رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

عالمية الإرهاب وشمولية المواجهة

لم ولن تكون هجمات باريس الإرهابية هى الأخيرة فى سلسلة الأعمال الإرهابية ما لم تكن هناك مواجهة شاملة وجذرية لهذا السرطان المتنامى فى جسد العالم كله.

فالإرهاب فى خلال العقدين الأخيرين أصبح المصدر الأول لتهديد السلم والأمن الدوليين, وشهد تطورا سريعا سواء فى أساليبه وأدواته حيث يوظف كل تقنيات العصر الحديث, أو فى أماكن استهدافه حيث طال الكثير من الدول فى قارات العالم المختلفة خاصة فى الشرق الأوسط وأوروبا, أو فى مكان تمركزه حيث انتشرت البؤر والتنظيمات الإرهابية لتغطى مساحة واسعة فى آسيا وإفريقيا وأوروبا وتعددت وانشطرت التنظيمات الإرهابية من تنظيم القاعدة إلى تنظيم داعش وجبهة النصرة وبوكو حرام وغيرها يجمعها قاسم مشترك وهو استخدام العنف تحت غطاء دينى لتحقيق أهداف وأغراض سياسية وإيديولوجية, كذلك تعاظم تداعيات خطر الإرهاب سواء فى تعدد ضحاياه من القتلى والمصابين أو فى تدمير الدول وانجرافها إلى حروب أهلية.

ولم تعد هناك دولة مهما كانت قوتها فى منأى عن خطر الإرهاب, كما لن تستطيع دولة بمفردها استئصال هذا السرطان, فحادث الطائرة الروسية فى سيناء, وتفجيرات باريس وغيرها من عشرات العمليات الإرهابية التى شهدتها المنطقة والعديد من الدول الأوروبية, تؤكد أن الإرهاب خطر عالمى يستوجب مواجهة شاملة تعالج أسبابه وتطوره وآليات مواجهته, فالمواجهة السابقة خلال السنوات الماضية لم تأت بنتيجة ملموسة بل على العكس ساهمت فى تصاعد خطر الإرهاب لعدة أمور:

أولها أن المواجهة العسكرية وحدها لم تنجح فى القضاء على تلك التنظيمات لأن الإرهاب يمثل عدوا غير مرئى لا ينفع معه الأسلحة التقليدية بل يحتاج إلى أساليب عسكرية غير نمطية ترتكز بالأساس على الجانب المعلوماتى والاستخباراتى, فالغارات الأمريكية والأوروبية بل وحتى الروسية لم تحقق أهدافها فى القضاء على تنظيم داعش فى سوريا والعراق, وثانيها التعامل مع ظاهرة الإرهاب من جانب الدول الكبرى تحكمه اعتبارات سياسية ومصلحية بل وتوظيف التنظيمات الإرهابية كورقة وأداة فى الصراع فيما بينها وكل طرف يعتقد أنه يوظف النار لحرق الآخرين فإذ به يحترق بها, وأصبحت الحرب على الإرهاب مجرد شعار يخفى فى طياته مصالح وأهداف متناقضة بين الدول الكبرى ساهمت فى تغذية الإرهاب ونموه.

وثالثها, رد الفعل فى أعقاب أية عملية إرهابية خاصة فى الدول الأوروبية, يتكرر بنفس المنوال فى الخلط المتعمد بين التنظيمات الدينية, كداعش وجبهة النصرة وغيرها, وبين الإسلام ذاته وبين المسلمين, وهو خلط لا يؤدى فى الاتجاه الصحيح بل ويترتب عليه تداعيات سلبية على الجاليات المسلمة فى هذه الدول, فهذه التنظيمات تمثل أقلية محدودة محسوبة على الإسلام السمح الذى يدعو إلى التعايش والسلام, كما أنها لا تمثل الغالبية الساحقة من المسلمين المعتدلين, كذلك فإن ضحايا هذه التنظيمات من المسلمين أكثر من غيرهم ولذا فإن تغذية ثقافة التعصب والتمييز سيكتوى بنارها الجميع.

ورابعها, مواجهة الإرهاب تقتصر على معالجة الأعراض وليس مواجهة المرض الحقيقى والمتمثل فى وجود البيئة النى نما وترعرع فيها خطر الإرهاب وهى استمرار الصراعات والأزمات فى العديد من دول المنطقة بل وتغذيتها دون البحث عن حلول سياسية شاملة تفضى إلى وقف دوامة العنف المستعرة خاصة فى العراق وسوريا واليمن وليبيا والتى تناثرت شظاياها خارج حدود تلك الدول سواء فى تدفق ملايين اللاجئين والمهاجرين إلى أوروبا أو دول الجوار أو امتداد العمليات الإرهابية إلى الساحة الأوروبية, وإذا كانت ثورات الربيع العربى اندلعت لأهداف نبيلة فى تحقيق الحرية والكرامة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وتغيير الأنظمة الديكتاتورية سلميا, إلا أنها خرجت عن مسارها الصحيح وأصبحت إحدى مسببات عدم الاستقرار والتفكك فى المنطقة نتيجة للثورات المضادة وشبكات المصالح داخليا أو لتشابكاتها الخارجية وتقاطع مصالح الدول الكبرى فيها, وأضحت شعوب تلك الدولة بين مطرقة الاستبداد وسندان الإرهاب, وكانت المحصلة النهائية هى التدمير والقتل والتشريد بل ومخاطر التفكك لهذه الدول وغياب أية آفاق للحل السياسى لتعارض مواقف ومصالح الدول الكبرى والإقليمية تجاه شكل الحل السياسى أو آليات تنفيذه.

وبالتالى فإن استئصال الإرهاب من جذوره وتجفيف منابعه يتطلب أولا مواجهة جماعية من كافة الدول وأن تنحى مصالحها وتناقضاتها مع بعضها البعض وأن يكون هذا تحت مظلة الأمم المتحدة, وثانيا تكثيف التعاون الاستخباراتى والأمنى حول الشبكات والتنظيمات المتطرفة وأفرادها وتطوير وسائل مواجهتها تكنولوجيا, وثالثا المواجهة الفكرية الحقيقية التى تمنع تجنيد تلك التنظيمات لأفراد جدد يمتلكون مهارات عالية فى تدبير وتنفيذ العمليات الإرهابية.

ورابعا العمل السريع على إنجاز التسوية السياسية للأزمات فى العراق وسوريا واليمن وليبيا ترتكز على حل توافقى يستوعب الجميع عدا كل من تلوثت يده بالدماء أو التدمير, وينهى كل أشكال التمييز والاضطهاد التى دفعت إلى وجود بيئة حاضنة ومتعاطفة مع تنظيمات الإرهاب مما ساهم فى نموها وتغلغها, كذلك ضمان وحدة وسلامة تلك الدول, وخامسا الكف عن سياسة المعايير المزدوجة من جانب الدول الكبرى فى التعامل مع ظاهرة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية والدول التى تمارس الإرهاب ومنها ما تقوم به إسرائيل ضد الشعب الفلسطينى.

الدرس المستخلص من تفجيرات باريس الإرهابية هو أن خطر الإرهاب أصبح عالميا وأن مواجهته تتطلب إستراتيجية شاملة وأن تعيد الدول الكبرى مراجعة مواقفها وسياساتها وإلا فإن سرطان الإرهاب قد يصل إلى مرحلة يصعب علاجها.


لمزيد من مقالات د . أحمد سيد أحمد

رابط دائم: