رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

دعـوة للتفــاؤل

ما أجمل الأمل، وما أصعب اليأس، وما أشقه، وما أخطره، اليأس مدمر للنفوس، محبط للآمال، مولد للكآبة، مثبط للهمم، لذا نهى الإسلام عن اليأس والتيئيس، والإحباط والتحبيط، وعدّه بعض أهل العلم من الكبائر .

يقول الحق سبحانه وتعالى على لسان سيدنا يعقوب عليه السلام: يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ، ويقول سبحانه وتعالى على لسان إبراهيم (عليه السلام): أَبَشَّرْتُمُونِى عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ uقَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ u قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ» وعن ابن عبّاس (رضى اللّه عنهما) أنّه قال: إنّ رجلا قال: يا رسول اللّه، ما الكبائر؟ قال: (الشّرك باللّه، والإياس من روح اللّه ، والقنوط من رحمة اللّه).

ونقول لمن كان مريضًا حتى لو كان مرضه عضالا أو مزمنًا: لا تيأس من الشفاء ، وَتَذكَّر ما مَنَّ الله به على سيدنا أيوب (عليه السلام)، وتمسك بما دعا به ربه، واجعله فى ذلك لك قدوة ، حيث يقول الحق سبحانه: «وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّى مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ u فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ».

وإن كنت عقيمًا لا تنسى ما منَّ الله (عز وجل) به على سيدنا زكريًا (عليه السلام) مع ما كان عليه من تقدم فى السن وعقم بالزوج لا يرجى معه ولد، وذلك حين نادى زكريا (عليه السلام) ربه: «قَالَ رَبِّ إِنِّى وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّى وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا وَإِنِّى خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِى وَكَانَتِ امْرَأَتِى عَاقِرًا فَهَبْ لِى مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا u يَرِثُنِى وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا»، وحيث يقول الحق سبحانه: «وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِى فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ u فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِى الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِين .

والطبيعى أن المرأة العقيم التى لا تنجب تعالج أولاً من العقم ثم يكون الإنجاب، لكن النص القرآنى لم يَسر على هذه الوتيرة أو هذا النسق، وإنما قال سبحانه: «وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ»، فقدم البشرى بالولد على إصلاح الزوج، وكأنه سبحانه يعلمنا أنه قادر على أن يعطى الولد بأسباب وبلا أسباب، أصلح الزوج أو لم يصلحها، «إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ»، وهو ما حكاه القرآن الكريم فى قصة إبراهيم (عليه السلام) حين بشرته الملائكة بالولد مع تقدم سنه، حيث يقول الحق سبحانه: «وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ u قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِى شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ u قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ».

وإن كان الإنسان فى ضيق أو فاقة ، فليعلم أن خزائن الله ملأى لا تنفد أبدا، وأن الأيام دول بين عسر ويسر، فغنى اليوم قد يكون فقير الغد ، وفقير اليوم قد يكون غنى الغد .

ألم تر أن الفقر يرجى له الغنــى

وأن الغنى يخشى عليه من الفقر

ويقول الحق سبحانه: «وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا u وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُه»ُ، ويقول سبحانه: «وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا»، ويقول سبحانه:«مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ».

فمع استقبال عام جديد ينبغى أن نتحلى بالأمل فى غد أفضل، ومستقبل مشرق، وفتح من الله قريب، لا نيأس ولا نجزع، ولا نتشاءم، لأن عدونا يريد أن يصل بنا إلى اليأس والإحباط، وأنه لا جدوى ولا أمل، لنخضع ونستسلم، غير أن ديننا وثقافتنا لا يعرفان لليأس طريقًا، فنحن ذوو أمل كبير، حيث يقول الشاعر :

قـــــال السمــــاء كئيبــــــة ! وتجهمــــــــا

قلـت: ابتسم يكفى التجهم فى السما !

قــــال: الليالــــى جرعتنــــى علقمــــــــا

قلــت: ابتســم و لئن جرعت العلقمـــــا

فلعـــــل غيـــــــــرك إن رآك مرنمــــــــــــا

طـــــرح الكآبـــــة جانبـــــا و ترنمـــــــــــا

غير أن الأمل يحتاج إلى عمل، لأن الأمل بلا عمل كجسد بلا ساق، لا يقوم له قوام، مما يجعلنا ندعو وبشدة إلى الأمل الذى يحمله العمل .


لمزيد من مقالات د . محمد مختار جمعة

رابط دائم: