رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

جرائم لا تسقط بالاعتذار!

يرتكبون جرائمهم على رؤوس الأشهاد فيقتلون الملايين ويشردون شعوبا ويهدمون بلدانا بناء على حجج كاذبة وأقاويل واهية، وعندما يكتشف زيف اتهاماتهم

يلجأون إلى اعتذار متلفز لغسل أيديهم من دماء الشعوب، ولأنهم ينجون من العقاب من منطق القوة التى هى فوق القانون، فإنهم يكررون نفس الجرائم بعد ردح من الزمن بأدوات مختلفة أو محلية الصنع.

هل يكفى للمجرم ان يعتذر ليفلت من العقوبة؟ حتى لو أدت جريمته إلى قتل مليون إنسان؟ وهل تسقط عقوبة جرائم الحرب بالتقادم؟ وهل يعفى اعتذار أحد المجرمين، بقية شركائه من المحاسبة بخاصة وأنهم ارتكبوا جريمتهم فى وضح النهار وشاهدها الملايين فى أول بث علنى مباشر لحروب القرن الحادى والعشرين.

إن اعتذار السيد تونى بلير رئيس الوزراء البريطانى الأسبق، عن «الأخطاء» التى ارتكبت خلال الحرب التى قادتها الولايات المتحدة الأمريكية فى العراق العام 2003، هو تحصيل حاصل وتكرار لما سبق أن ذكره الجنرال كولن باول وزير الخارجية الأمريكى الأسبق عن أن المعلومات التى بنيت عليها الحرب ضد العراق كانت خاطئة.

أضاف بلير فى اعتذاره، خلال مقابلة تليفزيونية بثت مؤخرا، مسئوليته وشركاءه عن جريمة أخرى تعانى منها المنطقة اليوم، قائلا: «إن هناك «عناصر حقيقية» فيما يتعلق بالربط بين نهوض تنظيم داعش وبين حرب العراق» أى انه فى المرة الثانية يأتى تدمير بلادنا بأدوات محلية.

الاعتذار الذى أعلنه بلير عبر قناة الـ «سى ان ان» التى انفردت بنقل وقائع هذه الحرب للعالم، لم يكن نتيجة صحوة ضمير، وإنما عملية استباقية لمحاولة الإفلات من العقاب، بعد ان تحركت فعاليات حقوقية عديدة تطالب بمحاكمته فضلا عن اقتراب نشر تحقيق طال انتظاره حول الحرب فى العراق.

فقد تم مؤخرا تداول استفتاء جديد على مواقع الانترنت، انطلق من «اسكتلندا» طرح سؤالا عما إذا كان يجب تقديم تونى بلير، إلى المحكمة الجنائية الدولية فى لاهاي، بتهمة ارتكاب جرائم حرب، تتعلق بدور بريطانيا فى الحرب على العراق التى بلغ عدد ضحاياها أكثر من مليون شخص وشرد ما يقارب الأربعة ملايين، ودمرت منازلهم، ومعظمهم من المدنيين، فضلا عن ملايين الجرحى والأيتام، واشعال الحروب الطائفية، وانتشار القتل على الهوية، إضافة إلى رسم هيئة حكم تكرس الانقسام والاقتتال بين مكونات الشعب العراقي، وتدمير البنية التحتية للدولة ومعالمها الحضارية، من تعليم، اقتصاد، وعلم وعلماء، وثقافة، ونفط، ومشاريع تنمية، وجيش.

فهل اعتذار متلفز يكفى لمحو كل هذه الجرائم؟

الحقوقيون فى العالم وأصحاب الضمائر الحية لن يرضوا بذلك، فقد تشكلت بالفعل أطر قانونية لمحاكمته منها لجنة زتشيلكوتس التى تحقق بدور بريطانيا فى غزو واحتلال العراق وإن كانت لا تزال تماطل فى إعلان النتائج ،على أمل أن يتبدد غضب الشعب، بمرور الوقت، ويتم نسيان الجرائم.

ومنها ايضا محكمة الضمير، ببروكسل، المكونة من شخصيات علمية واكاديمية وأدبية عراقية وعالمية ، والتى عقدت 12 جلسة فى جميع أنحاء العالم بين الأعوام 2004 و 2006 حول جريمة غزو واحتلال العراق، ولا تزال تواصل عملها فى التوعية بحجم المأساة وفضح انتهاكات حقوق الانسان وتوثيق جسامة الخراب اليومى فى ظل الاحتلال وحكوماته المتعاقبة عبر مواقعها على الانترنت ، وبمشاركة ناشطيها فى الندوات والنقاشات حول هذه القضية. ومن هذه الأطر القانونية محكمة كوالالمبور لجرائم الحرب، وهى مؤسسة غير حكومية تأسست عام 2007، بمبادرة من رئيس وزراء ماليزيا الأسبق محاضير محمد ، حيث تتابع قضية الحرب على العراق منذ عام 2009م وانعقدت المحكمة فى نوفمبر 2011، بحضور شهود ومحامين وناشطين عراقيين، وبمشاركة رجال قانون وقضاة مشهود لهم على المستويين المحلى والدولي، واصدرت حكما بإدانة الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش وتونى بلير «كمجرمى حرب، ارتكبا جرائم ضد الانسانية». وذكر بيان الإدانة أنهما «قاما بغزو العراق، البلد ذى السيادة، فى خرقٍ واضح للقانون الدولي، وارتكبا جرائم تعذيب وجرائم حرب، متجاهلين معاهدة جنيف وقانون الأمم المتحدة الخاص بالتعذيب». والموقف نفسه تبناه الأسقف ديزموند توتو، صاحب التاريخ النضالى المعروف فى بلده جنوب افريقيا،. فقد انتقد بوضوح شديد الدمار المادى والبشرى الناجم عن الحرب على العراق، وطالب بإحالة ملف تونى بلير وجورج بوش إلى المحكمة الجنائية الدولية، متهما أياهما بالكذب بشأن أسلحة الدمار الشامل. ولكن يبقى الرهان الأكبر على تقديم بلير وبوش الى المحكمة الجنائية الدولية لقيامهما بحرب غير مشروعة فى العراق فضلا عن جرائم الحرب التى ارتكبت هناك.

العالم اليوم امام اختبار حقيقى لمدى مصداقية هذه المحكمة الدولية بعد أن طالها التشكيك فى استقلاليتها وكونها اداة للهيمنة الغربية اذ يقتصر عملها، غالبا، على معاقبة زعماء الدول الصغيرة، بينما تتجاهل الجرائم التى يرتكبها قادة الدول الأكثر ثراء و قوة! ان الضمير العالمى لا يسمح بأن يكون قتل إنسان واحد جريمة لا تغتفر، بينما قتل مليون عراقى مسألة فيها نظر! والسكوت على ذلك يعنى استمرار تكرار هذه الجرائم فى بلدان عربية أخري.


لمزيد من مقالات د. محمد يونــس

رابط دائم: