه الحالة ليس أمام الطبيب سوى بتر الورم بالجراحة أو تدميره بالكيماويات. ومع ذلك فاحتمال عودته مرة أخرى أمر وارد.

والسؤال اذن:

كيف تتحول الخلية السليمة إلى خلية سرطانية؟

جواب هذا السؤال مشتق من معرفة خاصية الخلية السرطانية. وهذه الخاصية تكمن فى أنها قد حصلت على طاقة حيوية تجاوزت الحد السوى فتختل عدالة توزيع الطاقة الحيوية فنكون لدينا خلية ثرية بالطاقة الحيوية وخلية فقيرة من هذه الطاقة فتأكل الأولى الثانية بأسلوب وحشى، ومن ثم يمكن أن يقال على الخلية السرطانية إنها خلية تتارية تدمر الحياة ذاتها على غرار تدمير التتار للحضارة، وبالتالى فإن السبب الذى يسمح ببزوغ التتار هو الذى يسمح ببزوغ الخلية السرطانية. فإذا كان سبب نشوء التتار رفض الحضارة فسبب نشوء السرطان رفض الحضارة أيضاً، أو بالأدق رفض شهوة الحياة. السرطان اذن كامن فى فلسفة الحياة وليس فى فسيولوجيا الحياة. وإذا استقامت فلسفة الحياة مع الحياة استمرت الحياة بلا نهاية.

لمزيد من مقالات مراد وهبة

رابط دائم: