رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

هتاف «اللاصامتين»..!

حذار.. أن يخال أحدنا أن مصر- التى كانت قبل عشر سنوات- هى مصر التى هى الآن. صدّق أو لا تصدق؛ مصر الآن أفضل ألف مرة!

معقول؟ أكيد أنت تهرّج؟ لا والله.. نحن الآن أفضل وأفضل.. وإن شئت فاقرأ مغزى إجابات الناس فى الشوارع والأحياء الفقيرة والقرى النائية والنجوع البعيدة عن أسئلة مراسلى البرامج التليفزيونية، ومراسلى الصحف ، وعلى صفحات الفيس بوك المشتعلة. إنك إن دققت، وأمعنت التفكير، فى المعنى الباطنى الكامن فى تلافيف اللاشعور( ولم تكتف بظاهر اللفظ) فيما يفضفضون ويهمسون ويبعبعون، فسوف تدهشك حقيقة غائبة عن الكثيرين منّا.. فما هى؟ إنها- ببساطة- أن الناس فى بر مصر باتوا يقولون- وبتلقائية شديدة- كل ما يريدون، دون خوف أو تردد أو وجل!

.. وخلّ بالك.. إن الذى يتكلم بتلك التلقائية الصريحة الجريئة الصاعقة هم «الغلابة» البسطاء.. أما أحباؤنا المثقفون- جعل الله كلامنا عليهم خفيفا- فمازالوا حتى ساعة تاريخه يزفلطون الكلام، ويلونونه، ويميعونه، فلا تكاد تفقه من حديثهم حديثا. لماذا يا ترى؟ لأن هؤلاء البسطاء المطحونين هم المكويون بالنار بجد، أما سادتنا وتيجان رءوسنا؛ ساكنو المكاتب المكيفة، المتدفئون بأضواء الاستوديوهات الملعلطة بالضوء، فيبدو أن أجهزة التكييف قد أسكرتهم، وخدرت ألسنتهم، فصار الكلام يخرج منها مائعا، تائها، مترددا، كقطعة العلكة المقتولة مضغا. (على فكرة.. العلكة تعنى اللبان بالعربى!)

مصر أحسن؟ لماذا؟ لأن البسطاء- الذين نعتهم أستاذنا الراحل الدكتور سيد عويس عميد علماء الاجتماع فى مصر الحديثة بأنهم الصامتون- لم يعودوا صامتين. لقد صاروا يتكلمون، وهو ما سيؤدى إلى أن السادة الكبار سوف يسمعونهم، وهم الذين كانوا فى الماضى لا يسمعون. الآن.. صار الكل يتكلم ويبوح، بل ويصرخ أحيانا، وهذا فأل حسن جدا. لقد قال سقراط ذات يوم: تكلم حتى أراك.. وها هم قد بدأوا يتكلمون. ومن ثم سوف يراهم الكبار ويستجيبون لهم، ولن يعودوا يرددون بعد اليوم تلك المقولة الساخرة:«خليهم يتسلوا»!

ومع ذلك تبقى هنا معضلة عويصة، لا.. بل قل معضلتين. الأولى، أن هذا الذى يتكلم يتوقع ممن يستمع إليه أن يستجيب، فإن لم يستجب فسوف يضطر المتكلم لأن يعبر عن غضبه بأعضاء أخرى من جسمه غير لسانه( وربنا يستر).. وأما المعضلة الثانية، فهى أن تلك الحرية الوليدة- التى تكبر مع الأيام بحكم قوانين النمو- يمكن أن تقود- لا سمح الله- إلى مأساة؛ خاصة مع أناس أدمنوا الصمت أعمارا طويلة ثم تكلموا.

ألم تسمع سيادتك المثل القائل: أول ما يشطح ينطح؟ إن بعض الغافلين محدثى نعمة الحرية- من بين هؤلاء الصامتين الذين أخيرا نطقوا- يمكن والعياذ بالله أن يجحّشوا. وطبعا فإن التجحيش، مضافا إليه الاستهبال من جانب المعنيين بالأمر، يمكن أن تترتب عليه عواقب وخيمة ومآس جمّة، نرى بعضها الآن فى شوارعنا، وحاراتنا الضيقة، وفى العشوائيات السحيقة التى يرقص أطفالها بالسنج.

طيب.. وما علاج هذا التجحيش غير المنضبط الناتج عن خروج العفريت من القمقم؟ أمامك يا عمّنا حلان: أولا، أن تفعل كما فعل الصياد عبد الله البرى فى ألف ليلة وليلة؛ بأن تضحك على ذقن العفريت فتعيده إلى القمقم من جديد.. ونحسب أن هذا هو المستحيل بعينه الآن فى ظل ثورة الاتصالات والفضائيات والفسبكة التى دخلت كل بيت. والحل الثانى، أن تضطر آسفا- وأمرك لله- أن تطبق القانون بجد، بحيث يتم التطبيق على كل الكل؛ على الذين يتجاحشون والذين يستعبطون.

إن هؤلاء الصامتين- الذين لم يعودوا صامتين- عندما ينظرون حولهم، فيرون كل ظالم حرامى أونطجى وقد نال عقابه العادل بجد( وموش كده وكده!) ساعتها سيدخل العفريت طائعا مختارا إلى قمقم الهدوء والاستقرار والخضوع للقانون.. وبالتالى نقى أنفسنا وأهلينا مخاطر الرفس العشوائى. وبالمناسبة.. ساعات تأتى رفسة الجحش فى مكان قاتل.. وقانا ووقاكم الله شر تلكم الرفسة.

يعنى مطلوب إيه بالضبط؟ مطلوب أن نتوقف فورا عن تلك المقولة الرديئة، التى رددناها لقرون ممتدة، فصارت دستور حياتنا، وأهلكتنا؛ مقولة:«الورق ورقنا.. والدفاتر دفاترنا.. طلّق يا أبو العلا!»


لمزيد من مقالات سمير الشحات

رابط دائم: