رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

حلم الحياة الكريمة

القاعدة العريضة من الشعب المصرى تعيش إما تحت خط الفقر أو بالقرب منه. باختصار شديد ودون فذلكة، ووفقا للبيانات الرسمية، القاعدة العريضة من المواطنين يلاقون الأمرين فى توفير احتياجاتهم الأساسية من الغذاء والكساء والمأوي، ناهيك عن نفقات العلاج والتعليم والمواصلات، ويعجز 27% من المصريين بالفعل عن الوفاء بتلك الاحتياجات. الحياة الكريمة التى خرج الشعب من أجلها فى ثورتى 25 يناير و 30 يونيو مازالت حتى الآن تمثل حلما يتطلع إليه القاعدة العريضة من المصريين.

حلم الحياة الكريمة يتطلب تحقيق تنمية اقتصادية قادرة على تحقيق نقلة حقيقية فى مستوى معيشة المصريين، وأن تؤؤل نتائج وثمار تلك التنمية إلى غالبية الشعب.

حلم الحياة الكريمة يتطلب الانحياز لمصالح القاعدة العريضة من المواطنين عند اتخاذ كل سياسة اقتصادية وعند الاختيار بين البدائل المختلفة لتنفيذ تلك السياسات.

والسؤال هو هل من المتصور تحقيق ذلك الحلم، بينما الجماهير صاحبة المصلحة لا تشارك فى صنع القرار؟ هل من الممكن أصلا أن تتم تنمية اقتصادية حقيقية دون مشاركة الجماهير صاحبة المصلحة فى تحديد السياسات الاقتصادية التى تمس حياتها اليومية ورزق أبنائها ومستقبلهم، والرقابة على أداء كل الأطراف المنفذة لتلك السياسات، ووضع تلك الأطراف موضع الحساب والمساءلة؟ الواقع الحالى لمشكلاتنا الاقتصادية يؤكد أن الإجابة بالقطع هى لا.

الواقع المصرى يؤكد ان هيمنة الاحتكارات المتحالفة مع السلطة تشكل عائقا أساسيا أمام حدوث تنمية اقتصادية حقيقية. آفة الاحتكار أنه يقف بذاته عقبة تحول دون نمو المشروعات الصغيرة والمتوسطة.

نفاذ كبار رجال الأعمال إلى عمق السلطة التشريعية والمناصب التنفيذية يؤدى بذاته إلى صياغة القوانين والتشريعات على النحو الذى ينحاز لمصالح الاحتكارات، فضلا عن التطبيق الانتقائى للقوانين المختلفة بحيث تستأثر المشروعات الاحتكارية بكل ما تتيحه التشريعات من مزايا، وتفلت من الالتزام بأى قوانين وتشريعات تتعارض مع مصالحها.

تقارير البنك الدولى تؤكد أن شركات رجال الأعمال ذوى العلاقات السياسية القوية وفرت 11% فقط من كل الوظائف فى القطاع الخاص بمصر خلال الفترة 1998 ــ 2012، فى حين أن تلك الشركات هى التى حصلت على الأراضى الرخيصة واستأثرت بنحو 92% من القروض الممنوحة للقطاع الخاص، وعلى الجزء الأكبر من دعم الطاقة، كما استأثرت بتراخيص حكومية تكفل لها مركزا احتكاريا يحول دون دخول ونمو شركات منافسة، ويحول بالتالى دون خلق وظائف جديدة.

الواقع المصرى يؤكد أيضا أن الفساد يمثل عقبة كبرى أمام تحقيق تنمية اقتصادية حقيقية. فى كل قضية من قضايا الفساد التى تعلن عنها هيئة الرقابة الإدارية تكون الأرقام بمليارات الجنيهات. الفساد لا يعنى فقط إهدار موارد غالية نحن فى أمس الحاجة إليها، بدلا من البحث عن المساعدات والقروض والمستثمر الأجنبي، وإنما يعنى أيضا ارتفاع تكلفة الإنتاج ووقف الحال للمشروعات الصغيرة.

عندما نتحدث عن البيروقراطية فإننا نتحدث فى الواقع ليس فقط عن البطء وطول الإجراءات، وإنما أيضا عن الفساد، وعن تحمل تكاليف إضافية فى كل خطوة وكل إجراء جديد، ما بين رسوم رسمية وتبرعات إجبارية ومدفوعات فوق الترابيزة وتحت الترابيزة. النتيجة ارتفاع تكاليف الانتاج بما يفوق طاقة المشروعات الصغيرة ووقف الحال لينتهى الأمر بإغلاق المصنع والخروج من دائرة الإنتاج.

مصانع مدينة العبور وبلبيس يعانى أصحابها الأمرين فى استخراج التراخيص التى يتم تجديدها كل ثلاثة أشهر، ليدوروا فى حلقة مفرغة من الإغلاق والجرى وراء تجديد الترخيص ودفع ما هو رسمي، وما هو غير رسمي، كى يعمل المصنع بضعة أيام أو أسابيع قليلة ثم يتم الإغلاق لانتهاء مدة الترخيص! نموذج يتكرر فى العديد من المدن الصناعية.. ثم يتساءل الجميع بدهشة عن ظاهرة المصانع المغلقة، وأسباب توقفها، وكيفية إعادتها للعمل.

غنى عن القول أن المواجهة الحقيقية للفساد تتطلب مشاركة الشعب بكافة تنظيماته فى كشف ممارساته، وفضحها أمام الرأى العام، ومواجهة الحكومة بها، إلا أن المؤكد أن تلك المواجهة تتطلب أيضا الفصل بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية. فلا يعقل أن تكون هيئة الرقابة الإدارية، التى تندرج تحتها كافة الأجهزة الرقابية المعنية بمكافحة الفساد، تابعة لرئيس مجلس الوزراء.

تبعية تلك المنظومة بكاملها للسلطة التنفيذية تعنى عدم استقلالية الأجهزة الرقابية، كما تعنى أن قرار تحريك قضية أو أخري، ضد مسئول أو آخر هى فى نهاية الأمر رهن بقرار رئيس مجلس الوزراء! التغول على السلطة القضائية يكرسه التعديل الذى تم إجراؤه فى مارس 2015 على قانون الإجراءات الجنائية كى تسمح المادة 18 مكرر (ب) بجواز التصالح مع المستثمرين ورجال الأعمال فى جرائم الإضرار بالمال العام حتى بعد صدور حكم بات من القضاء، وحتى لو كان المحكوم عليه محبوسا نفاذا لهذا الحكم، لينتهى الأمر بوقف تنفيذ العقوبة نهائيا هل يكفى التصالح واسترداد الأموال التى حصل عليها رجل الأعمال من غشه فى مواصفات بناء كوبرى أو مدرسة، أو توريد أجهزة طبية حتى لو كان ذلك يعنى تعريض حياة المواطنين للخطر؟ باختصار.. لا يمكن حدوث تنمية اقتصادية حقيقية فى ظل هيمنة الاحتكارات وقوى الفساد على الاقتصاد المصري، وامتداد نفوذهم إلى البرلمان.. حلم الحياة الكريمة لن يتحقق إلا بمشاركة الجماهير صاحبة المصلحة فى اتخاذ القرار من خلال البرلمان، والمجالس المحلية، والأحزاب السياسية، والنقابات المهنية والعمالية، ومنظمات المجتمع المدني.


لمزيد من مقالات د. سلوى العنترى

رابط دائم: