رنة مميزة على تليفونى المحمول تعلن وصول رسالة تحمل أخبارا جديدة : "كل عام وأنتم بخير بمناسبة المولد النبوى ذكرى مولد سيد الخلق".
ظهرت الرسالة على شاشة تليفونى المحمول فأدخلت فى نفسى السعادة ولكن سرعان ما تحولت سعادتى إلى قلق.
وسبب السعادة واضح معروف فالمولد النبوى هو إحتفاء بذكرى مولد محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى حمل رسالة الإسلام إلى العرب والعالم والتى تضمنت الرحمة والأخلاق (حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "بعثت لأتمم مكارم الأخلاق") والخير والسلام والتحضر للعرب وللمسلمين وللبشرية بأسرها.
لقد ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل يوم الاثنين الثانى عشر من ربيع الأول، وفيه أيضا مات. وقد جاء يوم ولادته صلى الله عليه وسلم متزامنا مع عدة معجزات وأمور غير معتادة. فعلى سبيل المثال تصدعت شرفات إيوان كسرى، وغارت بحيرة ساوة، وجف ماؤها، وخمدت نيران فارس، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، وأهلك الله عز وجل أبرهة الأشرم وجيشه الذى جاء محاولا هدم الكعبة بأن أرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول.
وروى أحمد : أن أبليس رنَّ (رنَّ أى رفع صوته بالبكاء) حين ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأشار أبو نعيم فى الدلائل عن فاطمة بنت عبد الله أنها قالت: حضرت ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيت البيت حين وضع قد امتلأ نورًا، ورأيت النجوم تدنو حتى ظننت أنها ستقع عليّ.
وتذكر أمه آمنة أنها لم تجد حين حملت به صلى الله عليه وسلم ما تجد النساء من شدة الحمل والطلق وأنها رأت عند وضعها له كأن نورًا يخرج منها فيضئ حتى بلاد الشام. وقيل أن أحبار اليهود رصدوا طلوع نجم يدل على مولده فهاجر اثنان من اليهود لمكة قبل بعثة النبى صلى الله عليه وسلم منتظرين رسول الله، واليهود الذين كانوا فى مكة هاجروا إلى يثرب (المدينة لاحقا) منتظرين رسول الله ، فأما اليهودى الأول الذى كان فى مكة فى شهر ربيع الأول فقال لهم : "يا أهل مكة سيولد فى هذا الشهر نبى هذه الأمة ، فكل من يولد له مولودٌ يأتينى ويخبرنى به"
وقيل عن الليلة التى ولد فيها الرسول أن نبى الله موسى قد أعطاهم أوصافها، ولذلك فإن الكاهن اليهودى عندما نظر النجوم قال لهم : "يا أهل مكة سيولد فى هذا الشهر نبى هذه الأمة" و"يا معشر قريش ظهر الليلة نجم أحمد".
ويقال إن الله تعالى يخفف عن أبى لهب - الأظهر كُفرًا وعِنادًا ومحاربة لله ورسوله- لأنه فرح بمولد خير البشر بأن يجعله يشرب كل يوم إثنين فى النار، لأنه أعتق مولاته ثُوَيبة لَمّا بَشَّرَته بميلاده الشريف - صلى الله عليه وآله وسلم- (صحيح البخارى).
أما القلق فشعرت به كما يشعر كل مسلم وعربى. فعالمنا الإسلامى بكافة دوله وشتى مجتمعاته فى حاجة إلى معجزة إلهية لإنتشاله من مستنقع الكراهية والشر والإنقسام والتفكك والتأخر الذى سقط فيه خلال العقد الأخير.
وتكمن المعجزة فى ظهور روح الإتحاد على هدف واحد هو رفعة الإسلام والمسلمين والوصول بمحتوى القرآن الكريم كتاب الله العزيز والرسالة التى حملها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مرحلة التطبيق على أسس سليمة تخلو من نواقص النفس البشرية (الحقد والطمع والجشع والكراهية والغيرة والغلو والتطرف)، وتسمو على المصالح الشخصية والتناول السطحى المخل، وهو للأسف أمر ليس باليسير.
فقد سعى المسلمون عقب وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الوصول لذات الهدف، فسلكوا دروبا مختلفة ومتقاطعة فى بعض الأحيان، وخاضوا تجارب مريرة أسفرت عن ملايين القتلى والمشردين والضحايا وأسهمت بشكل مباشر فى ضعف المسلمين وفقرهم وتدهورهم على مدار عدة قرون.
لقد حان الوقت لأن ننتظر تحقق المعجزة التى لن تتحقق إلا بصدق النوايا وبحسن العمل. دارت تلك الأفكار فى ذهنى فنحيت تليفونى المحمول جانبا ونظرت إلى الأفق فى صمت.
لمزيد من مقالات طارق الشيخ رابط دائم: