رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

منمنمات ثقافية
قراءة فى أوراق مندور (2)

فى الأسبوع الماضى أشرت إلى أن جانبا لا يستهان به من كتابات شيخ النقاد محمد مندور ظل مبعثرا منسيا فى الدوريات و الصحف، وأن محاولة هذا التراث النقدى ووضعه فى المكانة اللائقة ستظل قاصرة ما لم يتم جمع وتحقيق تلك الأوراق المُهملة.

وفى الجزء الأول من كتابه «كتابات محمد مندور المجهولة» يستعرض الباحث سامى سليمان أحمد القضايا النقدية العامة التى تناولها مندور فى تلك الأوراق والمقالات المنشورة فى الدوريات وفى فصول من مؤلفات جماعية ،وعبر أجزاء من مقالات سبق تقديمها فى دراسات، بهدف إعادة قراءة مجمل إنتاج مندور، المعلوم منه والمجهول، والكشف عن إسهاماته فى حقل الثقافة العربية الحديثة.

ورغم أن المجلد الأول يضم نصوص مندور فى الفترة من 1954 إلى 1965 التى شكلت ملامح المرحلة الثانية من مشروع مندور النقدى التى عكف خلالها على فكرة التمييز بين الواقعية النقدية والواقعية الاشتراكية والكشف عن طبيعة الفنون، فإن الباحث حرص فى مقدمته على أن يرصد ملامح مسار محمد مندور النقدى الذى ينقسم إلى ثلاث مراحل هى التأثيرية، والتحليلية، ثم الأيديولوجية. فيشير الباحث أحمد سامى فى مقدمته إلى أن المقالات تكشف أن محمد مندور سعى فى الفترة من 1939 إلى 1952 للاستفادة من التيارات النقدية الأوروبية لتطبيقها على بعض موضوعات الأدب العربي.

وعبر تحليل الباحث لكتابات مندور حول مفهوم الأدب ونظرية النقد يتضح أن شيخ النقاد قد أصّل لمنهجه فى دراسة الأدب من الداخل عبر معالجة نقدية تجمع بين التحليل والرؤية التاريخية والتقييم الجمالى مع اعتماد التراث النقدى العربى القديم، الذى تبلورت قيمته لديه فى شخصية عبد القاهر الجرجانى ونظريته حول النظم التى تعتبر اللغة منظومة من العلاقات لا مجموعة من الألفاظ.

كما تكشف مقالات مندور مدى حرصه على دراسة العمل الأدبى والفنى فى مستوياته المختلفة من حيث قيمته الإنسانية والعقلية ومن حيث أساليبه التعبيرية. وفى ذات السياق، يعرض الباحث لنظرية «الشعر المهموس» النابعة من دراسة مندور للأدب المهجري، ودعوته لضرورة تخلص الشعر من كل تعبير يقوم على الخطابة، والاعتماد على الإيحاء عن طريق الصورة والرمز والموسيقى باعتبارها عناصر أساسية تحقق وظيفة الشعر (أو فلسفته)، وتجعل المتلقى يتأمل الأحاسيس التى تثيرها القصيدة فى نفس المتلقي. كذلك يوضح الباحث رؤى مندور فى الشعر إذ يرى «أن الشعر لابد أن يثير إحساسات جمالية وانفعالات وجدانية وإلا فقد صفته، وتحقيق هذه الأهداف يتطلب توافر خصائص كالوجدان فى مضمونه والصور البيانية فى التعبير وموسيقى اللغة فى وزنه».

ورغم أن مندور قد أشاد بقدرة التصور عند العرب القدماء فإنه نفى أى معرفة لعرب ما قبل الإسلام بالفن المسرحى أو الفن الملحمى، وعندما قارن بين الأساطير العربية وأساطير اليونان وجد أن عنصر الدراما فى الأساطير العربية لم يتوافر بسبب أن الشعر العربى ظل غنائيا لم ينفصل عن قائله. كما يرى محمد مندور أن الشعر العربى القديم تميز بالنغمة الخطابية والوصف الحسى وهاتان السمتان لا تنتجان شعر الدراما، الذى يقوم ـ كما يقول مندورـ (على الحوار المختلف النغمات، لا على الخطابة الرنانة، كما يقوم على خلق الحياة والشخصيات وتصور المواقف والأحداث لا مجرد الوصف الحسى الذى يستقى مادته من معطيات الحواس المباشرة، ولا يلعب فيها الخيال إلا فى التماس الأشباه والنظائر، ومد العلاقات بين عوالم مختلفة عن طريق اللغة بفضل التشبيهات والاستعارات والمجازات المختلفة).

وتوضح مجموعة المقالات الكاملة التى جمعها الباحث المرحلة الأخيرة فى مشروع مندور نظريا وتطبيقيا، فنتعرف على معالم منهج مندور الأيديولوجى الذى يعتبر «الأدب انعكاسا إيجابيا لواقع الحياة وتطورها، إذ يرتد ثانية إلى تلك الحياة ليحث خطاها وليدفعها نحو مزيد من التطور والتقدم، وبذلك يأخذ من الحياة ثم يعطيها أكثر مما أخذ»..

قضايا ورؤى لاتزال مطروحة على طاولة البحث وهناك من يتبناها ومن يعارضها، ولكن فى كل الأحوال أظن أن إعادة قراءتها بعد كل هذه الأعوام لن يكشف لنا فقط طبيعة مرحلة تاريخية تبلورت خلالها المفاهيم النقدية بل أيضا سيسهم فى فهم أبعاد الحركة النقدية المعاصرة بما لها وما عليها..


لمزيد من مقالات سناء صليحة

رابط دائم: