رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

تراث مصر للبيع

فى كل دول العالم تعد أوراق ومقتنيات الشخصيات العامة والتاريخية فى مختلف المجالات الفنية والثقافية والسياسية جزءا مهما من تراث وتاريخ الدولة، تسعى للحفاظ عليه وعرضه بالشكل اللائق أمام الأجيال الجديدة وكل المهتمين بالتراث والتاريخ.

لكن ما يحدث فى مصر عكس ذلك، إذ يتم التعامل مع هذه المقتنيات باعتبارها أمرا شخصيا لا يخص سوى اصحابها فقط، ولا يعنى الدولة فى أى شيء، وهكذا يتسرب تراث مصر لمن يدفع أكثر ويتم تهريب معظمه إلى الخارج.

وقد كشف ذلك الضجة التى حدثت خلال الأيام الماضية فى أوساط المثقفين بمصر ولبنان على إثر بوست كتبه الكاتب الصحفى نبيل سيف ـ وهو أيضا أحد المهتمين بمقتنيات الشخصيات التاريخية ـ على صفحته على الفيس بوك قال فيه إنه سيحضر مزادا شخصيا جدا جدا فى شقة بوسط القاهرة مغلقة منذ الأربعينيات يخص مقتنيات الاديبة اللبنانية «مى زيادة» التى عاشت معظم حياتها بالقاهرة وعشقها العقاد وكل أدباء مصر حتى انتهت حياتها بمأساة عام1941، والمقتنيات تضم اوراقا ورسائل من العقاد وطه حسين، وامراء وعظماء وكل ملفاتها الطبية وتقارير علاجها ووفاتها وحتى مصاريف جنازتها وحساب الحانوتي، وللأسف هذا جزء من تاريخ مصر الادبى سيذهب إلى اصحاب النصيب، خاصة انها كانت عاشقة للموسيقى ولديها جرافون واسطوانات كثيرة، وأوراق بخط سيد درويش ،وتذاكر حفلات مسرحيات للريحانى ويوسف وهبي، إلى جانب حوالى 2000 صورة مع كل عظماء مصر، جواز سفرها، وبطاقتها الشخصية، وخطابات الغرام بينها وبين جبران خليل جبران، ومكتبة فيها 2000 كتاب كلها اهداءات، ومخطوطات.

وأثار نشر هذا البوست ضجة كبيرة وذهب كثيرون خاصة من الصحفيين للبحث عن هذه الشقة دون جدوي، واضطر الاستاذ نبيل سيف لنشر توضيح على صفحته فى اليوم التالى يشرح فيه أن هذه ليست مزادات تقليدية ولكن عملية بيع يشارك فيها حوالى 4 أو 5 من المهتمون بشراء واقتناء مايوجد بهذه الشقق، وأنه يحضرها بانتظام ليس بصفته الصحفية ولكن كمقتن ولديه مقتنيات ضخمة يتحصل عليها سنويا ،ويعرضها للعرض العام فى معرض مكتبة الاسكندرية السنوى «من فات قديمة»، وهو متخصص فى اقتناء الأوراق القديمة والوثائق القديمة، الخاصة بمشاهير مصر وعظمائها والتى تباع فى تلك المزادات .كما انه حريص على أن يهدى نسخة «سوفت كوبي» من هذه الاوراق لمكتبة الاسكندرية، وقد سبق أن عاين شققا عديدة عثر فيها على مقتنيات مهمة مثل مقتنيات النحاس باشا الشخصية التى وجدها فى عدة اظرف فى احدى شقق جاردن سيتي، واوراق تخص شفيقة القبطية ، والأهم «نجيب الريحانى» وشخصيات أخرى كثيرة منهم مثلا «جروبي»، و «بطرس باشا غالي»، وغيرهما، والقاعدة الأولى هنا أنه لا يسأل عن مصدر هذه المقتنيات؟

