أحمل كالريح سلامي, أملأ عيني بظلال ضفائرها. في مدينة القلوب سراييفو يأخذك الجمال, والخيال, والوجع الإنساني. علي هذه الأرض الشقيقة البوسنة والهرسك سكن البوجميل والأرناءوط, أقدم شعوب غرب البلقان, قبل أن يغزوها الرومان ويتصارعوا مع منطقة غرب البلقان مع البيزنطيين. ثم جاء السلاف إلي المنطقة في القرن السابع. تلاهم العثمانيون في القرن الرابع عشر, ومنها أقاموا الحضارة ونشروا الثقافة وعلموا الإنسانية.
................................................................
تحملني شوارعها المعبأة برائحة المطر إلي ضواحي السكينة, لتعبر بي جسور مودة تصافح وجوه البسطاء البشوشة, القنوعة, والراضية بالمقسوم. هنا في تلك الأرض العتيقة تتلون الجسور صباحا بلون الشمس.. وفي المساء تترصع الأضواء عليها مثل حبات اللؤلؤ المنثور. وللجسور هنا قصص وحكايات سجلها التاريخ. فمن فوق جسر برنسيب التاريخي, اندلعت شرارة الحرب العالمية الأولي28 يونيو1914, عندما صوب الشاب جافريلو برنسيب( من منظمة اليد السوداء) مسدسه إلي صدر ولي عهد النمسا وزوجته, رافضا احتلال النمسا لبلاده. علي بعد خطوات من هذا الجسر, تجد متحفا صغيرا يتكون من حجرتين, يضم صورا وكتبا وصحفا قديمة تروي تفاصيل الحادث الشهير. ويظل جسر موستار هو الأشهر بين الجسور حيث تطبع صورته علي أغلب الهدايا التذكارية, وهو يعد رمزا للبوسنة والهرسك. وضع تصميمه المعماري العثماني سنان الملقب بـ( المهندس العظيم) بأمر من السلطان العثماني سليمان القانوني(1520-1566). بلغت نفقات البناء في حينه ما يعادل300 كجم من الفضة وانتهي بناؤه خلال عام, ليكون نموذجا للفن المعماري, وهو ما دعا منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة الي تصنيفه ضمن التراث العالمي.
مع دخول الليل, تنسكب شلالات الإضاءة عليه فتعكس صورته علي الماء.. ليبدو للمارة وكأنه صورة هلال مرسومة علي سطح النهر ومن حوله تتراقص نجوم السماء. يا جسر الأشواق, كم اشتاق!.. لأغان تسهر في الليل معي.. وتذكرني بأحلام مدينتنا وأزقتنا ومصابيح الشوارع وماضي القاهرة الجميل في الأربعينيات.
كان ضياء القمر المتسرب من بين شقوق الغيم أكثر جمالا حين دخلت الأراضي الهرسكية حيث الطبيعة الخلابة ونهر(نيريتفا) والوادي الساحر. كما تتميز هذه المنطقة بالاعداد الكبيرة من المطاعم علي جوانب الشارع والمشهورة بشي الخرفان علي نار هادئة. شهرة هذه المدينة جاءت من( معركة نيريتفا) حين طلب القائد تيتو تدمير كل الجسور التي تمتد إلي موستار كي يعتقد العدو بأن الثوار وتيتو قد هجروا المكان. وبعد أن حل الظلام عمل الثوار جسورا اصطناعية. معركة نيريتفا تحولت إلي عمل سينمائي ضخم قام ببطولته( يول براينر, فرانكو نيرو). وفي عام1978 تم افتتاح متحف( يابلانيسا) كي يتذكر الشعب أحداث هذه المأثر التاريخية.. كذلك, ترك الجسر الحديدي الكبير في النهر مدمرا, ليبقي شاهدا علي التاريخ.
رابط دائم: