رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

الحرب العالمية الخامسة

ما ان وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها حتي اصبح الافق مفتوحا امام حرب ثالثة، او هذا علي الاقل ما قاله جيل النصف الاول من القرن العشرين والذي اطلق عليه ادبيا جيل ما بعد الحربين .

فهل وقعت الحرب الثالثة بالفعل ام ان هذا الكوكب علي موعد معها ؟ رغم ان المسافة الزمنية بيننا وبين الحرب الثانية تقارب ضعف المسافة بين الحربين العالميتين الاولي والثانية !

الباب اذن مفتوح علي مصراعيه للاجتهادات والتأويلات معا، فثمة من يرون ان الحرب الثالثة وقعت وكانت لها رغم برودتها غنائمها وخسائرها ككل الحروب، انها الحرب الباردة التي انتهت لصالح قطب واحد .

وهناك من يرون ان الصراع الإثني الذي شمل خطوط الطول والعرض لتضاريس العالم السياسية هو الحرب الرابعة التي وقعت بالفعل لكن بالتقسيط ولم تضع آخر اوزارها بعد ...

وما يدور الان من سجال عن حروب الجيل الرابع والخامس، قد يجد من يُصنّفه في هذا السياق .

ويبدو ان الحروب سواء كانت موضعية او كونية لا تنتهي عندما تتوقف النيران او تعلن الهدنة، لأن لها ظلالا واصداء تمتد ما بعد ذلك، وهذا ما حدث بالفعل في حروب النصف الاول من القرن الماضي .

وهل يتطلب الأمر اعادة تعريف الحرب واعادة تعريف العالمي اوالكوني كي يصبح إطلاق الصفات دقيقا ؟ ام ان للتاريخ بُعدا مجازيا ورمزيا يتيح لنا ان نقرأه من زوايا مختلفة بل مُتناقضة احيانا ؟

ومن ظلال الحروب الفوبيات التي تفرزها وترسخها في الذاكرة خصوصا لدي هؤلاء الذين عانوا ويلات الحرب ولم يسمعوا او يقرأوا عنها فقط .

من هنا تبدو التصريحات الساخنة الآن سواء جاءت من البيت الابيض او الكرملين او اي مصدر سياسي فاعل علي الصعيد الدولي كما لو انها قرائن تستدعي ذكريات بعيدة نسبيا، وتوقظ الفوبيا خصوصا ما يتعلق بالحرب الباردة . لكن التاريخ ليس تجريديا الي الحدّ الذي يتيح للبعض ان يحولوه الي نوستالجيا وهو لا يتكرر كما يقال الا في احدي صورتين هما التراجيديا والكوميديا او المأساة والملهاة، واذا كان التاريخ ليس طيّعا بحيث يصبح مجرد نوستالجيا فهو ايضا ليس مشجبا لأحلام ورغائب فات أوانها !

ان تحقيب الحروب الي اولي وثانية وعاشرة يغفل الحقيقة التي اعلنها ويل ديورانت حين قال ان التاريخ كله حرب متصلة ! وان حاصل جمع الهُدَن فيه اقصر من حرب السبعين سنة في اوروبا، فالهدنة او فترة السلم هي مجرد استراحة محارب، واعادة لشحذ الأسلحة وكنس ساحات المعارك وتعميق الخنادق .

ان ما تطور في تاريخ الحروب هو فقط ادواتها وهي اسلحتها وما يصاحب تكنولوجيا الموت من تقنيات وتحديث لكن دوافع الحروب ونتائجها لم تتبدل، سواء كانت تعبيرا عن فائض القوة والتمدد بحثا عن مجالات حيوية او من النمط الدفاعي لهذا يقال ان التضاريس السياسية لهذا الكوكب رسمت بروث احصنة الغزاة قبل ان ترسم بجنازير الدبابات وربما كان هذا ما دفع هركابي الي تعريف الحدود بأنها اللحظة التي يتوقف عندها المحارب او يلقي سلاحه ليستريح .

اما تحقيب الحروب الي ارقام فذلك من باب الضرورات الإجرائية لتسهيل قراءة التاريخ، تماما كما هو تحقيب تقاويم الزمن الي ايام واعوام وساعات ودقائق، رغم انه يجري كالنهر بلا انقطاع ولا يمكن لأحد ان يعبره مرتين كما قال هيراقليطس .

فاذا صح ان الحرب الباردة كانت الحرب الكونية الثالثة لكن بأسلحة اخري وبلا بارود فإن ما يبرر هذه الاطروحة هو نتائج تلك الحرب من هزائم وانتصارات وتمدد وانحسارات، فما كان للعولمة كمرادف دقيق للامركة ان تسود وتفرز ثقافتها وأدبياتها لولا انسحاب احد القطبين المتصارعين من الحلبة، فقد وفرت الحرب الباردة هوامش اشبه بما يسميه دانتي في الكوميديا الالهية منطقة اللمبو وهي الفاصل بين الجحيم والفردوس، لكن الكوميديا الارضية بخلاف ذلك، فاللمبو او الفاصل فيها يكون بين ايديولوجيتين وليس بين الجنة والنار، وحسب الحرب الباردة فإن الهامش كان بين الرأسمالية والشيوعية، او بمعني ادق واشمل الماركسية، لهذا كانت هناك تسعيرة سياسية للعديد من دول العالم الثالث فقدتها بعد نهاية تلك الحرب، لأنها فقدت القدرة علي المناورة او الانجذاب حسب الحاجة الي هذا القطب او ذاك .

واذا صح ان انفجار المكبوت الاثني وصراع الهويات كان البديل الموضعي او المتقطع لحرب عالمية رابعة، فهذه الحرب لم تضع اوزارها بعد وان كان وقودها هذه المرة ومعظم ضحاياها من ابرياء لم يشاركوا في معاركها، والحروب سواء كانت عالمية او موضعية لا تقاس فقط بعدد ضحاياها لأن ذلك لو كان صحيحا يدفعنا الي اعادة النظر في تسمية الحرب الأهلية في راوندا التي سقط فيها اكثر من مليون انسان او في صراعات العرب الطائفية التي سقط فيها حتي الان اكثر من مائة ضعف ممن سقطوا في الحروب مع اسرائيل خلال ستة عقود ومثل هذا يمكن ان يقال عن البوسنة وغيرها .

ان للحروب ضحايا لا تحصيها الحواسيب مهما بلغت من الذكاء وهي خسائر غير منظورة تطول منظومة قيم واشواقا انسانية تمّ احراف سهم بوصلتها اضافة الي تعميق الكراهية وبث ثقافتها .

وفقا لما اوردناه عن تحقيب اولي واجرائي للحروب الكونية فإن الحرب العالمية الخامسة تفوح رائحتها عن بعد ولا نعرف حتي الآن اسلحتها، فقد تكون نووية او اقل من ذلك، لكن ما ندركه الان بلا تردد هو ان هذا الكوكب اصيب باختلال حسب تعبير امين معلوف، وهذا الاختلال هو من نتائج احتلال مورس تحت ذرائع ملفّقة منها حقوق الانسان والديمقراطية مما برر حذف مصطلح سيادة الدولة من معاجم العولمة السياسية، وما حدث بالفعل هو تحقيق نبوءة اورويل، حيث اصبح السلم يعني الحرب والحب يعني الكراهية، والديموقراطية تعني تفكيك الدول وحل الجيوش الوطنية وخاتمة المطاف في هذا السياق المضاد للتاريخ وهي ليست مسكا علي الاطلاق هي الاحتلال بهدف التحرير وابادة البشر من اجل انقاذهم، كما حدث ذات حرب في فيتنام حين سأل جندي ضابطا عن سبب إبادته لقرية برمّتها فأجابه من اجل انقاذ اهلها، واصبح ذلك الجندي بعد ذلك في عداد العائدين من فيتنام الي امريكا ليقضي ما تبقي له من عمر في مستشفي للامراض العقلية .


لمزيد من مقالات خيرى منصور

رابط دائم: