رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

الخليفة الأعظم باراك بن حسين بن أوباما!

قبل ساعات من تفجيرات باريس الغادرة، كان الخليفة الأعظم (باراك حسين أوباما)، حامى الديار والأديان والنفط والآبار، يقف على أحد منابر الجهاد الأمريكى الإعلامي، (قناة إيه بى سى) ليُؤكد رءوس الأشهاد،(أنه لا يعتقد أن قوة تنظيم داعش الإرهابى تتزايد)، ويُعلن بما لايدع مجالاً للشك (أن التنظيم الإرهابى لا يكسب مناطق جديدة فى العراق وسوريا، إضافة لتحجيمه ووقف تقدمه).

كان هذا (أوباما) قبل التفجيرات بساعات، ولأن الدنيا «قلابة»، فما إن وقعت تفجيرات «باريس» حتى انقلب موقف الخليفة الأعظم رأساً على عقب، سريعاً خرج أمام بيته الأبيض ليصف الهجوم بأنه (هجوم على البشرية بأجمعها والقيم التى يتقاسمها العالم) و إن (الموقف محزن) وإنه (لا يريد أن يتطرق إلى الحديث عن المسئول عن الحادث فى الوقت الحالى، لكن الخطر مازال قائما).

لكن الخليفة الأعظم، نسى وهو يتحدث عن تهديدات «داعش»، أنه ونظامه من صنع هذا المسخ، وهذه ليست مجرد تهمة يلقيها كاتب فى براح أسطره، إنه واقع تؤكده الوثائق والوقائع، ونسج منه صناع السينما فى «هوليوود» العديد من الأفلام. ويمكن العودة للمقال السابق للتأكد من علاقة قديمة تربط الأمريكان بحسن البنا مؤسس حاضنة التنظيمات الإرهابية (الإخوان). وربما هذا الواقع هو مادعى صحيفة «ديلى ميل» البريطانية إلى التأكيد أن (داعش حقق تقدمًا سريعًا وملحوظًا خلال ولاية أوباما).والحقيقة التى لا ينبغى إهمالها فى هذا الصدد أن الخليفة الأعظم (أوباما)، شهد عهده تحولاً فى استخدام أمريكا لتنظيمات الدين السياسى، الأمر الذى استوجب تطوير قدرات هذه التنظيمات عبر إخضاع أعضائها لتدريبات تبدأ من (السياسى والحقوقى) وتصل إلى (المهارات القتالية). ويمكن اعتبار خطاب أوباما فى جامعة القاهرة (4 يونيو 2009م)، والذى حمل عنوان «بداية جديدة» هو حفل التدشين الرسمى لهذه المرحلة من علاقة أمريكا بتنظيمات الإسلام السياسى. واختيار القاهرة لتكون هى منصة تدشين هذه المرحلة، كان تماماً كما صرح به السكرتير الصحفى للبيت الأبيض روبوت جيبس حينها (مصر الدولة التى تمثل قلب العالم العربى من مختلف الجوانب) ولعل هذا السبب هو سر ما تعانيه مصر حالياً من ضغوطات لأنها لم تسر على سيناريو الخليفة الأعظم.

لقد قرر «أوباما» أن يجرب استخدام سلاح الدين الإسلامى، تماماً كما تستخدمه التنظيمات، فزار قبيل إلقاء خطابه مسجد السلطان حسن، وخلع نعليه على الباب ورفض ارتداء الخف المخصص للسياح، وارتدت مرافقته وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون الحجاب! ثم توجه لمنصة جامعة القاهرة قائلاً «السلام عليكم» وافتتح كلمته بالآية القرآنية «اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا».ثم تعددت مواضع استشهاده بالآيات «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا» و«أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا». باختصار كان «أوباما» يجرب السلاح الذى سيكون الأفتك فى تنفيذ (البداية الجديدة) لشرق أوسط جديد.

كان كاتب هذه السطور فى ذاك التوقيت رئيساً لتحرير إخوان أون لاين، وفاجأنى تصريح رسمى يأتينى من داخل قاعة الاحتفالات بجامعة القاهرة، أكَّد فيه الدكتور محمد سعد الكتاتنى عضو مكتب الإرشاد بالجماعة ورئيس الكتلة البرلمانية بمجلس الشعب حينها أن (الخطاب احتوى على إشارات إيجابية، لا يمكن الحكم عليها قبل أن نرى ملموسها على أرض الواقع)، وفتح باب الحوار مع الأمريكان على قاعدة الاعتراف بالكيان الصهوينى (إن كلامه يحتاج إلى دراسة مستفيضة). ورحب بالخطاب مشيراً لأنه (جدير بأن يؤذِن بمراجعات جدّيّة فى الاستراتيجيات الأمريكية). وعلى النهج نفسه سار التنظيم الدولى عبر بيان أصدره «اتحاد المنظمات الإسلامية فى أوروبا» ليرحب بـ (روح الالتزام بقيم الوفاق والانفتاح والاعتدال، التى عبّر عنها الرئيس أوباما).

وبعد عشرة أشهر من خطبة الخليفة الأعظم «أوباما» كانت وسائل الإعلام الأمريكية تبث صوراً لجثث (أبو عمر البغدادى وأبو حمزة المهاجر)، زعيمى تنظيم دولة العراق الإسلامية، اللذين قتلا فى استهداف الطيران الأمريكى لمنزل فى منطقة (الثرثار) بالعراق، وبعد عشرة أيام انعقد (مجلس شورى الدولة) ليختار أبا بكر البغدادى خليفة له والناصر لدين الله سليمان وزيرا للحرب.

إلى هذا التاريخ لم يكن العالم يعرف (البغدادي)، ولم يكن فى بدن الأمة العربية جرح غائر، بحجم الجرح الفلسطينى، ولم يكن العالم قد فاق بعد من سكرة إسقاط بغداد، لكن (البداية الأمريكية الجديدة) للمنطقة العربية كانت قد بدأت تخطو نحو غاياتها. حيث دول تسقط وفوضى تسود وحدود جديدة يعاد ترسيمها، وخيرات ينبغى النظر فى توزيعها، وكله حسبما يرى الخليفة الأعظم، الذى يؤمن بأن أفضل من يُستخدم لتنفيذ هذه البداية الجديدة هم (تنظيمات الدين السياسي) بكل أطيافها.

إن الخليفة الأعظم حين أعلن (تحالفاً دولياً) لمحاربة داعش، لم يكن يستهدف فى حقيقة الأمر (حرب داعش)، قدر ما كان يضع نصب عينيه، توسيع دائرة الفوضى المصنوعة جراء خلق مسخ فوضوى يستخدم لغة قرون ماضية، ويعبر بأدبيات إسلامية تخص عصر النبوة عن واقع العالم بعد ألف وأربعمائة عام، (الخليفة الأعظم) يصنع دراما الفوضى الخلاقة وتسوقها آلته الإعلامية لتفرض على العالم كله خيارين، الأول حرباً على الإرهاب بإدارة أمريكية توسع الفوضى فى منطقة الشرق، والثانى حرباً ضد الإرهاب حقيقية خارج الحلف الأمريكي، تسعى لاجتثاث التهديد من جذوره، وساعتها تصطدم هذه الدول بالمشروع الأمريكى الإسلامى الاستثماري، فيكون حتمياً تهديد من يخرج عن الإجماع الأمريكي، بأنه يستفز (داعش) لتنقل عملياتها إلى الأراضى (الروسية) أو(الفرنسية) مثلاً ؟. وهو ما بشرت به عدة وسائل إعلام أمريكية و بريطانية.ولهذا لا تندهش عندما تفاجئك وسائل الإعلام (الأمريكية - البريطانية -الصهيونية)، بالجزم فور سقوط الطائرة الروسية أو وقوع التفجيرات الفرنسية أن (داعش) هى المسئولة، عادة ما يكون هذا الجزم قائماً على معلومات، وعادة ما يصدر بيان داعشى بعد هذا الجزم ليؤكده، وعادة أيضاً ما تعرض الدول الثلاث على الدول المستهدفة دعمها معلوماتياً وأمنياً وتضامنها الكامل مع المأساة.ولا تندهش عندما تعلم أن لفرنسا دورا رئيسيا فى الغارات الجوية المكثفة التى تستهدف داعش فى سوريا، والتى تحمل حاليًا اسم «موجة المدّ الثانية» وتستهدف منشآت نفطيَّة فى دير الزُّور تُمثل عوائدها ثلثى إيرادات التنظيم من تجارته فى النفط.

باختصار لقد استهدفت داعش باريس، لأنها خرجت عن المسار الأمريكى الرامى لـ (إطالة أمد الأزمة لا اجتثاث أسبابها)، وفى مثل هذه المواقف فإن الخليفة الأعظم «أوباما» عادة ما يستبقه بالتأكيد على نجاحه فى تحجيم قدرات «داعش». حتى لا يتم فضح (البداية الجديدة) التى استهدفها عام 2009م!.


لمزيد من مقالات عبد الجليل الشرنوبى

رابط دائم: