رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

تصريحات المسئولين وحجم الفساد

(( إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب)) اعتقد ان هذه الحكمة تنقص العديد من المسئولين خاصة الوزراء الجدد

فمن يتابع تصريحات وزيرة التعاون الدولى منذ تسلمها المهمة وحتى الآن يشعر ان مصر قد حصلت على مئات المليارات من الدولارات وينطبق نفس الوضع على تصريحات وزير التموين التى دخلت موسوعة جينز فى التصريحات المتناقضة مع بعضها البعض وغيرهما الكثير من التصريحات التى تضر بمناخ الاستثمار والثقة بصورة كبيرة. وكان آخر هذه التصريحات هو ما جاء به المستشار الجليل هشام جنينة رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات الى إحدى الصحف اليومية المستقلة والذى أعلن فيه ان حجم الفساد خلال العام المالى الحالى يصل الى 600 مليار جنيه، وهو رقم ضخم بكل المعايير ولو صح لكنا فى وضع كارثى ومأساوي. من هنا كان لزاما علينا التوقف والدراسة بغية معرفة حقيقة هذا الرقم ومدى صحته او على الأقل معايير القياس التى بنى عليها

يرى الكثيرون، ونحن منهم، أن الفساد لعب دورا مهما فى الأزمة الاقتصادية الراهنة وتعميقها. وأصبح ظاهرة مجتمعية معقدة ذات أبعاد متعددة سياسية وثقافية وأخلاقية وقانونية، وتنوعت أشكاله بشدة بين العمولات والرشاوى والتهرب الضريبى وأيضا التهريب الجمركى وتهريب الأموال أو إفشاء الأسرار ناهيك عن الوساطة والمحسوبية او تحريف سلطة ما لفائدة خدمة مصالح خاصة، سواء تعلق الأمر بسلطة سياسية أو إدارية أو اقتصادية.وأيا ماكان الرأى فإننا نتفق مع ماذهب إليه المدير التنفيذى لمنظمة الشفافية العالمية والذى يرى ان الفساد ليس كارثة طبيعية لافكاك منها بل هو عملية منظمة تهدف إلى سلب الفرص من الرجال والنساء والأطفال العاجزين عن حماية أنفسهم.

من هذا المنطلق حاولنا البحث عن مصدر هذا التصريح خاصة وانه يأتى من شخص مسئول وعلى قمة أكبر جهاز رقابى يقع ضمن نطاق اختصاصه كل وحدات الجهاز الإدارى للدولة ووحدات الحكم المحلى والهيئات العامة والمؤسسات العامة والقطاع العام وشركاته والجمعيات التعاونية. والنقابات والاتحادات المهنية والعمالية بالإضافة إلى الأحزاب السياسية والمؤسسات الصحفية القومية والصحف الحزبية.وكذلك الشركات التى يسهم فيها شخص عام أو شركة عامة أو بنك عام بما لا يقل عن 25% من رأسمالها.يضاف إلى ما سبق الجهات التى تنص قوانينها على خضوعها لرقابة الجهاز وأيضا أى جهة أخرى تقوم الدولة بإعانتها أو بنص القانون على اعتبار أموالها من الأموال المملوكة للدولة.يضاف إلى ما سبق ووفقا للمادة الثانية من قانون الجهاز فإنه يمارس أنواع الرقابة المالية بشقيها المحاسبى والقانونى والرقابة على الأداء ومتابعة تنفيذ الخطة. فضلا الرقابة القانونية على القرارات الصادرة فى شأن المخالفات المالية.

من هذا المنطلق سوف نحاول البحث عن صحة وحقيقة الرقم المذكور خاصة ان اجمالى المصروفات العامة فى ختامى 2014/2015 قد بلغ 733.4 مليار جنيه فهل 83% من هذا الرقم تذهب الى الفساد كما أشار المستشار الجليل، لا اعتقد ان ذلك منطقى باى صورة من الصور حيث وزعت هذه المصروفات على الأبواب المختلفة داخل الموازنة كالأجور التى استحوذت على نحو 198.5 مليار جنيه والفوائد التى تصل الى 193 مليار والمصروفات الأخرى وتصل الى 50.3 مليار والاستثمارات تصل الى 61,8 مليار ناهيك عن شراء السلع والخدمات. وكلها أمور لايمكن ان تكون جميعها فاسدة بالمعنى العلمى الدقيق، وهذا لا ينفى وجود فساد بداخلها ولكن السؤال هو عن الحجم وليس عن الظاهرة فى حد ذاتها.

فاذا ما اضفنا الى ذلك مصروفات الهيئات الاقتصادية والتى قدرت بنحو 698 مليار جنيه فى موازنة 2014/2015 منها نحو 58.5 مليار استثمارات واضفنا كذلك الاستثمارات العامة الأخرى التى تقوم بها الوحدات الاقتصادية كشركات القطاع العام وشركات قطاع الاعمال والشركات القابضة النوعية والتى تصل الى 46.4 مليار لاتضح لنا ان حجم الاستثمارات العامة كله بلغ نحو 180 مليار جنيه. وبالتالى يصعب بالتأكيد الوصول الى رقم الـ 600 مليار التى تمت الإشارة اليها ويبقى التفسير الآخر وهو اما ان الحديث تراكمى بمعنى انه يتحدث عن تراكم حجم الفساد على مدار السنوات السابقة, او انه يتحدث عن تجاوزات فى الحساب الختامى لجميع جهات الدولة

ومن المعروف أن الجهاز يقوم بإعداد تقارير سنوية عن الحسابات الختامية لكل أجهزة الدولة ويقدمها إلى مجلس النواب وفى الوقت ذاته تقوم وزارة المالية بدراسة هذه التقارير والرد عليها إما بالتوضيح أو بالاتفاق مع وجهة نظر الجهاز على أن تتولى لجنة الخطة والموازنة إعداد تقرير متكامل حول كل هذه القضايا للعرض على المجلس لمناقشته وطرح التوصيات المتعلقة بما يثار حول هذا الشأن. وهنا تجب التفرقة بين التجاوزات التى يشير إليها الجهاز والتى تنقسم بدورها إلى تجاوزات مرخص بها ونقصد بها تلك التى تتعلق بالتأشيرات الملحقة بقانون الموازنة العامة للدولة والهيئات الاقتصادية وهناك تجاوزات غير مرخص بها وهى التى تخرج عن نطاق هذه التأشيرات وتحتاج إلى موافقة السلطة التشريعية لإقرارها. وتتركز ملاحظات الجهاز فى بعض الأمور وهى تعديلات لم تتم على الحساب الختامى للاستخدامات وللإيرادات، او مستحقات ارجئ صرفها،ومخالفات تتعلق بعقود الأعمال والتوريدات،او أعباء تحملت بها الموازنة دون مقتضى أو صرفت بالزيادة أو استخدمت فى غير الغرض أو كان يمكن تجنبها،وبعض الملاحظات حول الإنفاق الاستثماري،بالإضافة الى ملاحظات حول إيرادات لم تحصل،فضلا عن الاختلاسات والتلاعب بالمال العام وضعف الرقابة الداخلية وأخيرا بعض الملاحظات حول الممتلكات الحكومية والمخازن والصناديق والحسابات الخاصة. وبالتالى فإن ملاحظات الجهاز ليست كلها فسادا ولكنها تتعلق فى معظمها باختلاف فى التبويب او المفاهيم.

وهذا لا ينفى بالطبع وجود الفساد وهو ما يتطلب محاربته بشدة وذلك بالعمل على المزيد من شفافية مالية الحكومة من خلال تضمين قانون الموازنة باب جديد عن شفافية الموازنة يحتوى على القواعد العامة والشروط التى يجب الالتزام بها فى إعداد قانون الموازنة وكل التقارير المتعلقة بالمالية العامة. على النحو الذى يضع إطارا موحدا ومتسقا لكيفية إعداد وثائق الموازنة. وتقديم معلومات كافية عن كل الكيانات الاقتصادية العامة والتى تقوم بأنشطة خارج الموازنة ولكنها تؤثر على السلامة المالية للدولة مثل الهيئات الاقتصادية وبنك الاستثمار القومي.وتحديد سياسة واضحة للإفصاح عن المخاطر المالية المحتملة وآثارها المختلفة. وكذلك الإسراع بتعديل قانون المناقصات والمزايدات رقم 89 لسنة 1998 باعتباره من أهم القوانين المساعدة على الحد من الفساد فى المجتمع، اذ انه يقوم أساسا بتنظيم كل الإجراءات والأمور المرتبطة بالمشتريات والمبيعات الحكومية،اى تلك التى تبرمها جهات الجهاز الإدارى للدولة من وزارات ومصالح ووحدات الحكم المحلى والهيئات العامة، خدمية كانت أو اقتصادية وكذلك الأجهزة ذات الموازنات الخاصة.والإسراع بإصدار قانون جديد للمعلومات مما يتيح الفرصة كاملة للحصول على البيانات والمعلومات الصحيحة مع مراعاة التوازن الدقيق بين حرية تداول المعلومات والامور المرتبطة بالأمن القومى للدولة او لصون صحة الافراد وحقوقهم مع ضمان توافر المعلومات الدقيقة فى مواقيتها، وإفساح المجال أمام الجميع للاطلاع على المعلومات الضرورية والموثقة, والحد من تضارب المصالح لما لها من آثار على المجتمع ككل لاشك إن تحقيق هذه الأهداف يتطلب بالضرورة تفعيل دور المجتمع المدنى والأحزاب المصرية وتطويرهما بغية جعلهما قادرين على المشاركة الفعالة فى بناء جدول إعمال المستقبل.

لمزيد من مقالات عبد الفتاح الجبالي

رابط دائم: