رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

عن الكرامة

ما سر هذا الحضور الكثيف للسيد مرتضى منصور فى حياتنا كمصريين؟ ولم يتح له الإعلام كل هذا الوقت للاستفراد بنا؟ هل اصبح الرجل رمزا أو عنوانا لحالنا؟ أم أن اللغة التى يستخدمها هى الأكثر توافقا مع اللحظة الراهنة. تحدث مرتضى عن سحر جامايكا، عندما هزم الأهلي الزمالك ، ثم انتصرالزمالك في اللقاء التالى، فصرح وهو رجل قانون بأنه وضع تشكيل الفريق بنفسه، هو إذن صانع النصر، اما الهزيمة فهى مؤامرة، الاتهامات جاهزة والتبريرات الفارغة جاهزة أيضا، ولابد من التمثيل بالخصم علنا والنيل من كرامته، أعتقد أن هذا النوع من الأداء يتم الترحيب به، لأنه ينسجم للأسف مع الخطاب العام : لا كرامة لمن يختلف معى، الاولتراس بلطجية، والشباب مضللون، والناشطون ضالعون فى مؤامرات كونية والمجتمع المدنى ممول وعميل، والسياسيون يسعون لمصالحهم فقط، والسياح المكسيكيون الذين قتلوا هم المخطئون، وشيماء الصباغ قتلها الاخوان ثم قتلها زميلها بالحزب، ثم ماتت لأنها نحيفة، ولو كانت أقوى بدنيا لتحملت طلقات الخرطوش.

فى منتصف الثمانينيات سافرت الى بغداد كمترجم، وبدا لى وقتها أننى أتجول داخل لوحة سريالية، فوجه صدام حسين كان معلقا على كل حوائط المدينة تقريبا ، وفوق السيارات وفى ساعات اليد وعلى أغلفة كل المجلات والجرائد والكتب وفوق مداخل المحال التجارية وخلف كل مكتب،حتى غرف النوم لم تسلم من وجه الرئيس المبتسم ،لم تكن صورالقائد عنوانا للمحبة والتقدير،وإنما للخوف الذى يتنفسه الجميع ، صور مجازية للرعب وقلة الحيلة، هكذا يسحق الاستبداد كرامة البشر فيطالبهم بالإعلان عن إذعانهم بحماس وفرح،فى بغداد كانت السلطة تجبر أهل المواطن الذى قتلته الأجهزة الأمنية على دفنه عاريا، وعدم إقامة عزاء ودفع ثمن الطلقات التى قتل بها ،لم يكن هناك أى مجال بالطبع للحديث عن كرامة الإنسان. لا تنتهى هذه الدراما عند حدود الإذعان،وانما تمتد الى التورط والشراكة، فالمواطن الذى تم سحق كرامته، يصبح ضحية دائمة وأداة فى الوقت نفسه لتدويرالفساد، الذى لم يعد اختيارا يفرضه البعض، وإنما آلية جهنمية تخترق المجتمع كله ويشارك الجميع في صناعتها، وهكذا يصبح المواطن البسيط رغم بؤسه شريكا فى الفساد أيضا، كما تدفعه رغبته فى النجاة من البطش، لترديد دعاية النظام والدفاع عنها ، بينما يدرك فى أعماقه أنه يصفق بحماس للنجاة بنفسه،ويطيل بذلك عمر من يذلونه.

دعتنا الناصرية من قبل لأن نرفع رءوسنا، فقد استرجعنا كرامتنا ومضت عهود الذل، ولكن من صدق الشعار، وحاول رفع صوته برأى مخالف فقد حريته والبعض فقد حياته كلها، فالكرامة كما تراها الدولة لا علاقة لها بالحقوق. الكرامة هذه الكلمة العزيزة التى رفعها المصريون فى يناير، تعنى أن المواطن صاحب حق فى الأساس، ومن حقه أن يعرف وان يشارك، هذا هو التجلى الحقيقي للكرامة، فهى اختيار للعيش داخل الحقيقة، والخروج من خيمة الأكاذيب ومن دائرة الفساد والإفساد، كتب فاكلاف هافل، وهو مثقف ومسرحي كبير قبل أن يكون رئيس جمهورية، دراسة مضيئة فى نهاية السبعينيات عنوانها «سلطة من لا سلطة له» وجوهرها أن الاستبداد لا يملك إلا الأكاذيب، وأن رغبة العيش داخل الحقيقة مصدر لسلطة ذات طابع خاص، إنها سلطة من لا سلطة لهم، انها طاقة لا تخص شرائح بعينها، لأنها تتغلغل داخل المجتمع بكامله، وحتى الذين يعيشون داخل الكذب معرضون فى لحظة ما لأن تمسهم هذه الرغبة، رغبة العيش داخل الحقيقة، وهى المقدمة للحديث عن الحياة المستقلة للمجتمع. لكن هذا لا يعني بالضرورة أن تأخذ تلك الرغبة شكلا سياسيا أو أن تصبح حركة مجتمعية، ولكن اتساعها هو فى ذاته إشارة لتحول كبير.

واقعنا المصري، شعبا ونظاما، لا يشي بمقدمات متفائلة فى هذا الاتجاه، فقد عدنا إلى منطق التفويض والترقب المريب، والشخصيات العامة فقدت طاقتها، وانصاف القامات يملآون الفضاء بلغوهم،والشتامون يحتلون الشاشات، وما لدينا من سياسيين من الهواة وأنصاف الهواة، لا رغبة ملموسة لديهم للعيش فى الحقيقة، ويفضلون مواصلة العمل بنفس الأفكار والتوافقات والتحالفات القديمة.

لن نواجه مشكلاتنا بجدية، دون تصور لهوية جديدة،هوية مبنية على المشاركة الحقيقية، وهذا يتطلب الكثير من التفكير والتفاعل بين كل العقول والكوادر المصرية المخلصة، وليس داخل كواليس الدولة وعلى مقاعد مستشاريها، كل العقول الراجحة يجب أن تتم دعوتها للإسهام الفعلى فى تشكيل دورنا وطريقنا وتحالفاتنا. مشكلاتنا كثيرة وعصية ولا يمكن مواجهتها بالمبالغات فى قدراتنا ولا بالوعود، تضييق الهوة بين ما نقوله وبين حقيقة أوضاعنا هى فرصتنا، نظاما وشعبا، ومدخل لاغنى عنه للعيش في الحقيقة، وللخروج من دائرة المواربة والإخفاء والتعتيم، وتستيف الأوراق .

ماذا نفعل ، والمسافة ما زالت تتسع بين رغبتنا فى أن نعيش داخل الحقيقة، وإصرار الدولة على إخفاء الحقائق، حق المعرفة يعنى المصارحة، ويعنىإتاحة المعلومة وأن نتخلص من اعتبار كل معلومة أو رقم لغما أو سرا خطيرا وتهديدا لأمننا القومي، الإخفاء فى النهاية مستحيل، ولا يفيد أحدا، ويتركنا فريسة للتسريبات والـتأويلات، فْإذا أخذت الدولة جنودا مصريين للحرب خارج حدودنا فلابد أن تصارح المصريين وأن تشرح الأمر لهم، وأن يتم إخبار الأهل أين ذهب الأبناء ومن أصيب منهم ومن قتل، العيش فى الحقيقة رغبة قوية، وخاصة فى عصر الوسائط والسماوات المفتوحة، وهو شرط كبير للكرامة التى نسعى لتوطينها فى بلادنا، الكرامة التى تعنى أيضا، ألا يقف المواطن مرعوبا أمام رجل الأمن، والا يستجدى المسئول لإنهاء خدمته، وأن يطمئن الى أن هناك قانونا يحميه ، ندرك أن علينا بالمثل واجبات كمواطنين ولكننا فى الأساس أصحاب حق، ولسنا مجموعة من المشكلات والاحتياجات الى تسعى الدولة لحلها بمعرفتها وحدها.


لمزيد من مقالات عادل السيوى

رابط دائم: