رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

أيها الفيس.. أنت عمرى!

لو أنك كنت من مستخدمى الفيس بوك (وهل منّا حتى الآن من لا يستخدمه؟).. ثم تمعنت قليلا فى تأثيره على العقول والقلوب والمدركات..

لاكتشفت حتما أنك أمام دنيا جديدة سبحان العلام؛ دنيا تختلف عن العالم الذى عشناه لمئات السنين. ولعلك حينئذ سائل نفسك سؤالا يحيرها: أيهما يا ترى الحقيقي، وأيهما الزائف فى كلا العالمين؟ إن ما تسمعه وتراه وتقرأه على الفيس غير ذلك الذى تسمع وترى وتقرأ فى الميديا التقليدية المعتادة؛ سواء الحكومى منها أو الخاص.. فما وجه الاختلاف؟

إن الداخلين على عالم الفيس بوك العجيب هم من كل الأعمار، ومن كل الطبقات، ابتداء من أولئك المثقفين ثقافة رفيعة.. وانتهاء بالذين- يادوب- يفكون الخط. وإذن تستطيع سيادتك الإقرار- وبكل ارتياح ضمير- بأن الفيس أضحى صوت الناس، بينما تنحسر الأضواء عن الميديا التقليدية، التى لطالما احتكرت ألباب الجماهير، وانفردت وحدها بدلق المعلومات فى أرواحنا فى الماضي.

ولسوف يترتب على هذه الظاهرة فى المستقبل نتيجة فى منتهى الخطورة؛ ألا وهى اغتراب الميديا التقليدية الشائعة عن جموع الناس، ومن ثم يفقد الإعلام( بمعناه المعروف) دوره وتأثيره. وهنا سينفجر سؤال عفوي: أيهما إذن الافتراضي.. وأيهما الحقيقي؟ لقد تربينا حتى وقت قريب على تسمية الأنشطة الذهنية على الكمبيوتر بالعالم الافتراضي.. فهل انعكست الآية الآن، فصار الافتراضى هو الحقيقة.. والحقيقى هو المفترض؟

والسؤال بدوره سوف يلد سؤالا آخر: هل كنا طوال الزمن الماضى نعيش- أصلا أصلا- عالما افتراضيا وهميا مغشوشا مكذوبا فأتى الفيس بوك ليصلح المعادلة، ويقلبها ليعدلها، لتمشى على قدميها بعد أن كانت تسير على رأسها؟ تعالوا نأخذ مثالا أو مثالين:

أولهما؛ حكاية مريم صاحبة الصفر الشهير فى الثانوية العامة. لقد أثبتت الحكومة والنيابة والطب الشرعى أن ورق إجابات البنت لم يحدث تبديله أو المساس به، وبالتالى فمريم تستحق أصفارها الستة.. فماذا كان رد فعل الفيسبوكيين؟ إن الغالبية على الفيس حتى الآن لا تصدق.. وإن شئت فاقرأ تعليقاتهم . فأيهما- فى عرف الناس- الحقيقى وأيهما المزيف؛ الحكومة أم ناس الفيس بوك؟

أما المثال الثاني؛ فهو المباراة الأخيرة بين الأهلى والزمالك. إن الذى تردده الميديا التقليدية- والتى ماانفكت تردده على مسامعنا لعشرات السنين- أن الموضوع عادى جدا، لأنها مجرد كورة، وآهى مباراة وتعدّي.. ويا عم بلا أهلى بلا زمالك خلينا فى اللى احنا فيه بلا نيلة. غير أن الحدوتة ليست كذلك أبدا على الفيس. إن ثمة معركة حقيقية وإن لم تسل فيها- ولله الحمد- الدماء. إن فرحة الزملكاوية على الفيس تكاد تشبه فرحتهم بانتصارنا فى 73 بينما حزن الأهلاوية يكاد يبلغ حزنهم على ما جرى فى 67 ! ( وطبعا لن نتحدث عما حدث بعد ذلك إثر هزيمة كلا القطبين فى إفريقيا؛ سواء من أورلاندو.. أو من النجم الساحلي.. فلهذا حديث آخر!)

يعني.. تريد أن تقول إن الفيس بوك أصبح مهمّا جدا فى حياتنا؟ لا يا سيدي.. ليس مهمّا فحسب.. بل إن الفيس هو الحياة الحقيقية.. وما دونه هو افتراضي. لقد بتنا جميعا نعيش حياتنا على الفيس؛ حياتنا التى نريد ونرغب.. وليست تلك الحياة التى يريدها لنا الآخرون. إن لسان حال الكثيرين منا يكاد يغنى للفيس: أنت عمري!

.. إن من تتشاجر مع زوجها الآن تجرى لتجد نفسها على الفيس بوك( طبعا ما لم تجد أكياس البلاستيك والعياذ بالله!).. والذى منّا يرغب فى فشّ غله من رئيس فى العمل ظلمه يسارع إلى الفيس وهات يا ردح.. بل وحتى المكبوتين عاطفيا وجسديا أصبحوا الآن يبحثون عن ضالتهم فى أروقة الفيس بوك وسراديبه المظلمة. ثم هل أحدثك عن الأطفال- الصبيان منهم والبنات- الذين عكش كل منهم موبايله، فضمه إلى صدره فى حب، وانعزل به عن أمه وأبيه، وأخته وأخيه، وبيته الذى يؤويه، وغرق فى فقاقيع الفيس المدوّخة المسكرة؟

طيب.. وما رأيكم فى أن الميديا التقليدية نفسها أصبحت تتنكب خطى الفيس بوك، فتقلده.. وتحذو حذوه.. وتسير على دربه؟ لا تصدق.. فقل لى إذن: أليس نصف برامج التووك شو مأخوذا من الفيديوهات المتداولة على الفيس؟

خلاصة القول إن الفيس بوك صار هو الحياة.. ولا حياة لنا بدونك يا فيس.. ويخطئ من يظن أن الفسبكة هى مجرد دردشة فارغة والسلام. أعيدوا قراءة ظاهرة الفيس بروية لتعرفوا إلى أين تتجه الريح.


لمزيد من مقالات سمير الشحات

رابط دائم: