رئيس مجلس الادارة
أحمد السيد النجار
رئيس التحرير
محمد عبد الهادي علام
المؤكد أن برلمان مصر طبعة 2016 يختلف كثيرا عن كل البرلمانات السابقة، سواء فى طريقة الانتخاب أو البيئة السياسية الكلية التى تشكل فى رحمها، وهو الأكثر تعبيرا عن مكونات الشعب المصرى، وهو الأكثر تنوعا فى تياراته السياسية بما فى ذلك هؤلاء الذين يصعب وضعهم فى إطار فكرى أو إيديولوجى معين. ولا نملك سوى القول إن النواب، أيا كانت طريقة انتخابهم، جميعهم وطنيون ويسعون إلى خدمة بلدهم ويأملون فى أن يضع كل منهم بصمة فى حاضر الوطن وتاريخه. والمؤكد أيضا أن طريقة أداء برلمان 2016 وعلاقته بالسلطة التنفيذية مُمثلة فى الرئيس والحكومة سوف تتأثر بالتنوع الحزبى والسياسى الموجود فى البرلمان، فالحكومة لن تستطيع أن تؤمن التأييد التلقائى الذى عهدناه سابقا، فهى بحاجة دائمة إلى إقناع النواب أولا بأن رؤيتها وأسلوبها فى العمل هو الأكثر ملاءمة للظروف والامكانيات والطموحات أيضا. وعليها ثانيا أن تُزيد من الشرح والتوضيح لكل كبيرة وصغيرة، وثالثا أن تتوقع الكثير من النقد الهادف أحيانا والتزيد الذى لا معنى له أحيانا أخرى، وألا تتنظر الإشادة إلا نادرا. فالنواب ليسوا فى جيب الحكومة، ولن يكونوا، والكل سيضع أمام عينيه رد الفعل الشعبى والمعالجات الإعلامية المهنية وغير المهنية. لاسيما أن الكثيرين جاءوا بجهدهم الخاص وتأييد الناخبين لهم، وهم حريصون على أن تبقى صورتهم ناصعة فى أعين من أتوا بهم. برلمان طبعة 2016 سوف تغيب عنه عادات وتقاليد برلمانات حقبتى مبارك والسادات، ولعل بدء أعمال البرلمان وهناك انتظار وترقب من سيكون رئيس المجلس على عكس ما اعتدنا عليه من قبل، حيث كل المناصب بدءا من رئيس المجلس والوكيلين ورؤساء اللجان والمتحدث باسم الاغلبية النيابية، كانت كلها معروفة مسبقا ومحددة من قبل رئيس الدولة والذى كان يشغل فى الآن نفسه رئيس الحزب الحاكم مجازا. وفى طبعة 2016 الأمر مختلف تماما، فهناك منافسة مشروعة وطموح محمود من أكثر من نائب، فهناك نواب بادروا بترشيح أنفسهم لرئاسة البرلمان كأسامة العبد وعلى عبد العال وعلى مصيلحى وغيرهم، وآخرون طالب بعض النواب بترشيحها مثل النائب المعين سرى صيام، وهناك أيضا أكثر من نائب تطلع أن يكون فى أحد منصبى وكيل المجلس، أو رئيسا لإحدى اللجان أو وكيلا لها.وهى صورة جديدة على برلمانات مصر، وعلينا نحن المواطنين. وتلك سمة محمودة، ويظل الأمر فى النهاية بيد النواب أنفسهم يختارون من يرونه الأصلح، هذا من حيث المبدأ. أما فى الواقع فالفرصة محسومة لمن يعرف تقاليد الانتخابات وتأليف القلوب وجمع الأصوات للحصول على الأغلبية المطلوبة.وهذه بدورها أولى سمات العمل الديمقراطى، الذى يسير وفقا لرغبة الأغلبية العددية. برلمان 2016 يعرف لأول مرة التكتلات الحزبية فى خضم بحر من المستقلين، وبينما تحرص الأحزاب على إبراز كينونتها النيابية المرتبطة بالحزب الأم وسياساته ومبادئه، نشهد محاولات بناء الائتلافات بين حزب أو أكثر وعدد من المستقلين، ومثل هذا التحرك هو عين الديمقراطية، فلن يستطيع أحد أن يؤثر فى قرار أو يطرح تشريعا أو تعديلا لقانون أو استجوابا إلا إذا كانت له أغلبية يمكنها أن تمرر هذا القرار أو أن تمنع صدوره أو أن تصوغه بشكل محدد. وإذا كان البعض من النواب خاصة المستقلين يأملون فى طرح أمور تشريعية يرونها جوهرية وتحقق الصالح العام، وسوف يعملون على تحويلها إلى قوانين ملزمة، فسوف يتعلمون أولا أن التحرك الفردى لن يجدى ومهما كانت القدرة على الظهور الإعلامى فلن تأتى بنتائج فعلية. وسيدركون أن الفكرة مهما تكن جيدة فى حد ذاتها، فلابد لها من أغلبية تؤمن بها وتحولها من فكرة نظرية إلى مشروع قانون ثم إلى قانون ملزم للجميع. وأن الأفضل هو أن يكون المرء لاعبا فى فريق كبير يتسم بالتجانس والتفاعل الإيجابى بين أعضائه. والمتوقع فى مدى زمنى قريب أن تؤدى تفاعلات البرلمان إلى بلورة ائتلافات كبيرة قد تزيد على ثلاثة أو أربعة، وفى كل منها أكثر من حزب وعدد من المستقلين الذين قد يتحولون لاحقا إلى حزبيين. وعلى المدى المتوسط سيدرك الجميع أن النائب المستقل يبدو أفضل حالا نظريا، ولكنه من حيث التأثير الفعلى هو الأقل مهما كانت قدرته على طرح الأفكار المبهرة أو نقد الحكومة وسياساتها. برلمان 2016 سيقود كثيرين إلى التعامل مع الائتلافات الحزبية باعتبارها آلية ديمقراطية مشروعة وليست كما روج البعض من إعلاميين وسياسيين، أنها عودة للوراء. لكن نجاح هذه الائتلافات لن يكون مضمونا فى ذاته، فثمة شروط رئيسية تجعله قابلا للحياة والاستمرار وقادرا على التأثير فى عمل البرلمان، أولها اقتناع الأعضاء فى الائتلاف بأن عملهم يتطلب الولاء للمبادئ التى تأسس عليها الائتلاف، ويتطلب الحرص على تماسكه الداخلى، ويتطلب رؤية محددة حتى لو كانت مهجنة بين أكثر من برنامج سياسى، ويتطلب التزاما من كل الأعضاء الذين قبلوا الانضمام إليه، ويتطلب أيضا ممارسة ديمقراطية داخلية قبل اتخاذ أى قرار، وأخيرا لابد من وجود آليات للمحاسبة الداخلية لمن يتعمد الإضرار بعمل الائتلاف أو يناقض ما اتفق عليه. وما ينطبق على الائتلافات بين أكثر من حزب ينطبق من باب أولى على الهيئات البرلمانية لكل حزب على حدة، فبدون تماسك داخلى والتزام الأعضاء لن تفلح الهيئة البرلمانية للحزب فى أن يكون لها دور وتأثير. وتلك بدورها ممارسة جديدة فى الحياة السياسية المصرية، وسوف تصطدم بالكثير من العقبات فى البداية، ولكنها تظل الطريق الوحيد الذى يؤدى إلى التأثير والفعالية. وهى فى الأول والأخير آليات ديمقراطية تعرفها كل الدول والمجتمعات التى مرت فى بداية تكوينها الديمقراطى بما تمر به مصر الآن، وهى الآلية الوحيدة التى بإمكانها أن تلتف على التشرذم والتعدد الحزبى المبالغ فيه الموجود فى البرلمان المصرى طبعة 2016. إننا أمام بداية عملية لتطور ديمقراطى حقيقى، تجسد المنافسة وبناء التحالفات والخروج من عنق التفتت والتشرذم، وسوف تشهد الكثير من العقبات والمشكلات نتيجة قلة الخبرة، والرغبة فى الظهور والنزعة الفردية للبعض، ومن ثم فهى خبرة جديدة لا مهرب من السير فيها بثقة، وأن نفعل كل ما بوسعنا من أجل ترشيدها ووضعها على الطريق الصحيح. لمزيد من مقالات د. حسن أبو طالب