رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

ورحـــل موســــوعة القــــرن

لاشك أن بلدنا الحبيب مصر بكل التاريخ العظيم والحضارة العريقة هو بلد عظيم.. لكن ما تملك مصر من أجيال من البشر فى مختلف جوانب العلم والفكر والأدب والفن يحكى عنهم الزمان، وبقدر ما كنت قريبا من أستاذ فاضل وعالم متميز ومفكر بل ومؤرخ، الأستاذ الدكتور إبراهيم بدران رغم أنه من مدرسة قصر العينى العريقة وانا من مدرسة الدمرداش (عين شمس) القوية والمتميزة. لكن الرجل الراحل الكريم كان فى مجال الطب مدرسة ومرجعية وعلامة متميزة.. ليس فقط فى فن الطب والجراحة ولكن أيضا فى أصول آداب وأخلاقيات المهنة. وإذا جلست معه أو فى لقاء علمى أو اجتماعى أو نقابى إلا استحوذ على الفكر والعقل واللقاء بما يملكه من ذكريات وتاريخ وحكايات وتجارب حياتية لا تنتهي.. واستطاع العمل العام والنقابى والمهنى والعلمى أن يقرب المسافات العمرية لنسبح فى عالم المعرفة مع أستاذنا إبراهيم بدران.

ولعل الكم الهائل من المراجع العلمية والأبحاث الطبية والإنسانية وقضايا الوطن والمهنة، وما يخص المجال الطبى تعليما وتدريبا على المستوى الوطنى والإقليمى والعالمى كان ظاهرة.. وعندما كانت تدرس قضية فى المجالس القومية المتخصصة فى المجال الطبي، فإن الدكتور بدران يكون جاهزا بالمراجع والمستندات والدراسات. ويناقش ويحاور بكل جدية واهتمام بالإضافة للخبرة والمعرفة ويحمل فى ذكرياته عن كل موضوع حكايات لا تنتهي..

كان أستاذا ومعلما وجراحا ماهرا.. واستطاع أن يحقق ما يميز الأستاذ وهو مدرسة علمية أصيلة وعريقة.

وكانت له قدرات إدارية واضحة وصل بها إلى أكبر منصب إدارى جامعى «رئيسا لجامعة القاهرة»، وكان وزيرا للصحة فى مرحلة من مراحل النضال الوطنى الصعبة.. فكان عليه أن يدير هذه الوزارة التى ترعى الإنسان المصرى قبل مولده فى رعاية الأمومة والطفولة ثم تستخرج له شهادة ميلاده.. وهى الوزارة أيضا التى يستخرج من مكاتبها شهادة الوفاة.

وترك د. بدران الوزارة لزميله ودفعته وصديقه الراحل الدكتور ممدوح جبر ـ أستاذ طب الأطفال المتميز. وعندما شرفت بتولى وزارة الصحة والسكان، وبعد فترة قصيرة اتصل بى الأستاذ الدكتور بدران وقال لى نريد أن نزورك أنا أى د. بدران وممدوح أى د. ممدوح جبر، وحضر للوزارة وفى حجرة صغيرة ملحقة بمكتب الوزير كان اللقاء لعدة ساعات. لقاء الخبرة والمعرفة والتواصل الصادق الأمين لخدمة الوطن، واستمرت الاتصالات وكان دائما يسأل «طمنى عليك».. إنه الإحساس الوطنى والأبوي.. وفى أحد الأيام وكان هناك اجتماع سوف أحضره وأيضا كان د. بدران سوف يحضر هذا الاجتماع.. وقبل دقائق من استعدادى للتحرك لحضور هذا الاجتماع تلقيت تليفونا يفيد بوفاة الدكتور محمد نجل الأستاذ الدكتور بدران. وذهبت إلى الجنازة..

وبكى كثيرا.. وأبكى الجميع ومنذ ذلك اليوم.. لم تنقطع دموع الرجل العظيم..

وكان الدكتور بدران العمود الفقرى للمجالس القومية المتخصصة.. المجلس العام والمجالس الطبية حيث كانت هذه المجالس تدرس وتحلل موضوعات قومية مهمة وحيوية.. وبخبرة مجموعة متميزة من علماء وخبراء ومفكرين فى مختلف المجالات يعطون عصارة عصف أدمغتهم فى أثناء هذه الاجتماعات وكانت تتبلور فى صورة أوراق عمل وخطط مستقبلية وليس فقط مجرد لقاءات نظرية أو مجرد لقاءات نقدية أو سلبية. وخرجت من هذه المجالس أوراق بل موسوعات عمل فى مختلف المجالات الطبية.

وكان هناك عدد ليس بالقليل يأتى هذه الاجتماعات من خارج القاهرة ويعود مرة أخرى بعد هذه الاجتماعات.. وأوصى بأن يتم الاستفادة من كل هذه الدراسات كنوع من الرجوع للخبرة الطويلة لأعضاء هذه المجالس على مدى سنوات طويلة.. خاصة مجالات الصحة والسكان والبيئة والتعليم ومجالات أخرى كثيرة. وترأس سيادته «رحمه الله» شعبة الدراسات الطبية بأكاديمية البحث العلمى والتكنولوجيا لسنوات طويلة، ومع مجموعة متميزة ومختارة من العلماء والخبراء والباحثين تمت دراسة مجموعة من القضايا القومية الصحية الوقائية فيها والعلاجية وكذلك دراسات عن الصناعات الدوائية وخرجت مجموعة من التوصيات العملية الواقعية التطبيقية ودعمت هذه الشعبة العديد من الأبحاث معظمها أبحاث ميدانية أثرت المكتبة الطبية المصرية.

وكان الهدف من هذه الشعبة هو تبنى كوادر تستطيع أن تعمل فى مجال البحث والابتكار لأنه هو الطريق الحقيقى للمنافسة العالمية فى مختلف المجالات. وأيضا رحل الأستاذ الدكتور بدران وهو رئيسا للمجمع العلمى المصرى وهو أيضا يضم نخبة عظيمة من علماء مصر فى مختلف مجالات الحياة العلمية عالية التخصص.. وكان لاختيار شخص لينضم لهذا المجمع لابد بعد ترشيحه ودراسة التاريخ الشخصى والعلمى له من أن يلقى محاضرة أمام هيئة المجمع ويتم مناقشة موضوع المحاضرة للتعرف على منهجية فكرة برغم تاريخه العلمي.. ولذلك فإن أعضاء هذا المجمع هم فى الحقيقة فخر لمصر وما تملكه من كوادر بشرية وعلمية عظيمة. إن مصر العظيمة والكبيرة والعريقة لابد أن تعتز بما تملكه من بشر مؤهلين ذوى مستوى رفيع، لقد كان الأستاذ الدكتور إبراهيم بدران بما أعطاه الله سبحانه وتعالى من قدرة وصحة وعلم واحدا فى مقدمة هؤلاء.. وكان الدكتور بدران مؤمنا إيمانا عميقا.. فكان صفاء النفس والذهن والتقرب إلى الله سبحانه وتعالي..

إننى أدعو الزملاء الأعزاء فى جامعة النيل أن يدرسوا فكرة إطلاق اسم الدكتور ابراهيم بدران على الجامعة، ولتكن جامعة النيل بدران...

لمزيد من مقالات د. محمد عوض تاج الدين

رابط دائم: