رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

برلمان إطفاء النار..!

للمرة المائة نقولها، ولن نسأم من ترديدها: هذا أخطر برلمان فى تاريخ مصر المعاصر.

إن مصر- ككل المجتمعات البشرية( الحيّة) فى الدنيا- تعج بالمشكلات والتحديات والصراعات، فليس مجتمع بالدنيا كلها دون صراع، إذ الصراع هو سنة الكون. ألم يقل رب العزة سبحانه وتعالى فى سورة البقرة، الآية 251 ، «ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض.. ولكن الله ذو فضل على العالمين»؟

وقد توصلت المجتمعات الحديثة إلى آليات لإخماد نار الصراع، ولفض المنازعات، وعلى رأسها اختراع سموه البرلمان. وبالتالى إن لم يكن البرلمان نشيطا ذكيا وذا حيوية وعلى مستوى المسئولية فإن نار الصراع ستظل مشتعلة فى الشوارع والنفوس، بما يؤدى فى نهاية المطاف إلى عواقب وخيمة.. لا سمح الله. ولا يشك المرء فى أن مجلس النواب الحالى عندنا، ونوابه المحترمين، يدرك تلك الحقيقة.

.. وعلى فكرة، إن خناقة قانون الخدمة المدنية لم تكن إلا بروفة لخناقات أخرى قادمة، يحسبها الغافل مأساة.. وما هى بالمأساة، بل إنها لظاهرة صحية، وفى مصلحة الناس جميعا. لماذا؟ لأن تلك الخناقات تكشف لك عن مكامن الخطر، وموضع بصابيص النار، فتسارع إلى إخمادها.

وفى هذا السياق، حملت لنا الأنباء 3 خناقات على وشك الانفجار فى الأيام القليلة المقبلة، أولها: حول مشروع قانون التأمين الصحى، والثانية عن مشروع قانون العمل، وأما الثالثة فهى حول قانون الثروة المعدنية.. والبقية تأتى! وبالنسبة لقانون التأمين الصحى، فإن كلمة السر فى الخناقة هى: هل سنترك صحة المواطن المصرى رهينة فى يد مستشفيات القطاع الخاص، ومن ثم فإن المواطن القادر هو وحده الذى سيتلقى الخدمة بينما المواطن الغلبان ليس له سوى الله عز وجل؟.

إن القانون الجديد يشترط أن يكون المستشفى الذى يقدم الخدمة الصحية حائزا على ما يسمى معايير الجودة الدولية. وللوهلة الأولى قد يبدو الشرط هذا ممتازا ولا غبار عليه، إلا أن حقيقة الأمر أنه شرط فى ظاهره الرحمة وفى باطنه العذاب. لماذا؟ لأن 90% من المستشفيات الحكومية لا تتوافر به معايير الجودة تلك.. وإنما تتوافر فقط فى مستشفيات القطاع الخاص. يعنى الأستاذ «مواطن غلبان» عليه التوجه للقطاع الخاص.. الذى هو بطبيعته باحث عن الربح وإلا ما كانش فتح المستشفى أصلا!.

والمسألة بهذا الشكل تأخذنا من جديد إلى حدوتة «يا اخويا اللى ماعاهوش.. ما يلزموش». وطبعا سوف ترد علينا الحكومة قائلة: لا تقلقوا.. سوف نحسن لكم المستشفيات الحكومية.. ونسألها: منين يا حكومة؟.. وعلى رأى المثل: دا انت إيد ورا.. وإيد قدام!. وإذن نحن أمام صراع يتلخص فى أن المرضى عندنا فى مصر أعدادهم بالزوفة، ويسدون عين الشمس من كثرتهم، بينما الحكومة- يا حرام- عينها بصيرة ويدها قصيرة.. فما الحل فى هذا الصراع؟ هنا يأتى دور البرلمان الموقر، لأن المسألة لو تركت هكذا دون إطفاء فقد يخرج عليكم المرضى النازفون ألما وغضبا يجأرون ويصرخون.. وساعتها سيكون شكلكم وحش.

يعنى ما المطلوب من البرلمان يا عمّ؟ آه.. هنا مربط الفرس. إن هذه يا سادة هى وظيفة البرلمانات فى الدنيا كلها، ألا وهى إنتاج قوانين متوازنة؛ تعالج الناس، وتراعى فى الوقت نفسه إمكانات الحكومة. وهل هذا ممكن؟ نعم.. بشرط أن تكون العدالة هى الميزان الحساس الذى يزن به البرلمان الأمور.. ونحسبه سوف ينجح فى ذلك إن شاء الله.

.. فإذا ما أتينا إلى قانون الخدمة المدنية، فإن كلمة السر هى أن لديك ملايين الموظفين، الذين لكل واحد منهم أسرة، وهم- مثل سيادتك- مصريون، محبون لوطنهم، عاشقون لترابه. إنك يا باشا لم تعد قادرا على دفع رواتبهم المتصاعدة (طبعا لابد أن تكون متصاعدة.. وكيف لا والأسعار نار؟).. فهل يكون الحل تنشيف دمهم أكثر مما هو ناشف؟ إنهم بالتأكيد لن يسكتوا، فالجوع- بعيدا عن السامعين- كافر، ويشعل النار فى البطون والعقول والأرواح. فمن الذى عليه إطفاء تلك النار؟ إنه البرلمان.

.. وقل مثل ذلك فى قانون العمل. إن القانون الجديد يطالب أصحاب العمل ورجال الأعمال، بإشراك العمال فى مجمل الأرباح المتحققة من المشروع، إلا أن صاحب العمل حتما سيرفض ذلك، وسيرى أن المشروع مشروعه، وهو القادر وحده على تحديد نسبة الربح، حسب أسعار المواد الخام ومستلزمات الإنتاج وأداء العامل نفسه، فضلا عن تكلفة رأس المال.. فما الحل فى تلك النار الراقدة تحت الرماد بين صاحب المصنع وعماله؟ إسألوا البرلمان. ألم نقل لكم إن هذا هو أخطر برلمان فى تاريخ مصر.. فلم تصدقونا!.

لمزيد من مقالات سمير الشحات

رابط دائم: