رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

محمــــد العزبـــى .. و «الصحافــــة والحكم»

أضحكنا الكاتب الصحفى الراحل الأستاذ كامل زهيرى عندما زرته والصديق الزميل بصحيفة الجمهورية الأستاذ لويس جرجس فى منزله حين شبه الصحيفة التى ينشر بها عاموده اليومى ومعها العديد من الصحف بأنها أصبحت كأطباق الكشري. كانت الزيارة هذه فى عام 2004 حيث أجرينا على هامشها حوارا لنشرة صدرت عن نقابة الصحفيين باسم «الصحفي» حفلت بمثل هذه التعليقات اللاذعة. وكان العبد لله قد تولى حينها اعداد هذه النشرة فصدر منها عدة أعداد.

ولعل وصف الكشرى كان مثارا للتوجس من فرط خشيتنا على عامود الأستاذ كامل من الاختفاء القسرى جراء غضب «بارونات الصحافة» حينها بتشبيه عنوان كتاب الزميل الراحل جميل عارف. وواقع الحال اننى كغيرى فى تلك الأيام ولسنوات لم أكن أجد للأسف فى جريدة الجمهورية الغراء ما يستحق القراءة إلا ما ندر سوى كامل زهيرى وعامود الأستاذ محمد العزبى أطال الله عمره. وكنت وآخرون نخشى كلما طالعنا الصحيفة أن تطير كلمتيهما بفعل طوفان النفاق للحاكم وأسرته والسلطة ومعها ما تبقى من هوامش محدودة فى صحافتنا. والحقيقة ان «الجمهورية» كانت قد شهدت انقلابا فى سياسة تحريرها منتصف السبعينيات وضعها على طريق صحافة الكشرى.ولأنه لم يكن وحسب بهدف تهميش اليسار وملاحقة اليساريين. وقد أرخ لهذا الانقلاب الراحل الأستاذ مصطفى بهجت بدوى فى كتابه الوثيقة امن مذكرات رئيس تحريرب الصادر عام 1977. وهو الانقلاب الذى استكمل حلقاته فى الصحافة القومية بأسرها مع تغيير السادات قيادات الصحف القومية بعد كامب ديفيد، وتحديدا مع عامى 79 و1980.

كل ما سبق تداعى الى الذهن بمناسبة كتاب الأستاذ العزبى الصادر حديثا بعنوان :«الصحافة والحكم». وهو كما ترى وسترى عزيزى القارئ عنوانا لا يجرح ولا يستفز وعلى عكس صفحات الكتاب التى حفلت بذكريات الكاتب وآرائه عن وقائع وسير شخصيات وكتب فى عالم الصحافة منذ نصف قرن والى يومنا هذا. والكتاب بمثابة تجميع لمقالات منشورة ومعظمها يقينا بعد ثورة 25 يناير 2011، وإن كان ترتيبها فى الكتاب جاء مرتبكا بعض الشئ و من دون توثيق تواريخ النشر . لكن مجرد ان يجرى نشر كتاب لمحمد العزبى فى سلسلة كتاب الجمهورية لهو حدث يستحق توجيه التحية للصديق والزميل الأستاذ سيد حسين رئيس تحرير السلسلة. وعلى الأقل فانى على ثقة بان مثل هذا الكتاب سيكون له شأن آخر غير ما نعلمه من مصير كتب السادة رؤساء مجالس وتحرير النفاق فى عهد مبارك ،والتى بيعت أو تباع عشرات آلاف النسخ المخزونة منها بالوزن بالكليو بعدما أسهمت فى استنزاف ميزانيات الصحف القومية ونهبها. ولعل الجانب المضىء الوحيد فى هذه الخسارة البائسة ان كل هذا المخزون من الكتب المفروضة على النشر من أموال الشعب بسطوة المناصب القيادية تثبت كساد النفاق والمنافقين ووهم كلاشيه «الكاتب الكبير».

كتاب «الصحافة والحكم» رغم وداعة عنوانه يضع اليد على الجرح منذ تنظيم الصحافة 1960. ويحفل بما لذ وكشف وطاب . فهو يصارح ويداعب حين ينبهنا الى ان كلمة تنظيم مستمدة من الخطوات المنتظمة بالأوامر شمال ويمين. وينقل عن الراحل الأستاذ مصطفى أمين قوله ان الدولة اصبحت تراقب الصحافة بعدما كانت مهمة الصحفى هى مراقبة الدولة. ولا شك أننا سنضحك ونبكى معا عندما نطالع ماقام به الصحفى والناقد والمثقف أمير اسكندر حين وضع فوق مكتبه بالجريدة لافتة تقول: يرجى من الزملاء كتاب التقارير مراعاة الدقة. وأيضا سنأسى مع حكايات الأعمدة الممنوعة. ونسخر من صحفيين تحولوا الى كتبة لخطابات السيد الرئيس ومن تفاخرهم وكأن جريمة لم تقع، ونتساءل عن مخالفة هذه المهام الجليلة لمهنة الصحافة واخلاقياتها وماتنطوى عليه من تضارب فى المصالح . ولاشك اننا لن نمسك عن الضحك والتفكير معا عندما نقرأ قول صاحب الكتاب عن زمن تكاثر فيه الكتاب علينا بحكم مناصبهم والحاحهم.

ولعل خير ما لخص به الأستاذ العزبى أسلوبه فى الكتابة الصحفية قوله بأن الكثير مما يكتبه بهدوء شديد هو سباحة ضد التيار. وفى هذا رسالة لمن يخلص للحقيقة ولاحترام القارئ أن يواصل الكتابة فى الصخر حتى فى أزمنة صحافة توصف أحيانا بالكشرى وأحيانا اخرى بعدس السجون المسمى بالميري. ولأن الكتابة بحق فعل خلاق أعلى من كل مناصب والمكاتب سيستوقف قارئ الكتاب ما أشار اليه صاحبه من انه يكتب من منازلهم بعدما ضاق المبنى الجديد لمؤسسة دار التحرير بمكان لائق.

لو انصفت نقابة الصحفيين لأضافت الى جوائزها السنوية واحدة للأقلام التى عبرت سنوات مكابدتها العمل الصحفى من دون نفاق سلطة أو حاكم سواء كتبت مستغلة هوامش صحافة الكشرى و العدس الميرى أو جرى منعها من النشر . ولاشك ان العديد من هذه الأقلام تعرضت للقصف والعصف أو اضطرت للتوقف لأن أصحابها كالقابضين على الجمر . ولعل الأهم فى كتابة الصحف هو مالم يجر نشره.

[email protected]
لمزيد من مقالات كارم يحيى

رابط دائم: