لكن ـ وليس هذا تبريرا أو دفاعا عن المملكة العربية السعودية ـ ولكنه إقرار بأن الحوادث من فعل البشر أو الطبيعة واردة فى كل زمان ومكان... فقط ولكننا فى الوقت نفسه لا ننسى أن نقول إن الأخذ بكل الاحتياطات الواجبة فى مثل هذه التجمعات التى ليس لها مثيل فى العالم فى أى مكان هو أمر واجب وهو ما لا تتأخر السعودية عن فعله أبدا.. بل حسنا فعل جلالة الملك سلمان عندما أمر بالتحقيق فربما تكشف التحقيقات والكاميرات ماخفى من أسباب التدافع سواء كان سوء التنظيم أو مايقال عن جماعات من الحجاج تسببت فى ذلك, ولا أريد أن أتطرق إلى ما يشاع من أنه ربما تكون هناك أياد خفية فى حادث منى فذلك فى علم الغيب والله به أعلم.
إن وجود نحو ثلاثة ملايين شخص فى مكان واحد وتوقيت واحد هى مهمة تنوء بحملها أعتى الدول وأكبرها وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية أو غيرها من دول العالم الكبرى الأوروبية المتقدمة.. ومع هذا تظل السعودية تحمل مهمة خدمة ضيوف الرحمن بكل قوة وجدية وتؤدى واجبها فى هذا الإطار بما يمليه عليها اعترافها بفضل الله عليهم أن وجدت الأماكن المقدسة على أرض السعودية.
فلا أحد يمكنه أن ينكر جهود المملكة فى تنظيم موسم الحج وخدمة ضيوف الرحمن سنويا.. ومن ينكر ذلك فهو جاحد.. كما أشار الى ذلك الدكتور أحمدالطيب شيخ الأزهر.. إن ملك السعودية الملك سلمان «خادم الحرمين الشريفين» وكل الملوك قبله لا يتأخرون أبدا فى إنفاق ملايين أو مليارات الريالات السعودية لخدمة وتوسعة الأماكن المقدسة فى الحرم المكى ومنطقة المشاعر المقدسة.. لكن تظل الأعداد التى تفد فى موسم الحج أكبر من طاقة أى دولة فى العالم.. ومع هذا تمر مواسم الحج كل عام دون حوادث مماثلة لما شهدناه هذا العام.. ومن هنا نقول إن محاولة بعض الدول استغلال حوادث الحج هذا العام ووضعها فى إطار سياسى أو انتقامى هى محاولات مرفوضة ولا يخفى على أحد أهدافها السياسية خاصة من إيران.. ولعل ذلك كان واضحا فى كلمة الرئيس الإيرانى على منصة الأمم المتحدة أمس الأول.. فالإساءة للسعودية فى تنظيم الحج كمدخل لضربها سياسيا فى المنطقة أسوة بما هو حادث فى كل دول المنطقة هى إساءة وعدم تقدير لجهود المملكة والمليارات التى تنفق سنويا على خدمة وتوسعة الحرم المكى ومنطقة المشاعر المقدسة وحتى المدينة المنورة.. وكلها مشروعات لخدمة ضيوف الرحمن لا تتأخر عن تنفيذها المملكة.. ومازالت الأعمال والمشروعات مستمرة حتى اليوم وكل ذلك لمقابلة زيادة أعداد حجاج بيت الله الحرام من كل بقاع الأرض.. بعد أن وصل عدد المسلمين فى العالم إلى أكثر من 1٫5 مليار مسلم وبالتالى تزيد أعداد الحجاج سنويا من كل دولة طبقا للنسب المتعارف عليها التى تحدد أعداد الحجاج من كل دولة.
إن نظرة على مشروع التوسعة الحالى فى المسجد الحرام تشير إلى الحجم المذهل من المشروعات التى ترفع طاقته الاستيعابية إلى مليون و200 ألف مصل وذلك تطلب إزالة عقارات تكلفت 40 مليار ريال وشبكة طرق فى المنطقة المحيطة وكذلك زيادة وتوسعة المسعى بين الصفا والمروة وبناء 3 أدوار جديدة وزيادة طاقة المطاف من 50 ألفا إلى 130 ألفا فى الساعة وتطوير منطقة زمزم ومشروعات أخرى مذهلة فى الحرم النبوى الشريف وقطار المشاعر الذى ينقل نصف مليون حاج من عرفات إلى المزدلفة فى 6 ساعات ليغنى عن 30 ألف حافلة وكذلك جسر الجمرات الذى تكلف ما يقرب من 5 مليارات ريال ويتكون من 5 طوابق.. وهناك المشروع الكبير وهو القطار الجديد الذى سيربط بين مكة والمدينة المنورة بتكلفة 42 مليار ريال ويعتبر أحد أكبر مشروعات السكك الحديدية السريعة فى العالم بطول 450 كيلو مترا وسينتهى العمل فيه ويكون جاهزا للتشغيل فى نهاية 2016 وسيكون قادرا على نقل 20 مليون راكب سنويا وهذا فضلا عن توسعات المطارات فى المملكة.
ولذلك نحن نقول إن كل هذه المشروعات وغيرها لخدمة الحرمين الشريفين ومن ينكرها ففى قلبه مرض أو فى عقله هوى أو هوس.. وليس معنى وقوع حوادث هذا العام أن يقلل البعض وتحديدا بعض الدول من هذه الجهود التى تبذلها السعودية بكل أمانة لخدمة ضيوف الرحمن..لكن الذى نحن بصدد الحديث عنه اليوم خروجا بدروس وعبر من هذه الأزمة هو مجموعة من الاقتراحات نطرحها على المسئولين فى المملكة العربية السعودية فى محاولة لمنع تكرار مثل هذه الحوادث مرة أخري..
وعندما نقول اقتراحات فبداية علينا أن ندرك أن أساس الأزمة هو زيادة أعداد المسلمين فى العالم وبالتالى زيادة أعداد الحجاج سنويا.. ومع زيادة الخدمات والتوسعات إلا أن منطقة المشاعر والحرم المكى تظل محاطة بالجبال والتوسعات فيها فى غاية الصعوبة.. ولذلك نقترح أن تتعاون الدول الإسلامية فى دراسة عدم زيادة أعداد الحجاج سنويا حتى تنتهى المشروعات بل وضرورة تخفيض الأعداد من كل الدول إن أمكن ذلك ووضع قواعد وضوابط صارمة بعدم السماح لأى حاج بأداء الفريضة إلا كل 10 سنوات على الأقل أو الاتفاق على عدد معين من السنوات بحيث يتم تقليل الأعداد ومساعدة السعودية على تقديم الخدمات بشكل أفضل.
إننا لا نرى مانعا أبدا فى أن دولة يسافر منها للحج سنويا 100 ألف حاج مثلا أن يتم تخفيضهم إلى النصف تقريبا لحين انتهاء أعمال التوسعة على الأقل.. إن تخفيض الأعداد سيضمن بكل تأكيد خدمات أفضل وهو ما يتطلع إليه كل الحجاج.
وقبل ذلك كله نرى أن على علماء المسلمين دراسة تمديد زمن رمى الجمرات للحد من التدافع والزحام فى رمى الجمرات التى تتكرر فيها الحوادث المؤلمة .. فهل من الصعب حدوث ذلك؟ أعتقد أن المنطق والعقل يقول إن على الدول الإسلامية كلها أن تساعد المملكة فى ذلك حفاظا على أرواح المسلمين.
مرة أخيرة هذه اجتهادات واقتراحات لا تقلل أبدا مما تقوم به المملكة.. التى لا ينكر جهودها فى خدمة حجاج بيت الله الحرام إلا كل جاحد أو غير منصف لا يقول الحقيقة.