واضاف أنه زار شقة فى الزمالك بها وثائق ومستندات عن تاريخ حزب الوفد ووثائق فؤاد باشا ومحاضر تأسيس الوفد،ومخاطبات للنحاس باشا وفؤاد باشا، وكل رموز الوفد ،وانا شوفتها من شهرين تقريبا، وأن مقتنيات مى زيادة التى تحدث عنها أقل بكثير جدا من الوثائق الموجودة فى شقة الدكتور/الشاعر فى العجوزة ،والتى تضم آلاف الكتب، والمخطوطات،والوثائق، وشرائط الكاسيت الخ، وقد أقنع الاستاذ نبيل الورثة باهداء كل محتويات الشقة لمكتبة الاسكندرية وهو ماتم فعلا خلال الايام الماضية وسيكشف عن تفاصيله قريبا واسم هذه الشخصية.

لكن المفاجأة عندما قال الأستاذ نبيل بالحرف: الناس اللى زعلانة على بيع حاجة مى فى مزاد ،متعرفش ان حاجة انيس منصور تم بيعها لواحد عربي، وفشلت مكتبة الاسكندرية فى الحصول عليها لأسباب خاصة ارفض ذكرها الآن، وكمان الناس اللى زعلانة ماتعرفش ان مقتنيات نجيب محفوظ موجودة بوزارة الثقافة من 9 سنوات باهداء من اسرته على امل انشاء متحف ولم يتم فيها شيء والله اعلم بمصيرها، كمان كل يوم بسمع عن مخطوطات لنجيب محفوظ بتتباع هنا وهناك، وحاجة انور وجدى كلها اشتراها الصديق «مكرم سلامة» من جامع قمامة فى وسط القاهرة .

ويضيف: الناس الى زعلت علشان بيع مقتنيات مى زيادة، فى ملف مقتنيات نجيب الريحانى ،انا تواصلت مع وزير الثقافة وقتها فاروق حسني، وشكل لجنة لجرد محتويات الفيلا بالمعادى بتاع ابن اخوه «بديع الريحانى، وكانت الفيلا تحت يد بنك ناصر، لانه مفيش ورثة، والقصة كانت طويلة ومرهقة ولجان رايحة ولجان جاية وثورة قامت، ووزارة تضامن اجتماعى تدخلت، والنتيجة ان الناس اللى معهم الحاجة زعلوا منى وقطعوا علاقتهم معي، والحاجة اتباعت بسعر ضخم، وبنك ناصر خسر القضية، ووزارة الثقافة فين مش عارف.

وتتكشف أبعاد المأساة أكثر عندما عقب زميل آخر هو الأستاذ أشرف العوضى ببوست قال فيه: الذين انزعجوا من خبر بيع بعض مقتنيات مى زيادة التى كانت فى حوزة جامع تحف ومقتنيات مشاهير، اود ان اقول لهم إنه منذ عدة ايام زرت متحفا شخصيا فى مدينة الدوحة يحوى اوراق توفيق الحكيم الخاصة كاملة وبخط يده وجواز سفره ومقتينات شخصية له ولعديد من مشاهير الكتاب فى الثلاثينيات والاربعينات لا يتسع المجال لذكرها، والغريب ان صاحب المتحف لديه ركن خاص كبير جدا يحوى مقتنيات راقصات مصر فى تلك الحقبة كاريوكا وسامية جمال ونعيمة عاكف وبديعة مصابنى وشفيقة القبطية وغيرهن، بالاضافة الى مئات القطع والملابس والتحف النادرة التى تعود الى ملوك مصر من اسرة محمد على .

ولكن دمعت عينى عندما رأيت جواز سفر يونس شلبى واوراقا خاصة بفواتير علاجه وشهادات طبية تخصه وجزءا من يوميات كان يكتبها فى ركن مهمل، ولله الأمر من قبل ومن بعد .

كل ذلك والأجهزة الثقافية فى مصر غائبة، ولماذا لا يشكل المثقفون لجنة شعبية يتولاها متخصص مثل نبيل سيف تتواصل مع كل الأجهزة الرسمية لمتابعة هذه المقتنيات وسبل الحفاظ عليها لدى الدولة بعيدا عن البيروقراطية، وقبل تهريب الباقى للخارج.


لمزيد من مقالات فتـحي مـحـمود

رابط دائم: