رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

إيران وداعـــش

قد يبدو التحالف بين إيران وسوريا غير متوقع، فإيران تعلن أنها جمهورية إسلامية ومن غير المتوقع أن يكون حليفها الأقرب ديكتاتورية علمانية بعثية نشأت فى الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضى تدعو إلى الوحدة العربية القومية. وقد أخفقت مشروعات دمج سوريا ومصر وبعدها مشروعات دمج سوريا والعراق التى تركت مرارة بين حافظ الأسد وصدام حسين على الرغم من أن الاثنين كانا بعثيين. وقطع الإثنان العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين فى آخر 1977. وحينما غزا العراق إيران عام 1980 صارت سوريا وإيران حليفتين ضد العراق. وكانت لدى إيران وسوريا أشياء مشتركة أخرى بما فيها مقاومة الولايات المتحدة فى المنطقة ومعارضة إسرائيل وعلاقة دعم للمسلمين الشيعة فى لبنان أدت إلى خلق حزب الله بمساعدة إيران بعد الغزو الإسرائيلى للبنان. ومنذ ذلك الوقت كانت سوريا ذات قيمة لإيران كحليف موثوق به، بل كجسر إلى حزب الله أيضًا. وكيف يؤثر كل ذلك فى الوضع الحالى الميئوس منه فى سوريا والشرق الأوسط؟

النقطة الأولى للتناول هى موقف إيران من داعش، وبعض المعلقين يجعلوننا نعتقد أن إيران وداعش بوصفهما تدعيان أصوليتين إسلاميتين يجمعهما شيء مشترك، أو أن ثورة إيران الإسلامية لها صلة بأصول داعش. لكن ذلك فهم مضلل بالكامل، فالشكل السلفى المتطرف للإسلام السنى المميز لداعش يعتبر الإيرانيين الشيعة بل كل المسلمين الشيعة مرتدين، وهذا العداء ليس نظريًا أو لاهوتيًا مجردًا، بل هو مرير عميق يلهم تفجيرات انتحارية متكررة الحدوث لمساجد الشيعة ولأهداف أخرى فى العراق وأفغانستان وباكستان، وهو تهديد هائل لإيران ولكل المسلمين، تهديد أكبر من تهديد داعش للغرب بسبب القرب الجغرافي. ويؤيد الإيرانيون الحرب ضد داعش فى سوريا والعراق دفاعًا عن النفس، ويؤيدون الدفاع الذاتى للذين يتعاطفون معهم فى هذين البلدين. فالإيرانيون يؤيدون أنصار الأسد بسبب تحالفهم المستمر طويلاً ولأسباب طائفية أيضًا ولأن لدى الإيرانيين طموحات سيطرة توسعية فى المنطقة.

وللنظام الإيرانى أخطاء كثيرة، ولكن هناك آخرين فى المنطقة أشد سوءًا ويرى المحللون الغربيون أن من الواجب دراسة سجل إيران كقوة استقرار أو عدم استقرار فى كل من العراق وأفغانستان حيث ساعد الإيرانيون على إقامة الحكومات الانتقالية التى ساندها الغرب. ومثل الغرب واصلوا مساندتها رغم ضعفها وعثراتها. وقد عملت إيران على تدعيم تلك الحكومات. وقد قبلت إيران بالتدخل الروسى فى سوريا فى سياق عدم الاستقرار الأوسع فى الشرق الأوسط عند نقطة كان نظام الأسد فيها قريبًا من السقوط فاضطر الإيرانيون إلى القبول بالتدخل. ولكن تاريخ العلاقات بين إيران وروسيا ليس تاريخًا من الصداقة، وأى تعاظم للحضور العسكرى الروسى قرب إيران قد يجعلها قلقة. وبعد تسوية المشكلة النووية الإيرانية فى يوليو حينما وافقت إيران على الحد من برنامجها النووى مقابل إلغاء العقوبات الاقتصادية عليها أحبطت آمال تعاون أبعد بين إيران والغرب. والاتفاق النووى هو حدث ضخم فى سياسة إيران الخارجية، ولكن إذا كان الإيرانيون حذرين عند تنمية علاقتهم بالغرب فليس ذلك بالأمر السيىء.

ويمكن أن تكون المحادثات متعددة الأطراف حول سوريا موضعًا مناسبًا للبدء فهى فى أى حالة أفضل أمل متاح لوقف المذبحة. وتوجد أمثلة لذلك فيما تم حديثًا فى الصومال، وأحد السبل المثمرة التى يمكن ارتيادها هى المفاوضات متعددة الأطراف التى تنتهى بمعاهدة تضمنها الدول الخارجية على غرار معاهدة وستفاليا التى أنهت حرب الثلاثين عامًا فى ألمانيا فى منتصف القرن التاسع عشر.

يعتقد بعض الإيرانيين أن البلاد الغربية تؤيد داعش سرًا، وهو اعتقاد مبنى على نظريات المؤامرة والدعاية، ولكنه لا يبلغ درجة الخطأ التى يحب كثيرون أن يظنوها. ومنذ 1971 حينما حاول الراديكاليون الدينيون احتلال الأماكن المقدسة فى مكة ازدادت فى المواجهة قوة رجال الدين وازداد انتشار السلفية فى بلاد العالم الإسلامى بحيث صار الإسلام السلفي مسيطرًا فى بلاد كثيرة بعد أن كان غريبًا فيها من قبل. وتبنى الباكستانيون مثلا أنماط شبه الجزيرة العربية من الثياب. ويعتقد محللون غربيون أن القاعدة وداعش وأنصارهما هم نتيجة ثلاثين سنة من وعظ تسوده الكراهية مع عوامل أخرى مثل اشتعال حرب أهلية فى سوريا والعراق، واغتراب الشباب من أصل مهاجر فى بلاد غربية. ولم تفعل داعش أكثر من أن تطبق تعاليم عدم التسامح التى تدعو لها السلفية. ويطالب معلقون غربيون بإعادة اختبار العلاقات مع دول الخليج التى أيدت وشجعت انتشار الفكر المتشدد. وإذا نجح الإيرانيون والروس وغيرهم فى هزيمة داعش فسوف يواجه الجميع بعد سنوات قليلة بجيل آخر من الجهاديين القتلة مثلما تبعت داعش القاعدة. ولكن الحل فى المدى الطويل ينبغى أن يأخذ فى الاعتبار حل المشاكل السياسية التى نجمت عن التدخل الأمريكى فى العراق وما تبعه من تفكيك له، وكذلك الصراعات السياسية التى أدت إلى زعزعة استقرار سوريا والزج بها فى حرب أهلية.


لمزيد من مقالات ابراهيم فتحى

رابط دائم: