رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

السيول الجارفة .. أزمة بلا «إدارة»

تحقيق : محمود القنواتى
الشوارع تحولت إلى بحيرات
قضية السيول فى مصر دائما ماتكون خاسرة دون استفادة من هذه المياه الغزيرة بل يكون لها آثار مدمرة فى الغالب رغم العلم بمعظم الوديان الخطيرة التى يتجمع فيها الماء وتندفع لضرب المنشآت وقطع الطرق وتهديد السيارات والأرواح’, هذا مايحدث فى سيناء وسلاسل جبال البحر الأحمر وتذهب مياه سيولها هباء.. فإلى متى تهددنا السيول؟

وماذا عن استخدام التكنولوجيا الحديثة من أقمار صناعية ووسائل تحليل وتنبؤ علمى؟ وكيفية الاستفادة منها ودراسة أسبابها الخارجة عن ارادة البشر؟ فإنها وإن نظر الكثيرون للسيول بأنها شر إلا أنه يراد به خير فى بلد لديها ندرة فى المياه وتحتاج إلى كل نقطة من مياه السيل..

وقد أثارت المياه التى أغرقت الإسكندرية نتيجة الأمطار الغزيرة الرأى العام واعتبرها البعض سيولا بل هى أمطار غزيرة وإهمال فى تصريفها وكانت النتيجة امتلاء الشوارع وغرق السيارات ووقف حركة الحياة فى مدن السواحل الشمالية.. وبوجه عام كانت الأمطار الغزيرة نتيجة السخونة المستمرة للصيف الماضى واصطدام التيارات الهوائية الباردة بها فكانت النتيجة هطول أمطار غزيرة وحدوث سيول جارفة .

وحول هذه القضية المهمة التى تعاودنا كل عام وتشتد فى بعض الأعوام دون تحرك حقيقى من المسئولين يقول الدكتور حسين زهدى, رئيس هيئة الأرصاد الجوية سابقا ومستشار الأمم المتحدة فى الأقمار الصناعية والطقس, إن ما يحدث من هطول للأمطار بغزارة له أسبابه الجوية المناخية ومن خلال تحليل البيانات المتوافرة من التكنولوجيا الحديثة والأقمار الصناعية يتم توقع حدوث هذه الأمطار قبلها بعدة ساعات بشكل مؤكد وتوقعها قبلها بعدة أيام، فظاهرة السيول عادة ماتحدث نتيجة لغزو الهواء البارد لمنطقة جبلية ساخنة مما ينتج عنه عدم استقرار شديد فى الغلاف الجوى يصاحبه تكون سحب ركامية بها بلورات ثلجية كثيرة مزنية شديدة فتسبب عدم الاستقرار وبالتالى هطول أمطار غزيرة وتتجمع عند قمة الجبل وعندما تصل لكمية معينة تبدأ فى الانحدار ثم الاندفاع الشديد على سفح الجبل فتجرف معها كل ماتصادفه من أحجار ومواد صلبة أسفل الجبل وتسبب أضرارا كثيرة فى حالة عدم الاستعداد لها وعند وجود منشآت فى الوديان وغيرها من طرق وزراعة وجميع ما يعترض مسارها.

وتعد سيناء من أكثر المناطق التى تتعرض للسيول والسبب وجود منخفض جوى بالطبقات الدنيا القريبة من سطح الأرض فوق شرق حوض البحر المتوسط يكون مصاحبا عادة لامتداد الطرف الشمالى لمنخفض السودان الموسمى مع وجود موجة هوائية طويلة فى طبقات الجو العليا تعمل على جلب هواء شديد البرودة من شمال ووسط أوروبا لمنطقة شرق المتوسط فيسبب ذلك حدوث درجة عالية من عدم الاستقرار فوق هذه المنطقة، كمايمكن حدوث السيول لسبب آخر نتيجة لالتقاء تيار هوائى قطبى قادم من الشمال مع التيار النفاث تحت المدارى فى طبقات الجو العليا فوق منطقة شرق حوض البحر المتوسط، ويسبب التقاء التيارين حدوث عدم استقرار شديد حيث تنخفض فيه العوامل الرئيسية الثلاثة لعدم الاستقرار بشكل متزامن وهى:

ضعف الاستقرار الاستاتيكى، وشدة الرياح، وعدم الاستقرار الباروكلينى الناتج عن تدفق الهواء البارد على منطقة ساخنة.

ويتضح من الدراسات التى أجراها منذ عدة سنوات العالم المصرى الدكتور حسين زهدى على مدى اربع سنوات أن بعض أنواع هذه السيول التى تحدث فى جنوب سيناء يمكن اعتبارها آثارا جانبية لنشاط منخفضات البحر المتوسط، كما أن البعض الآخر يحدث نتيجة لأحد أشكال التفاعل الجانبى بين منخفض السودان الموسمى والموجات الجوية الطويلة للعروض الوسطى التى تعانى من التشوه والانبعاج عند مرورها على سلاسل اسكندنافيا وجبال القلب فى أوروبا والأورال فى غرب روسيا الأمر الذى يساعد على جلب هواء شديد البرودة من شمال أوروبا وروسيا لمنطقة شرق حوض البحر المتوسط وشبه جزيرة سيناء، وموسم حدوث السيول عادة فى سيناء وسلاسل الجبال الخريف وهو صاحب النصيب الأكبر ثم الربيع والشتاء والربيع والخريف يتميزان بأنهما فصلا انتقال يتم فيهما التفاعل بين الكتل الهوائية الساخنة القادمة من منخفض السودان الموسمى والكتل الباردة القادمة من شمال أوروبا مما يؤدى لحدوث عدم الاستقرار بالغلاف الجوى ينتج عنه أمطار غزيرة يتحول فى معظم الأحيان لسيول عند سقوطها على الجبال.

لكن كيف يجرى التنبؤ بالسيول قبلها؟.. يؤكد الدكتور زهدى أن الأمر يستلزم دراسة مناخية مستمرة للأحوال الجوية المحلية لمناطق السيول عن طريق خبراء الأرصاد الجوية وهذا ما يتم بالفعل، وتشمل الدراسة تحليلا وتفسيرا لصور السحب المتاحة من أقمار الرصد الصناعية لمناطق السيول باستخدام الطرق العلمية الحديثة فى هذا المجال لتقدير كمية الأمطار المحتمل سقوطها فى مناطق تجمع الأمطار التى ينتج عنها السيل وهذا التنبؤ يمكن الإنذار به قبل ساعات من هطول الأمطار، وايجاد علاقة بين المعلومات المستقاة من الأقمار الصناعية والبيانات المتاحة لكميات الأمطار الموجودة فى محطات الأرصاد الجوية الواقعة فى المناطق القريبة من السيول ومصر تنتشر بها 126 محطة، وإجراء دراسة مناخية لمعدلات تكرار حدوث الأحوال الجوية المختلفة التى تؤدى لحدوث السيول بمنطقة جنوب سيناء وارتباط ذلك بالدورة العامة للرياح بنصف الكرة الأرضية الشمالى حيث يمكن من خلال ذلك وضع نماذج للتوزيعات الضغطية بالغلاف الجوى التى تؤدى لسيول سيناء، ومع بعض الاختلاف فى سلاسل جبال البحر الأحمر لأنها تأتى نتيجة تفاعل مزدوج بين الكتل الهوائية الباردة القادمة من شمال ووسط أوروبا مع الكتل الهوائية الساخنة القادمة من المناطق المدارية والاستوائية فينتج عنها هطول الأمطار على سلاسل جبال البحر الأحمر.

ويوضح الدكتور زهدى في دراسته أنه يمكن التحذير من السيول قبلها بعدة أيام قليلة عند توافر التوزيعات الضغطية للغلاف الجوى بشرق المتوسط واجراء الدراسات العلمية عليها وتصل نسبة النجاح لتوقع السيول الى نسب مرتفعة جدا، وهناك مخرات معروفة للسيول يجب تجنبها وعدم اقامة المنشآت عليها أو الطرق لكن للأسف نقيم المنشآت والطرق ولا نقيم السدود الكافية والنتيجة تكون تدميرية.

وكميات مياه السيول لايستهان بها ويمكن الاستفادة منها بعمل خزانات لتجميع جزء كبير منها لاستخدامها، وللعلم لم يتم الاستفادة من سيول جبال البحر الأحمر رغم كثرتها والتى ينتهى تصريفها للبحر الأحمر وتذهب هباء رغم أن المنطقة تعانى ندرة مياه عذبة.

ويؤكد أن أمطار الساحل الشمالى والدلتا كونت كميات كبيرة فى شوارع المدن والقرى فى الاسكندرية ودمياط وكفر الشيخ ليست سيولا كما يتصور البعض لكنها كميات أمطار غزيرة نتيجة عدم استقرار بسبب دخول هواء بارد فى طبقات الجو العليا مصاحب لموجة طويلة بوسط أوروبا مع تعرض البلاد لموجة حارة وساخنة لفترة طويلة فى الصيف مما كان له دور فعال فى عدم الاستقرار وهطول هذه الأمطار الغزيرة وجاء تراكم الأمطار لسوء تصريف المياه وتراخى المسئولين.

وباستعراض الدراسات والأبحاث والآراء العلمية حول السيول خلال الفترة الأخيرة بدأت مشكلة السيول ـ كما يوضح الدكتور عاطف دردير رئيس هيئة الثروة المعدنية سابقا ـ وآثارها التدميرية في الظهور في الفترة الأخيرة منذ نحو 50 سنة مضت تقريباحينما بدأت عمليات التعمير في الاتجاه نحو الصحارى والسواحل و تخوم الصحراء وذلك في مناطق متفرقة من مصر، كذلك الهامش الصحراوي للوادي والدلتا، وساحل البحر الأحمر، وشمال غرب خليج السويس وشمالي سيناء، وسواحل خليجي العقبة والسويس في سيناء، وإقامة القرى السياحية أو مد طرق أو استصلاح أراض أو إنشاء قرى جديدة لاستيعاب الكثافة السكانية المتزايدة، وقد جرى إعمار هذه المناطق عشوائيا بفكر مخالف لطبيعة المنطقة، وإنشاء مبان ومنشات ثابتة على مجاري السيول و في أوديتها نتيجة اتساع المسافات الزمنية بين حدوث السيول، وتغيير مسارات السيول نتيجة استصلاح الأراضي وتسويتها للزراعة بمواقع المخرات.

ومن العوامل التي ساعدت في الماضي علي زيادة خطورة السيول:

ردم مجاري السيول بفعل العوامل الجوية : وإذا كانت مسارات السيول قد تحددت منذ عدة آلاف من السنين، فان غير المحدد هو متى يسيل الوادي ومن أي فرع وكمية المياه التي تسيل وأين تتجه ؟ و هنا يكمن حل المشكلة و درء الأخطار الناشئة عنها وذلك بتفهم هذه الطبيعة والبعد عن المسارات الخطيرة أو تحصينها ضد السيول التي غالبا ما تكون فجائية.

وتشمل العوامل المؤثرة في مسار السيول عند سقوطها: طبيعة الصخور التي تؤثر في نفاذية المياه فالمياه المتساقطة على الصخور البلورية تجد طريقها كاملة إلى الجريان في الفروع و الوديان التي تتجمع لتصب في مياه البحر أو النهر القريب، أما الصخور المسامية فإنها تتشرب المياه الساقطة عليها وتكون ما نطلق عليه الخزان الجوفي.

ويشير الدكتور صابر أمين الدسوقي والخبير- عبد المنعم حمزة فى دراسة القيت فى الملتقى العلمى لتخفيف أخطار السيول: إلى ان ظاهرة السيول من الظواهر التي تحتاج إلى تضافر الجهود لمواجهتها ليس فقط للإقلال من مخاطرها وإنما أيضاً لكيفية الاستفادة من مياهها، وإننا لا نعتبر السيول من الكوارث إلا إذا لم نستطع أن نتغلب عليها وترويضها و تخفيف آثارها المدمرة، وبالتالي تكون فوائدها أكثر بكثير من أضرارها، والوديان موجودة في مصر منذ ملايين السنين و سوف تحدث سيول أخرى مرات و مرات فيجب أن نتعايش معها كما تتعايش اليابان مثلا مع الزلازل.

أما عن الاستفادة من مياه السيول فإن الماء المخزون سواء في وديان الصخور البلورية أو الرسوبية المسامية أو تكوينات الصخورالمسامية يعتبر خيرا و نعمة إذا ما أحسن استغلاله ودرست مصادرها دراسة وافية وصولا للاستخدام الأمثل لهذا المخزون، أما المياه التي تجري و تسيل مكونة السيول بأشكالها فإنه يمكن الاستفادة بمياهها إذا ما درست طبيعة الوديان التي تسير فيها و أقيمت عليها مثلا الخزانات أو السدود لحجز هذه المياه.

و قد يؤدى إقامة بعض الأنواع من المشروعات إلى نتائج اقتصادية إيجابية مثل خلق فرص عمل جديدة في هذه المناطق، وزيادة الإنتاج، و كذلك فإن هذه المشروعات تعد أداة مهمة من أدوات الدفع التنموي والتي تعمل على تنشيط العملية الاقتصادية في هذه المناطق بعيداً عن مناطق التركز التقليدية، وقد يكون ذلك في إضافة مشروعات جديدة في مواقع جديدة أو التوسع في مشروعات قائمة.

وفى كلتا الحالتين فإن إقرار مثل هذه المشروعات يؤثر على هيكل ونمط الدخل الإقليمي سواء كان ذلك بالنسبة لزيادة الدخل أو توزيعه، ويؤثر ذلك في العديد من النواحي مثل:الناحية البيئية سواء كان مفهوم البيئية حماية المناطق أو الاستفادة من كميات المياة المصاحبة للسيول، و كذلك النواحي الاجتماعية بسبب تغيير الهيكل الاجتماعي وخلق علاقات وروابط اجتماعية جديدة، و أيضا النواحي الثقافية من خلال وجود علاقات إنتاجية جديدة قد تعمل على زيادة دخول الأفراد وزيادة نسبة التعليم.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق