كابوس الفقر والأنيميا.. ويتراوح بلا رجعة.. ولكى أتبين الحقيقة، فقد قمت بجولة فى القاهرة الكبرى وتخومها فى الجيزة والقليوبية، ومن أصدقائى البسطاء عرفت أن هذا يحدث أيضا فى محافظات أخرى، حيث أكل الناس وشبعوا ولهجت ألسنتهم بالحمد والشكر بعد أن أوفى الذى وعدهم بوعده، وأصبح فى مقدور المواطن أن يشترى وجبة مكونة من كيلو جرام من اللحوم وكيلو أرز وكيلو بصل وزجاجة زيت بثلاثين جنيها فقط لاغير!. وصار أيضا فى مقدوره أن يذهب إلى المجمعات الاستهلاكية ومنافذ البيع الثابتة والمتنقلة فى كل الأرجاء ليحصل على اللحوم الحمراء بسعر لا يتجاوز خمسة وثلاثين جنيها، واللحوم البيضاء من الدجاج والبط وما إلى ذلك بسعر للكيلو جرام يبدأ من خمسة عشر جنيها إلى خمسة وعشرين جنيها.. وإضافة إلى ذلك يجد باقى صنوف الغذاء بجنيهات بسيطة.. وكانت النتيجة أن الجزارين والدكاكين ـ وبعضها يسمى سوبر ماركت ـ قد خفضت من أسعارها حتى لا يهجرها «الزبائن» وتأكلها الحسرة!. لكن ـ ولكى يكون تعبيرى صادقا عن أصدقائى البسطاء ـ فإن بعض مناطق الصعيد ـ خاصة البعيدة عن عواصم المحافظات ـ تشكو عدم وصول هذه الخدمة الجليلة إليها.. ولذلك نناشد المسئولين عن هذا المشروع العظيم فى القوات المسلحة ووزارة التموين بالتنسيق مع المحافظين لكى يصل الغذاء السليم إلى مستحقيه من المواطنين.
وإذ نشيد بهذا المشروع، فإننا نرجو استمراره والتوسع فيها أفقيا، بمعنى أن يصل إلى كل قرية ونجع.. ورأسيا بمعنى أن يشمل أصنافا وأنواعا أخرى.. وهنا فإنه إ ذا كانت الدولة ـ التى تتجسد فى السلطة التنفيذية ـ قد تحركت فإننا لا نناشد فقط، وإنما نأمل أن يبادر رجال الأعمال الذين يديرون شركات إنتاج واستيراد الغذاء بالانضمام إلى هذا الركب الشريف، وإذا كانوا يتصورون أنها ثورة حماس سرعان ما تنتهى، فإننى ـ وفق معلومات مؤكدة ـ أقول لهم إن هذا تفكير من الماضى لا يصلح للحاضر والمستقبل، وأنهم إذا استمروا فى عنادهم فسوف يجدون أن هذه المنافذ الثابتة والمتنقلة قد صارت كيانات متكاملة تمتلك آليات الإنتاج والتوزيع والاستمرار.. ذلك ـ وهذا بديهى ـ أن بيع الغذاء بهذه الأسعار لا يعنى أبدا أن الذين يديرونه يتكبدون خسائر مالية، ولكنهم يتخلون عن الجشع وامتصاص دماء الغلابة الطيبين الشقيانين، ويكتفون بهامش ربح بسيط، وإذا كانوا يحفظون أن «فى التجارة تسعة أعشار الرزق، فيجب أن يخفظوا.. أن للسائل والمحروم حقا فى أموالهم».
و.. لقد قال لى صديقى المواطن المصرى: «اكتب واشكر الرئيس عبدالفتاح السيسى.. وقل له لقد وعدت وأوفيت.. وأن الجماهير تطالبك بتوفير الدواء.. كما وفرت الغذاء.. وبعد هذا فإننا ـ نحن الشعب ـ لا نريد منه شيئا، ونتلاحم معه.. أكثر وأكثر.. وأكثر.. فيما يفعله لصالح الناس.. والوطن.. والأمة».
نعم.. الدواء.. بما يعنى توفير الرعاية الصحية سواء كانت استباقية بتقوية ودعم مناعة الفرد حتى لا يصيبه الداء فإن حدث يطارده العلاج الناجح ويسحقه.. وهذا كله لا يتم إلا عبر منظومة متكاملة تضع فى اعتبارها منهج مشروع الغذاء.. فإن لم يستجب ـ الآن وفورا ـ القطاع الخاص الطبى ويتخلى بعضه عن نموذج «عواد اللى باع أرضه»، ويكتفى بما حققه من أرباح، ويتقى الله فى خدمة هذا الوطن الذى أعطاه الكثير.. فإنه سوف يجد ـ وهذا ما نقترحه ـ منظومة تضم مستشفيات القوات المسلحة والشرطة ومن ينضم إليها من الأطباء بعياداتهم ومستشفياتهم.. لتنفيذ هذه الخدمة الصحية بأسعار رخيصة جدا.. كما سيجد كثيرا من رجال الأعمال الذين سيتبرعون ببناء مستشفيات ومراكز طبية على نفقتهم ـ وأنا أثق من هذا ـ على أن تكون الأراضى ملكا للحكومة التى ستجهز هذه المستشفيات ـ بأموال التبرعات.
وإذ.. نشدد على أهمية الرعاية الصحية بكل مجالاتها وأفرعها.. فإننا نذكر بالخير المهندس إبراهيم محلب عندما كان رئيسا لمجلس الوزراء وقام بزيارة مفاجئة لمعهد القلب فى إمبابة ووجد ما وجد من إهمال وفوضى وسوء تنظيم.. وكان قراره بأن تقوم الهيئة الهندسية للقوات المسلحة بإعادة تجهيز وتطوير المبنى.. وبالفعل تم هذا فى وقت قياسى وصار المعهد نموذجيا يضم أربعاً وعشرين عيادة إلى جانب غرف العمليات بأنواعها.. ونظام أليكترونى دقيق.. وهذا يدل على أنه إذا صدر القرار.. فإن التنفيذ يكون سهلا وممكنا.. ومن ثم نضيف أن طاقة المعهد تشمل مائتين وأربعين طبيبا.. وهذا رقم كبير قياسا على عدد العيادات المحدود، والتى لا تستوعب إلا نحو ثمانية وأربعين طبيبا بواقع اثنين لكل عيادة.. وحتى إذا جرى رفع العدد بإضافة أربعة وعشرين طبيبا على سبيل الاحتياط، فإن الرقم يصبح اثنين وسبعين طبيبا، أى يتبقى مائة وثمانية وستون طبيبا.. فهل يمكن إنشاء فرع للمعهد ـ مكملا به وليس منفصلا ـ ويكون فى منطقة أخرى ليست بها خدمات مماثلة.. (عين شمس ـ الشروق ـ أبوزعبل.. مثلا)؟ هل يمكن ذلك علما بأن هذه الأماكن المقترحة بلا خدمات شبيهة وفى نفس الوقت غير بعيدة عن مساكن الأطباء واهتماماتهم الأخرى.. أما الأماكن فإن الأراضى متوافرة ملك الدولة.. ويوجد رجال أعمال قادرون على تحمل تكلفة البناء والتجهيز، خاصة إذا حمل المبنى أو.. قسم منه اسم المتبرع.
و.. اسمحوا لى القول إنه إذا كنا نهتم بالانتخابات النيابية.. فإن هدف البناء السياسى هو أولا خدمة الشعب لكى يتحمل مسئولياته فى تقدم الوطن.. وفى مواجهة التحديات.. والسياسة ـ كما نعرف ـ هى: فن الممكن فى ظل المستحيل، وبتعبير آخر.. هى: حل مشاكل الجماهير، وهى ـ بتعبير ثالث ـ ليست عملا حنجوريا.. وإنما ممارسة على أرض الواقع.. تؤثر إيجابا فى حياة الناس.