كانت هناك أكثر من ندوة عقدتها جمعية التخطيط العمرانى وتكلم فيها الخبراء والمختصون الذين قالوا إن سكان القاهرة الآن أصبحوا أكثر من خمس سكان مصر بكاملها. كثافة السكان على الكيلومتر المربع بلغت أكثر من 45 ألف نسمة قد تزيد على أكثر من 120 ألفا فى بعض الأحياء القديمة. والنتيجة هى انتشار الأحياء المتخلفة وقصور الخدمات والمرافق وظهور مشكلات النقل والمرور والتلوث بأنواعه المختلفة.
وفى رأى للدكتور أحمد خالد علام رئيس جمعية التخطيط العمرانى السابق أن مناطق الامتدادات العمرانية غير المخططة تحيط بالقاهرة وتكاد تخنقها فى الشمال والغرب والجنوب وهناك أجزاء من شرق القاهرة وهى مناطق إسكان حديثة لكنها متدهورة وتحوى كل أشكال التخلف. والحلول كثيرة لكنها تحتاج الى جدية ومتابعة.. منها وقف ظاهرة إقامة هذه المبانى غير القانونية كالوباء وقفة حازمة لتطبيق القوانين واللوائح المنظمة لحركة العمران وعلى رأسها قوانين تنظيم المبانى والتخطيط العمرانى وتقسيم الارض.. بدأت المشكلة بالهجوم على أرض الحضر بعد أن زادت قيمتها وأصبحت تحقق عائدا سريعا ومضمونا فتحولت إلى وعاء إدخارى وارتفعت أسعارها ولنأخذ مثالا لذلك أرض حى المهندسين وكانت أرضا زراعية تباع بالفدان ثم تحولت إلى منطقة فيلات سكنية فى الخمسينيات. هكذا ادخلت الأرض الحضرية فى حلقة مفرغة لا نعرف كيف نخرج منها..
ولننظر إلى تجارب غيرنا فى هذا الشأن. فى لندن مثلا وغيرها من المدن البريطانية خرجوا من هذه الحلقة المفرغة لأن مساحات كبيرة من أرض هذه المدن كانت من الممتلكات العامة وكانت سلطات المدينة تؤجرها للسكان لمدد طويلة ليقيموا مساكنهم عليها ثم تعود الأرض بعد هذه المدة إلى البلدية مرة ثانية لإزالة ما عليها من المبانى وإعادة تخطيطها وتأجيرها كحق انتفاع لمدة أخرى وهكذا تدخل الأرض فى دورة جديدة من دورات العمران. هذا النظام يسمى نظام «الحكر» وهو نظام تطبقه انجلترا فى مدنها القديمة والجديدة منذ أكثر من قرنين وقد أثبت نجاحه وتحقق الهدف منه وهو منع المضاربة على أرض الحضر وتخفيض إيجارات المساكن فهل يمكن أن ندرسه لنستفيد منه إن كان يفيدنا؟ سؤال.. شيء آخر لابد من دراسته أيضا وبسرعة وهو عودة نظام البلديات مرة أخرى وهو نظام كان له فى مصر تاريخ طويل وجميل كان من نتائجه أن قدم لها الشوارع النظيفة التى كانت تغسل ليلا (كالاسكندرية فى بداية الخمسينيات) وشوارع تزينها الاشجار وأعمدة الانارة المزخرفة والميادين التى تزينها التماثيل فى الحدائق والمنتزهات واكشاك الموسيقى التى ترقّى الذوق والوجدان. فنظام البلديات هذا يقول الدكتور أحمد خالد علام هوالذى قدم لنا المنيا عروس الصعيد والمنصورة عروس الدلتا والإسكندرية عروس البحر المتوسط التى لا يزال الأوروبيون يأتون إليها للاسترشاد بتخطيطها عند تخطيط مدنهم.
ثم حدث ما حدث .. فى عام 1960 ألغيت البلديات وصدر قانون الإدارة المحلية الذى ساوى بين كل مدن مصر بعد أن كان لكل مدينة قانونها الخاص بها والمسئول الذى ينفذ هذا القانون. منذ ذللك التاريخ انفرط عقد المؤسسات والهيئات بالمدن واختفى مدير البلدية السابق أو المايسترو الذى كان يدير العمل فى مدينته وأصبحت لكل هيئة مسؤليتها المنفردة كنغمة نشاز فضاعت شئون العمران فى زحام المشكلات ..