رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

حديث السياسة والسلاح بين موسكو والرياض

نجحت روسيا في الانتقال من خطوط تخندقها في سوريا إلى ملعب الخصم. كان الصراع منذ اندلاع الأزمة السورية قبل نحو خمسة أعوام يدور بين روسيا من جهة والقوى الدولية والإقليمية الداعمة لفصائل المعارضة المسلحة من جهة أخرى حول مصير الأسد.

يمكن للرئيس الروسي فلاديمير بوتين اليوم أن يتباهى بأنه كان قادرا على تحويل الصراع التقليدي حول مصير الأسد إلى صراع حول مصير المعارضة أيضا. وفي السابق كان من المعتاد أن تنحصر النقاشات والمفاوضات وأحيانا المناورات الدبلوماسية في إطار عقدة البحث عن مخرج لروسيا والولايات المتحدة وكذلك الأطراف الداعمة للمعارضة يمكنهم جميعا من إنهاء هذا النزاع الذي راح ضحيته أكثر من 300 ألف سوري.

الآن صار النزاع حول البحث عن صيغة تمكن كل هذه الأطراف من إيجاد مخرج لأكثر فصائل المعارضة قوة وتسليحا من مصيدة الإرهاب التي يعكف الأردن على تجهيزها.

تمكن الروس أيضا من وضع الولايات المتحدة في مأزق آخر. فعلى حين غرة وجدت واشنطن نفسها في حصار لم تكن ترغب فيه إطلاقا بين حلفاء بدأوا يتبنون سياسة عنيدة مؤخراً متمثلين في دول خليجية وتركيا، وخصم يريد إظهار مرونة أكبر وهو روسيا. فبينما يحاول الرئيس باراك أوباما كعادته تفهم وجهات نظر جميع الخصوم المتصارعين في سوريا، تصر السعودية على الاستمرار في إستراتيجية «تنشيط السياسة الخارجية» التي تتبناها منذ تولي الملك سلمان بن عبدالعزيز الحكم مطلع العام الماضي. ومن دلائل هذه الإستراتيجية أن الرياض تبدو عاقدة العزم على عدم التراجع أمام هذا المد الروسي الجارف في سوريا.

ومنذ بدء التحركات السعودية الشاقة لتوحيد صفوف المعارضة السورية في شهر ديسمبر الماضي، تحاول روسيا بشكل متتابع الالتفاف دبلوماسيا على هذه الخطوة التي تخشى أن تكتسب زخما يضع المقاربة الروسية إزاء الحل في سوريا على الرف. تتمثل هذه المقاربة ببساطة في اعتبار كل من يحمل السلاح ضد نظام الأسد متشددا، عدا بعض فصائل الجيش الحر التي يبدو أن موسكو لم تتمكن من إقناع أحد خارج سوريا بأنها بالفعل كذلك.

وتنقسم هذه الفصائل المتشددة في ملفات المسئولين الروس إلى مجموعات إرهابية فعلا كتنظيم داعش وجبهة النصرة ذراع تنظيم القاعدة في سوريا، وتنظيمات متشددة أخرى يمكن التعويل عليها كأوراق تفاوض حينما يحين الوقت.

على رأس هذه الأوراق فصيلا جيش الإسلام وأحرار الشام المتمركزان بشكل أساسي في غوطة دمشق وشمال سوريا. وحرص الروس منذ بداية تدخلهم العسكري الثقيل في سوريا على عدم المساس بهذين الفصيلين في انتظار ما ستأتي به الأحداث.

مؤخراً جاءت الأحداث ومعها السعودية بدمج هذين الفصيلين القريبين من تنظيم الإخوان المسلمين ضمن وفد المعارضة الذي من المنتظر أن يدخل في مفاوضات مباشرة مع نظام الأسد منتصف يناير الحالي. ورغم توقع الروس هذه الخطوة التي منحت التنظيمين شرعية سياسية إلى جانب شرعية الأمر الواقع التي اكتسباها عسكريا على الأرض، بدا إقدام روسيا على اغتيال زهران علوش نوعا من الغشم السياسي ليد بوتين الثقيلة في سوريا.

كان هدف اغتيال قائد تنظيم جيش الإسلام في الغوطة الشرقية خلط أوراق المعارضة قبل المفاوضات. على الأرض كان الهدف بالأساس هو وضع حد لحلم علوش المتمركز على بعد كيلومترات قليلة من قلب العاصمة دمشق، بالتقدم للسيطرة على مؤسسات النظام السوري وفرض هيمنته على العاصمة بمجرد سقوط الأسد. وأراد بوتين أيضا أن يبعث برسالة إلى الداعمين الرئيسيين للمعارضة بأن ما يتم التوصل إليه عبر جهود سياسية مضنية يمكن إنهاؤه في لحظات بالسلاح. لكن ما الفائدة ؟

منذ دخول روسيا بثقلها عسكريا في سبتمبر الماضي إلى سوريا وحتى الآن لم يحقق النظام السوري أي تقدم جوهري على الأرض، اللهم إعادة بسط سيطرته على بعض القرى والبلدات الصغيرة في ريف حمص وبعض المناطق المتفرقة في ريف إدلب.

سيحاول النظام السوري قطعا التوسع بقدر الإمكان خلال شهر يناير حتى يدخل المفاوضات -إن تمت- باريحية تكفي لإملاء شروطه على المعارضة التي تبدو في أضعف مواقفها، خصوصا بعد تصنيف جبهة النصرة التي تلعب دورا كبيرا بين صفوفها على الأرض، تنظيما إرهابيا. وسيكون على هذه المعارضة الضعيفة أن تواجه تعنت روسيا والأسد، وضربا تحت الحزام بين القوى الداعمة للطرفين، وسيكون عليها أيضا الوقوف في وجه رغبة دولية بوضع حد لهذا الصراع الذي تطاير شرره حتى سقط على رءوس الجميع.


لمزيد من مقالات أحمد أبودوح

رابط دائم: