رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

الجبلاوى ونجيب محفوظ والنساء

الجبلاوى الجبار يدعو أولاده لاجتماع يعلن فيه تعيين ابنه أدهم خليفة له ، يخضع الجميع للأمر إلا الابن الأكبر إدريس الذى يعلن أنه أحق بالخلافة من أخيه الأصغر ، وتشتعل الحرب بين الأبناء على الأرض والسلطة ، ينجح إدريس فى طرد أدهم من الأرض ، كما طرد إبليس آدم من الجنة ، ويقتل قدرى أخاه همام كما قتل قابيل هابيل ،

يدور الصراع فى رواية أولاد حارتنا بين الذكور ، يستوحى نجيب محفوظ فكرته من قصة آدم وإبليس كما جاءت فى الكتاب المقدس ، الذى يؤمن به منذ آلاف السنين الملايين من اليهود والمسيحيين ، ويتأثر به الملايين من الشعوب الأخرى ،

رواية نجيب مخفوظ رمزية تاريخية تكشف الصراع على الأرض والسلطة بين الأب وأبنائه ، لكن يغيب عن هذا الصراع الأم والبنات ، كأنما الأرض والسلطة كانت شأن الرجال فقط ، رغم أن النساء كان لهن الدور الأكبر فى السلطة والأرض منذ الحضارات القديمة فى بداية التاريخ ، وقد عرف نجيب محفوظ عن الإلهات المصريات ، منهن إيزيس إلهة المعرفة ومعات إلهة العدل ، وعرف أيضا دور المرأة (حينئذ) فى السياسة والاقتصاد والحرب والعلم والحكمة والفن والإبداع ، وأدرك أن التاريخ بدأ بالأم والبنات وليس بالأب والأولاد كما جاء بالكتاب المقدس والكتب الدينية والأدبية والعلمية ، التى جاءت من بعده وتأثرت به ، خاصة فى مجال الطب النفسى والنقد الأدبى

كان سيجموند فرويد من أكثر أطباء النفس تأثرا بالكتاب المقدس ، تشكل وجدانه وخياله منذ طفولته بالثقافة النابعة من تعاليمه ، ثم تحرر (بعد نضوجه) من التربية الدينية ، لكن تحرره ظل عقليا فقط ولم يصل الى وجدانه وخياله واللاوعى ، لهذا تصور فرويد أن الصراع الأول فى التاريخ كان بين الابن وأبيه المتسلط ، ليقتل الابن أباه ، تقع الجريمة نفسها فى رواية نجيب محفوظ ، يقتل الابن «عرفة» أباه (جده) «الجبلاوى» ، يرمز قتل الأب الى النضوج النفسى أو القدرة على التحرر من دكتاتورية الأب رمز الإله ، ،

كأنما الصراع السياسى الاقتصادى الدينى (والعلمى والأدبي) كان شأن الرجال فقط ، ولا دخل للنساء به ، وقد استمر هذا الفكر الأبوى الذكورى حتى اليوم ، رغم التقدم العلمى والتكنولوجى الهائل لم يتغير هذا الفكر إلا قليلا ، لا تزال أغلب النساء ( وإن اشتغلن خارج البيت) خادمات للأسرة والأطفال تحت سيطرة الأب أو الزوج ، له حق تأديبهن ، تدخل المرأة على استحياء معارك السياسة ، تدفع ثمنا باهظا مقابل نشاطها فى الحياة العامة ، ولا تنجح فى الانتخابات مثلا ، ولا تحصل على منصب مهم ، إلا إذا تبنت هذا الفكر ، وتظل امرأة (جسدا) لكن عقلها يظل ذكوريا أبويا ، مثل مارجريت تاتشر ، التى تظاهرت النساء ضدها بعد أن فقدن فى عهدها بعض حقوقهن المكتسبة بالعرق والدم ، وفى بلادنا كثيرات يعتقدن أن المرأة متاع للرجل ، هى من ضلع أعوج وهو كامل ، من حقه الزواج بأربعة وفرض الحجاب عليهن. ،

أصبحت الحرية أو ما تسمى «الديموقراطية» شأن الرجال للتحرر من دكتاتورية الحاكم فحسب ، ولا علاقة لها بالحياة داخل البيت للتحرر من دكتاتورية الأب ،

الانفصام التعسفى بين دكتاتورية الحاكم فى الدولة ودكتاتورية الأب فى الأسرة ، رغم أن الأسرة هى النواة الأولى للدولة والمجتمع ، الانفصام الخادع بين الدولة والمجتمع ، الذى أدى الى الانفصام الخادع بين علم السياسة وعلم الاجتماع ، وبالتالى إلى الانفصامات الأخرى الخادعة فى العلوم والفنون وازدواجية المقاييس فى كل شيء أولها الأخلاق ،

هل يمكن النهوض بالأخلاق دون علاج هذه الازدواجية والانفصام ؟

هل يمكن تحقيق الديموقراطية فى الدولة مع الإبقاء على الدكتاتورية فى الأسرة ؟

هل يمكن للرجل أن ينشطر الى شخصين : أحدهما ديموقراطى تحت قبة البرلمان أو فى الوزارة أو فى الرئاسة ، والآخر دكتاتورى فى الأسرة ؟ رجل مبتسم رقيق الصوت خارج البيت ، وآخر غليظ خشن متجهم داخل البيت ؟

الوجدان الأبوى أو الخيال الذكورى هل يتغير بالثورات السياسية التى تكتفى بتغيير رأس الدولة ولا تقترب من الجسد (مؤسسات الدولة) وأهمها مؤسسة الأسرة ؟

لماذا تفشل الدعوات المتكررة لإصلاح الأخلاق ؟

لماذا تفشل الثورات بقيادة النخب من الرجال ؟ لماذا لا ينتج عن الدعوات الحكومية لمحاربة الفقر والاستبداد والفساد إلا المزيد من الفقر والاستبداد والفساد ؟ لماذا لا تقود الأنشطة النسائية الرسمية إلا إلى المزيد من التحرش بالنساء ؟ ، لماذا لا تؤدى دعوات تجديد الفكر الدينى إلا إلى المزيد من الفكر السلفى الرجعى والداعشى ؟

لماذا يستولى الخوف من التغيير الفكرى الحقيقى على الحكام والمحكومين النساء والرجال ؟ ،

العلاج بالمراهم والمسكنات لا يقتل جرثومة المرض ، بل إنها تتغذى بالمراهم وتسمن على المسكنات ليتحول الفيروس الى ديناصور ،

هكذا يظل العالم محكوما بالرجال (الفكر الذكوري) منذ آدم والجبلاوى وإدريس وإبليس ، ،

وتخرج المرأة من ضلع الرجل بعملية قيصرية ، ولا يخرج هو من رحمها بالطبيعة والمنطق ، وتعتبر المرأة متاع الرجل ولا يعتبر الرجل متاع المرأة ،

وتظل اللامساواة حتى اليوم هى الحجر الأساسى للنظام الرأسمالى والعائلة الأبوية ،

لمزيد من مقالات د.نوال السعداوى

رابط دائم: