رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

بدأوه آخر 1899 وانتصروا على أصحاب المصانع فى يناير 1900
إضراب « فاوريقات لفَّافى السجائر» تسبَّب فى إنشاء أول نقابة عمالية فى مصر

محمود عوض عبد العال
فى أواخر القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين، كان مصنع «لف السجائر» يسمى «فاوريقة»، أو «فابريكة» كما ينطقها العامة،وكان العُامل اللفِّيف يعرف بـ «السجارجي». وهذه الصناعة دخلت مصر مع الجاليات البريطانية واليونانية والأرمينية فى عام 1868، وبدأت على يد أفراد من عائلات أرمينية ويونانية، ثم استقدموا أقاربهم ومواطنيهم، ومنحوهم فرص عمل إشرافية على العمال المصريين

صناعة لف السجائر بدأت يدوية قبل ظهور الآلات، وسُمِيَت شركة لف السجائر باسم صاحبها الأرمنى «ماتوسيان» وكان خبيراً فى تلك المهنة.

وكان استهلاك المصريين من «سجائر اللف» محدوداً، ويزيد فى الأرياف بعد بيع المحاصيل الزراعية والنقود فى أيديهم، ثم ينحصر استهلاكهم فى المعسل والجوزة أو دخان (المضغ) تبعاً لضيق ذات اليد.

وكان على «السجارجي» انتعال القبقاب, حيث لا يسمح له أن يعمل حافياً، وكان أجره اليومى «ثلاثة قروش»، وأجر الصبى «قرشا واحدا»، وأجر العامل الماهر كان يصل إلى «ثمانية قروش»، أما أجور العمال الأجانب فكانت أضعاف أجور العمال المصريين، وساعات العمل اليومية كانت 12 ٍساعة يوميا، من السابعة صباحاً إلى السابعة مساء، مع ساعة راحة للغذاء والجلوس على مقهى داخل حوش المصنع دون مغادرته لأى سبب.

وكان صرف الأجور كل 15 يوما، وكان الصراف ينادى على عمال «الفاوريقة» بالأرقام النحاسية المعلقة على صدورهم، وليس بأسمائهم، ومن يسمع يتقدم لأخذ مستحقاته، ومهما كانت منقوصة لم يكن من حق أحدهم أن يسأل الصراف عن كيفية حساب أجره، وليس له سوى أخذ ما يعطيه له فى صمت وينصرف، ولم يكن صافى ما يتسلمونه يزيد على نصف أو حتى ربع مستحقاتهم، حتى باتت هذه المأساة من ثوابت حياة عمال «لفَّافى الدخان»، وهى لم تأت من فراغ، بل كانت مبنية على تاريخ من استغلال جهود العمال، سواء من الدولة أو الأفراد!.

فلم يكن هذا جديدا على العمال، فمن قبل حكم «محمد على باشا» بزمن طويل، كان السائد فى الوسط العمالى هو نظام الطوائف، حيث يُكون أهل كل صنعة طائفة لهم، وللطائفة شيخ، وبلغ عدد الطوائف (64) من مختلف الحرف، وفوق شيوخ الطوائف، يتربع شيخ الشيوخ، وله ولاية قضائية على جميع الطوائف وشيوخهم، وبوسعه معاقبة المخالفين، وكان عادة يشترى منصبه من الحاكم بمقابل وإتاوات دائمة تجمع من كافة الطوائف.

ثم هدم «محمد على باشا» هذا النظام، وشتت صفوف الحرفيين، حين أنشأ المصانع، وجمع لها العمال بنظام السخرة، من أهالى الدرب الأحمر، ودرب الجماميز، والخليفة، وبولاق، ومصر القديمة، والأزبكية، وعابدين، والدوادية، والجمالية، وباب الشعرية، وجرى توزيعهم على المصانع المزودة بآلات بخارية حديثة.

وبسيطرة الباشا الكاملة على رأس المال، تحكم بمصائر العمال على نحو مطلق، فلم يكن هناك تعاقد بين العامل والباشا، وإنما كان نوعاً من «التجنيد الصناعي» القسرى للعمال المجلوبين من المدن والقرى، والأجور لا تدفع لهم بانتظام، لضمان استمرار العمال فى العمل وتضييق فرص الهرب، فوجد العامل المصرى نفسه وحيداً وسط هذا التحول الجديد،وازدادت مأساته تعقيدا، حين توافد فقراء أوروبا على مصر أفواجاً، وتدريجيا، تم استبعاد عدد كبير من العمال المصريين، ولهذا كانوا يقبلون بأسوأ شروط العمل، من تدنى الأجور، وزيادة ساعات العمل، والمعاملة القاسية.

ونشرت جريدة الأهرام فى عددها 18/6/1894 خبرا مطولاً عن عريضة وقَّعَهَا كل عمال السجائر، و وصفتها بـ «شكوى ينفطر لها القلب»، من تدِّنى الأجور، رغم رواج سوق الدخان، وتعنت أصحاب المعامل وإصرارهم على تجميد رواتب العمال عند حد معين، وإجبار العمال أنفسهم على تحمُّل رواتب العاملين فى مقهى المصنع وعمال النظافة، وأن يكون الشاى والسجائر والطعام على حسابهم، والمصنع هو الذى يتحكم فى كل هذه الأشياء، فى ظل مناخ عمل لصناعة يدوية تُتلف الصحة، ووصفها الأهرام بـ «شر الحرف». وبدا واضحا من تعليق الأهرام أنها وقفت بجانب «عمال لفيفة السجائر»، وظلت تتابع نشاطهم وتحركهم الوطنى دفاعاً عن حقوقهم، كما انتقدت سلوك الحكومة «باستخدام العنف ضد العمال مع أنهم الطرف الأفقر، الذى يُظلم عادة مع كونه الأحق بالإنصاف».

ونشرت الأهرام نسخة من كراسة « الجمعية المتحدة للفَّافى السجائر»، وطالبت أصحاب الشركات بإنصاف العامل، وتخفيض «حد لف السجائر» للعامل الواحد من «ألف» إلى «ستمائة» سيجارة فى اليوم. وهو أقصى ما يقدر عليه لاستحقاق أجره.

وبالمقابل كوَّن «أصحاب شركات الدخان» جمعية أسموها» جمعية أصحاب فاوريقات الدخان فى مصر»، وكلهم من اليونانيين والإنجليز والأرمن، واختاروا اليونانى «نستوجنا كليس» رئيساً لها.

وفى كتابه «الأهرام ديوان الحياة المعاصرة» سجل المؤرخ الراحل د. «يونان لبيب رزق» فصلاً كاملاً عن «الجمعية المتحدة للفَّافِى السجائر»، كأول نُواة لنقابة عمالية مصرية، بعد الإضراب الشامل الذى قاموا به عام 1899 1900، وكانت صناعتهم قد توسعت، وأصبحت تضم خمسة معامل بالقاهرة، وعدداً آخر منها بالإسكندرية، وكان ضرورياً أن تلبى هذه المصانع احتياجات جنود الجيش الانجليزى دون نقصان.

وفى يوم 9 يناير 1900 نفذ «أصحاب الفاوريقات» إنذارهم، وأغلقوا كل المصانع، وشردوا حوالى «ألف وخمسمائة» عامل يعولون الألوف من النساء والأطفال، وكان أغلب العمال من الشباب الذين يكرهون البطالة ويحبون العمل.

وساندت الصحف اليومية، وفى المقدمة منها الأهرام العمال، وأيدت حقهم فى العودة إلى عملهم، وبعد مفاوضات امتدت لأسبوع، تم الاتفاق بين «جمعية لفِّيفة السجائر» من جانب، و«أصحاب المصانع» على العودة إلى العمل، ووضع حد أدنى للأجور، وإعفاء العامل «من كل ما كان يكره على دفعه»، وأن يعزل الراشى والمرتشي، والإفراج عن زملائهم الذين زُجَّ بهم إلى السجن، واعتبر يوم 22 فبراير 1900 مولداً حقيقياً لأول نقابة عمالية مصرية.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق