رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

فى وداع الأصدقاء

كل ما حدث.. فى هذا اليوم الكئيب العاصف.. كان يليق به.. يليق برجل فى طريقه لحضور جنازة صديقه.. كان الجو بالغ السوء.. فى مدينة هيوستن الأمريكية.. سحب سوداء تقذف أمطارها.. وشوارع مزدحمة تفيض بالمياه.. وطوابير من السيارات لا تتحرك من مكانها.. فجأة ظهرت فى السماء طائرة هليكوبتر.. فأدرك أنها فى طريقها لحمل السائق الذى أصيب بإصابات بالغة فى الحادث المروع الذى وقع فى الطريق الذى كان فيه يسير.

حين انتظم المرور مرة ثانية.. استطاع أن يشاهد عن قرب السيارة المهشمة.. منظرها جعله يفكر بأن الرجل الذى كان بداخلها.. حين خرج فى الصباح من منزله.. لم يكن يدرى أنه قد لا يعود إليه أبدا.

عندما وصل إلى مكان الجنازة رأى زملاء وأصدقاء لم يرهم منذ خمسة عشر عاما.. ورأى ناسا لم يقابلهم على الإطلاق.. ولكنه سمع عنهم من خلال أحاديث صديقه الراحل.. فى المساء وهو عائد إلى بيته.. قرر أن يبث مشاعره عن الحياة والموت فى كتاب أعطاه اسم «دليل الحياة المفقود».. أنه دكتور «جو فيتالى» الذى وصف رحيل الأصدقاء بأنه جزء من تجارب حياتنا.. جزء حزين ومؤلم.. لا نستطيع الفرار منه.. وسيستمر ما قدر لنا الحياة.. لهذا يقترح علينا بما أننا لا يمكننا أبدا معرفة ميعاد رحيلنا أو ميعاد رحيلهم.. أن ننتهز الفرصة حين تأتينا.. لندللهم.. بكلمات الود والتقدير.. وعبارات المدح والثناء.. قبل أن تأتى لحظة نتساءل فيها هل كانوا يدركون مدى أهمية وجودهم فى حياتنا؟.. وهل كانوا يعرفون أنهم يحتلون ركنا دافئا ومضيئا فى قلوبنا؟..

فالدموع الحارة التى تذرف عند القبور.. ما هى إلا تعبير عن كلام لم يقل وأفعال لم تنفذ.

دكتور فيتالى حين جلس فى منزله فى تلك الأمسية الحزينة.. كانت تتنازعه أفكار متناقضة.. فكر فى أن ما يكرهه فى أمر الموت هو أنه نهائى تماما.. فليس هناك ملحق.. ولا متابعة.. ولا فرصة لقول أهلا.. أو لقول وداعا.. أو أنا آسف.. أو أنا أحبك.. أو أنا ممتن.. أو أى شىء آخر.. لا شىء البتة.. انتهى الأمر.. وهو فى هذه الحالة تذكر مقال لجيليان كولمان مستشارة فى إدارة الأعمال قالت فيه إنها قد حصلت كأى شخص على نصائح كثيرة جدا على مدى حياتها.. حصلت عليها من أبيها وأمها.. ومن جدها وجدتها.. وحصلت عليها من رجال دين.. ومن معلمين فى المدرسة ومن أساتذة فى الجامعة.. وحصلت عليها أيضا من آلاف الكتب التى التهمتها.. ومن مئات الأفلام التى شاهدتها.. ومن المسلسلات الإذاعية التى سمعتها.. ومن برامج التليفزيون التى رأتها.. بعض هذه النصائح كان مفيدا.. والبعض الآخر كان عديم الفائدة.. بل وسيئا.. لكن النصيحة التى أثرت فيها أعمق تأثير.. وأسكنتها فى قلبها.. وجعلتها مرشدا لها.. كانت من والدها.. الذى قال لها إن الحياة قصيرة جدا.. وأن الأمر كله خير.. حتى فى المآسى.. حتى فى الموت.. فابقى راضية.. وداومى على الابتسام.. والدها كان قد فقد كثيرا من اصدقائه فى الحرب.. وأمضى وقتا طويلا فى علاج نفسه بعد رحيلهم.

المؤلم أن الأصدقاء.. مع تقدم العمر وحين يصبحون هم المصدر الأول للبهجة والفرحة.. يختفون.. إما بسب المرض أو الموت.. حينئذ يستقر الحزن فى الأعماق.. وتتضخم الوحدة والعزلة.. ويزداد الفراغ و الخواء.. لكن تبقى الذكريات.. الحوارات التى دارت.. الضحكات التى انطلقت.. المواقف التى حدثت.. حتى الخلافات التى احتدت.

حقا.. لم يخطئ من قال: «الويل لمن عاش بلا أصدقاء».


لمزيد من مقالات عايدة رزق

رابط دائم: