رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

لا تهاجموا النور

قليلون مَنْ يهاجمون وينتقدون حزب النور، استنادا لأرضية صلبة متينة من الحجج والبراهين الموضوعية المخاطبة لعقل ووجدان المتلقي، والبعيدة كل البعد عن غوغائية وعشوائية الخطاب بكل ما يتضمنه من بذاءة وفحش القول. أما الأكثرية فإنها تحبذ السير فى الزفة، وتقليد ما يفعله المحيطون بها، باختصار فإن الأغلبية تقتفى أثر الموجة السائدة، ولا تعبر عن موقف أصيل يظهر اقتناعها بفحوى ما يدبج من مقالات، وتقارير، ويقدم من برامج حوارية تشبه «خناقات الديوك»، وبما أننا فى موسم الانتخابات البرلمانية فإن البضاعة الرائجة هى مهاجمة النور، اعتقادا بأن ذلك سوف يكشفه أمام الرأى العام، ويقلل فرص فوزه بنسبة لا بأس بها من مقاعد مجلس النواب الجديد.

وسواء أدركوا أو لم يدركوا، فإن هجوم الأكثرية غير الواعية يقدم خدمة ودعاية مجانية للنور سيعزز بواسطتها موقعه بين الناخبين بصورة كبيرة، لا سيما بين فئة المترددين الذين لم يحسموا بعد لمَنْ سيمنحون أصواتهم الغالية. فالحزب سوف يوظف ما يتعرض له من هجوم لتأكيد صحة نهجه ومواقفه، وأن هناك نية خبيثة لاستبعاده تماما من المشهد السياسى حتى يخلو الجو لدعاة وأنصار العلمانية الراغبين فى سن قوانين تخدم توجهاتهم الهادفة لنزع الهوية الإسلامية عن مصر، وأنه يتحتم مؤازرة مرشحيه لكى لا يغيب «الصوت الإسلامى المعتدل» عن البرلمان، ويقدر على تحجيم العلمانيين وإجهاض خططهم الشريرة.

هذا الكلام وبدون أدنى شك سيجد صداه ومفعوله القوى بين الكثيرين فى ربوع المحروسة، فالنور وغيره من ممثلى تيار الإسلام السياسى فى نظر البسطاء من المصريين يمثلون النقاء، والطهر، والصدق، والأيدى الممدودة بالخير والمساعدة لهم، لأنهم هم الأكثر حضورا وانتشارا بينهم والأقرب إليهم فى الملمات ووقت العسر، وبالتالى فإن مصداقيتهم بين الناخبين ستكون فى مستوياتها العليا.

سياسيا يهم النور، ولأبلغ حد يمكننا تخيله، تركيز وتكثيف نشاطه فى الفترة القادمة بين الفئات العادية غير المنتمية للتيار الإسلامى بفصائله وجماعاته المتباينة، فالحزب موضوع فى خانة الاتهام من جانب العديد من الجماعات الإسلامية، وأنه لم يكن نعم النصير والحليف لإخوانه من الإسلاميين، وأنه اختار الوقوف فى خندق السلطة، بحثا عن المكاسب والمغانم الدنيوية الزائفة الزائلة، هذا لا يعنى أن وشائجه وصلاته مع تلك الجماعات بلغت مرحلة القطيعة والخصام، فهناك مشاورات ومداولات للتنسيق وحشد الجموع فى اللجان الانتخابية لتمرير مرشحيه.

عن نفسى لا أميل كثيرًا لتصديق قصة الخلافات والتراشق بين النور وجماعة الإخوان الإرهابية، وأتشكك فيها وأحسبها مجرد ستار لإخفاء ما يتم ترتيبه خلف الكواليس، فالنور يعلم أن الإخوان لهم قواعدهم المؤثرة فى توجيه الناخبين، فضلا عن المتعاطفين معهم، ومن ثم فهم قادرون على إفادتهم ومعاونتهم، وعلينا أن نفهم أن التيار الإسلامى فى مجمله يعتبر أن النور هو ورقته المهمة لتمثيله برلمانيا، وأنه يخوض معركة حياة أو موت نيابة عنه.

ولا يغيب عنا أن الجزء الغاطس فى النور أضخم بمراحل من الظاهر، ولا ندرى ما يخفى فيه، وهذه الخاصية يتشارك فيها مع الإخوان بحكم أن السلفيين أمضوا وقتا طويلا فى الظل فى انتظار فرصتهم للظهور على السطح، وتحقيق حلم حياتهم فى اقامة دولة على مقاسهم ورؤيتهم الخاصة، وتعودوا وتمرسوا على الكتمان وعدم البوح بحقيقة اعتقاداتهم وتصوراتهم، وهم غير مستعدين للعودة لقمقم الانزواء والكمون، ومعركة الحسم معهم لن تكون قصيرة الأمد، ويلزمها النفس الطويل والاستعداد الجيد.

وللأمانة فإن السلفيين يتميزون عن الإخوان بقدرتهم العالية على المرونة والمناورة، فهم يختارون التوقيت الصحيح للقفز من المركب، إذا شعروا بقرب غرقه، مثلما فعلوا وقت حكم الإخوان، ويجيدون اثارة معارك صاخبة تحدث ضجيجا وجدلا يظنون أنه يصب فى مصلحتهم ويكسبهم تعاطفا وتأييدا أوسع بين الناس، والمثال الأبرز على هذا قضية «هوية مصر» هل هى إسلامية أم علمانية؟

ومن أسف أن النور يصور القضية على أن العلمانية تعد رجسًا من عمل الشيطان، وأن من يتكلم عن الطبيعة العلمانية للدولة المصرية التى ينص دستورها فى مادته الثانية على أن الإسلام هو الدين الرسمى للدولة فإن مصيره الرجم كالساحرات، وربما يصنف على أنه خارج عباءة الدين، ونستهلك طاقاتنا وأوقاتنا وتبح أصواتنا فى التمييز والشرح، وأن العلمانية ليست كفرًا، وأنه لا تعارض بين الأمرين. ويزداد الأسف ويتعمق عند متابعة الخناقات الدائرة بهذا الخصوص إذ إن تيار الإسلام السياسى يخاطبنا من منطلق فوقى باعتباره الأعلم بشئون الدين الحنيف، وأنه مبعوث العناية الإلهية لهدايتنا وإعادتنا للطريق القويم ومن واجبنا طاعته بدون نقاش واتباعه حيثما ذهب.

إجمالا فإن السطور السابقة ليست دعوة للكف عن انتقاد حزب النور وغيره من الأحزاب الدينية، لكنها مناشدة للتوقف عن الهجوم غير الواعى المفتقد للتحليل السليم المبنى على المعلومة الصحيحة، فالمستفيد الوحيد من هذه النوعية سيكون من توجه إليهم سهام النقد والهجوم العشوائي.

يتصل بهذا ضرورة بيان أن إدارة المعركة الإعلامية والسياسية مع النور وبقية الأحزاب الدينية مسئولية الدولة والمجتمع فى المقام الأول، فهى ليست مسئولية نفر من الإعلاميين والصحفيين والنخبة المثقفة، فهؤلاء عناصر مساعدة، لكن الواضح حتى الآن أنهم يقومون بالمهمة وحدهم بدون مساندة ودعم من أجهزة الدولة المعنية، والمؤسسات الدينية، فمَنْ يختار العمل السياسى عليه الالتزام بمقتضياته وشروطه وواجباته وعدم خلطه بالدين الواجب حفاظنا على قدسيته وعدم تدنيسه بمهاترات وحركات لا هدف من ورائها سوى جنى وتحصيل المنفعة السياسية والسلطة.


لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي

رابط دائم: