رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

المرأة التى هزت عرش سد النهضة!

أصدرت محكمة السيدة محبات حكمها بإباحة هدم سد النهضة والتصدى لكل محاولات خنق مياه النيل، فأوقعت السفير الإثيوبى فى ورطة تستدعى خروجه عن الصمت لاستئناف الحكم أو للرد والتوضيح، فأخطر ما يواجهه أى سفير فى دفاعه عن سمعة وصورة دولته هو أن يتسرب العداء لبلاده من الأطر الدبلوماسية وكواليس الاجتماعات الرسمية إلى رجل الشارع والمواطنين البسطاء، والأخطر أن يصلوا إلى قناعة بأن مشاكلهم الحياتية وعقيدتهم الوطنية والدينية مرهونة بالصداقة أو بالعداء لدولة ما، حدث هذا على مدى أكثر من60 سنة مع دولة عنصرية اسمها إسرائيل وهى تستحق ما جرى لها فى الوجدان الشعبى المصرى والعربى الذى لم تستطع معاهدة سلام ولا تطبيع علاقات ولا عودة سيناء ولا اتفاقيات الكويز أن توقف العداء ولا الدعاء عليها فى المساجد، أقول هذا مشفقا على مهمة السفير الإثيوبى فى مصر المحترم محمود درير غيدي، خاصة بعد الموقف الصعب وغموض المصيرالذى يمكن أن تقودنا إليه المحادثات الثلاثية المعقدة حول سد النهضة، لدرجة صارت معها مهمته محفوفة بالمخاطر، لن تنقذها ثقافته الواسعة وأدبه الجم وعشقه لمصر والمصريين ولغته العربية، وهتافه تحيا مصر، وحديثه الدائم عن العلاقات الأزلية بين الشعبين، بل تنقذ هذه العلاقة موقف شجاع تعلى فيه الحكومة الإثويبية مصلحة شعبين يربطهما شريان حياة واحد.

فما شاهدته هذا الأسبوع على صعيد محكمة الوعى الشعبى المصرى يؤكد ثقتى إلى درجة النبوءة بأن »سد النهضة« ـ المحادثات والبناء ـ يواجهان حكم الإعدام والانهيار، هذا مع كل احترامى وحبى للشعب الإثيوبى وحقه فى التنمية الذى يجب أن يسبقه حق كل شعوب دول الحوض فى الحياة، ولست أبنى نبوءتى بسبب نوبة الصحيان التى انتابت خبراء الرى عندنا بعد اربع سنوات من المفاوضات الانزراعبة واكتشافهم أننا فى حاجة إلى زيادة فتحات التصريف الاحتياطية أسفل السد ليصبحوا أربعا بدلا من اثنتين، ولا منبع نبوءتى حجم الثقة فى جدوى إظهار العين الحمراء لكل عابث بالمواثيق الدولية وضرورة التلويح بالجزء الغاطس من قوة المفاوض المصرى القانونية والعسكرية، ولا منبع تفاؤلى حين تابعت اجتماع مجلس الدفاع الوطنى الذى حضره وزير الرى إلى جانب وزير الدفاع، ولا ثقتى فى طبيعة نهر النيل ذاته،وهوكما وصفه إميل لودفيج ـ مؤلف كتاب النيل حياة نهرـ بأن النيل كائن حى وحر يبلغ عنفوان شبابه وفتوته وجموحه فى منطقة سد النهضة،فهو »بعدأن يتفلت من الغابة البكر ينمو مصارعا وعندما يبلغ رجولته يقاتل الانسان .. ولم يجرؤ أحد بعد على قهر منابع النيل ولا على الانشاء والتنظيم فوق ضفافه وما كان النيل ليحتمل أو يقبل جسرا إلا بعد ثلاثة آلاف كيلومتر من الجسر التحتانى وعلى أطراف الصحراء وقد حاول ذلك كثير من الحيوان والانسان فكان الهلاك نصيبهم والنهر الفتى يطلق العنان لصولته الطفلية فائرا مدحورا مزبدا سعيدا بالحياة»

ولا سبب تفاؤلى بانهيار السد ـ مفاوضات وبناء ـ هو ما ذكره الخبراء حول هشاشة التربة فى منطقة سد النهضة وعدم تحملها جسم السد فى حالة ملئه، ولاسبب تفاؤلى هو لغة المنطق والحسابات التى ذكرها الدكتور نادر نور الدين خبير المواردالمائية فى كتابه «مصر ودول منابع النيل»أن النيل الأزرق يحمل 136 مليون طن من الطمى سنويا مما سيقلل دوريا من سعة البحيرة أمام السد ويقلص من قدرات السد على توليد الكهرباء وسعة تحمله ويغير من طبيعة تدفقات النهر كما خلقها الله، وهو ما ينص عليه صراحة القانون الدولى الذى يحافظ على حق دول المصب فى طبيعة النهر التى تشكلت عليها طبيعة الحياة وحقها فى شهور الفيضان وشهور التحاريق، لكن الخطر الذى يضع المفاوضات والسد ومهمة السفير الإثيوبى فى دائرة الـ «غير مرغوب فيه» هو نزول القضية إلى دائرة الشعبية ودعوة خطيب الجمعة فى قرية بأعماق الدقهلية يعانى فيها الأهالى الجفاف المتكرر لمياه الرى، بهدم سد النهضة على من بنوه وان ينصر الله جيش مصرعلى زارعى الخوف والعطش فى البلاد، وأخيرا يأتى الحكم الذى أصدرته محكمة المواطنة محبات بنت بولاق الدكرور عندما قالت فى تقرير تليفزيونى إن «وجبة السيسى الرخيصة مش مجرد أكلة .. لكن معناها إن فيه شغل بيتعمل وباب رزق بيتفتح للناس الغلابة بمية النيل اللى بيحاولوا يخنقوه، لكن عمر باب الرزق ما حد يقدر يقفله».. بهذه الكلمات الغاضبة لخصت مواطنة بسيطة ما يحدث للقمة العيش فى مصر ويهددها ، ورغم أن المواطنة محبات ظفرت بوجبة الخضر واللحوم المخفضة وسط الزحام الكثيف على طابور سيارة تحيا مصر، اهتز جسدى لعمق رؤيتها فى الربط بين قدرة الجيش المصرى على توفير الوجبة وبين توافر مياه النيل..ورغم أن التقرير نجح فى وصف فرحة الناس بالحصول على الوجبة المخفضة وشكره جيش المصريين للوفاء بوعده للرئيس بتخفيض الأسعارالأساسية لكن التقرير أظهر عمق الوعى الذى يتمتع به الغلابة والفقراء بأصول المشكلات وجذورها بدءا من محاولات خنق المياه أو الحياة عند منابع النيل فى الحبشة.

وتبقى المسئولية عن وصول القضية لنظرها امام محكمة الشعب وإصدار الحكم بالإعدام على السد الكارثة .»على عاتق رئيس الوزراء الاثيوبى أن يأتى ليزيل مخاوف المصريين ويتحدث امام البرلمان المصرى كما فعل الرئيس السيسى فى أديس ابابا أو يتحدث السفير محمود درير ويطعن فى الحكم أمام نفس الدائرة الشعبية التى تضم فى عضويتها محبات وملايين المصريين الذين يهمهم ان تبقى صورة الحبشة بلد النجاشى وهيلاسلاسى طاهرة لأن علاقتنا باثيوبيا والمصير الواحد الذى يربط دولتينا والتاريخ المشترك يسبق محبات ومحكمتها وسد النهضة بآلاف السنين !

لمزيد من مقالات أنور عبد اللطيف

رابط دائم: