رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

انتخابات ونواب ومجلس «جديد»

الانتخابات على الأبواب. سوف يختار الشعب 568 من بين 5955 مرشحا ليصبحوا نواب مصر. هذا المجلس تتنافس عليه جماعات متعددة: منها الإخوان ومازال يراودهم أمل يجمعون فلولهم خلف قوى أخري،

 والسلفيون الذين ليسوا أقل خطورة لكنهم أكثر دهاء ودبلوماسية ، وهناك بقايا الأنظمة السابقة من أعداء ثورة 52، ثم الناصرية، والساداتية، والمباركية، والحزب الوطني... كلها تتصارع معا بأسلوب مشين مخز. لا تتصدى للخصم الحقيقى بل تمهد له الطريق بخلافاتها. وهناك «القوى المدنية» أو الأحزاب الهزيلة، سواء التى قامت قبل الثورات أو بعدها، وكلها ليس لها فى الشارع المصرى إلا وجود محدود. بالإضافة لرجال الأعمال بما لديهم من مال ونفوذ إعلامي، يهرعون للسلطة من أجل مصالحهم التى يتصورون أنها مصلحة مصر. هذا بالإضافة إلى قطاعات الشباب والمرأة والأقليات بأنواعها، وهى مبعثرة حائرة تائهة تريد ما فى صالح مصر لكنها لا ترى السبيل الحقيقى لتحقيقه.

انتخابات ظروفها غير مسبوقة تأتى بمجلس له سماته الخاصة، كما أنها تثير اعتبارات معينة.. ظروف وسمات واعتبارات تستحق الاهتمام نشير إلى بعضها:

من أهم سمات انتخابات اليوم أن الأولويات مختلفة، فالمهم ليس من يدخل المجلس إنما من لا يدخل المجلس، والتضامن والتخطيط، للتأكد من استبعاد المتربصين بمصر والحالمين بالعودة فى أى صورة، مما يعنى حتمية تأجيل المصالح الحزبية والشخصية، ومعرفة من هو العدو الحقيقى والتفكير فى مصلحة مصر فقط لو كان هذا هو الهدف لما انشقت الأحزاب على بعضها مما يؤدى إلى تفتيت الأصوات وجعل الطريق ممهدا أمام خصوم مصر.

ينتخب هذا المجلس ويمارس اختصاصاته فى ظل نظام مختلط لم نجربه بعد. نظام اقترحه الدستور ووافق عليه الشعب. يعطى البرلمان اختصاصات كانت للرئيس بعد أن عشنا طويلا دولة مركزية، الرئيس فيها كل شيء. ولا يجوز أن تعتبر هذه المشاركة انتقاصا من مكانة الرئيس السيسى الذى جاء به الشعب ونحبه ونقدره ونحترمه، لكنه إرساء لقواعد وأصول للمستقبل مطلوبة لدعم تجربة الديمقراطية الوليدة التى مازالت تحبو. استخدامها لعرقلة مشروعات الرئيس تتطلب أغلبية خاصة، كما أن هناك وسائل لدعم اختصاصات الرئيس فى الأزمات.

ينعقد المجلس بعد مرور مدة طويلة بلا برلمان، صدر خلالها رصيد هائل من قرارات بقوانين، على المجلس دراستها لتعديلها أو الموافقة عليها كلها مطلوبة وأغلبها أثار جدلا ، من المتوقع أن «ترهق» البرلمان الجديد.

هذا المجلس له صلاحيات سوف تحدد مصير مصر، يسهم ليس فقط فى التشريع ووضع الخطط بأنواعها والرقابة، بل فى تشكيل الحكومة واختيار رئيسها والمشاركة فيما كان من اختصاص رئيس الدولة. مسئولية هائلة لابد أن يقوم بها من هو أهل لها، قادر عليها من هم غير ذلك، يسببون الخسارة للفريق كله..وللوطن.

بعد أن زادت توقعات الشعب وتضاعفت مشكلات الوطن، فإن هذا المجلس سوف يواجه مسئوليات ضخمة غير مسبوقة تشريعيا وتنفيذيا وإداريا، وعليه سن عدد هائل من القوانين ومواجهة كثير من المشكلات، قوانين نص عليها الدستور وأخرى يفرضها الواقع تتعلق بحقوق الأفراد والمساواة والحرية والعدالة الاجتماعية ومنها إلغاء عقوبة الحبس فى قضايا النشر ولعل أهمها القضاء على الفساد بأشكاله والحد من الفقر والبطالة وقوانين الضريبة التصاعدية، والتأمين الصحى ومستوى الخدمات، وتجريم التمييز بأشكاله، وتوفير تكافؤ الفرص، وقانون الجمعيات، والحريات الدينية، وتطوير التعليم...القائمة طويلة.

وبذلك فإن الشعب أكثر من أى وقت سابق لابد أن يدرك دوره ويختار من تتوافر له القدرة السياسية والتشريعية، والتواصل مع الجماهير لتوضيح الحقائق والتعريف بالسياسات والقوانين وبدور الشعب فى نجاحها..

تقول المؤشرات إن تركيبة هذا المجلس سوف تكون بمثابة «موزاييك» أى التعددية التى تصل إلى التفتت، بمعنى أنه لن تكون هناك كتلة واضحة للمعارضة ومجموعة أخرى تساند الحكومة تراقبها وتوجهها وتعاونها فى أداء مسئولياتها.والمعارضة تتشكل عادة من أحزاب أو تكتلات، وهو ما يبدو أن البرلمان المقبل سوف يفتقده، ولا يدعو هذا إلى القلق، فمن المرجح أن تكون الأغلبية من المستقلين، ومن المرجح أن هؤلاء سوف يكونون الظهير البرلمانى للرئيس ويظل الشعب ظهره الشعبى ولبرنامجه الذى يسعى لتوطيد المساواة والعدالة الاجتماعية والحد من البطالة والفساد...إلخ .

هذه الانتخابات ـ أكثر من غيرها ـ يراقبها العالم، وسوف يحاول كثيرون تصيّد أخطاء وارد أن تقع ـ كما يحدث فى كل مكان ـ لكن هناك من يتربصون بمصر لتضخيم السلبيات وتجاهل الإيجابيات، مما يقتضى ضرورة التزام الحكومة بإصرارها على نزاهة العملية الانتخابية وإلتزام الشعب بمسئولية المشاركة.

هناك أيضاً تطورات حدثت للناخب بعد ثورتين كسرتا حاجز الخوف وأعادتا ثقته بحقوقه وكرامته، فأصبح يمارس حرية التعبير والنقد بصورة غير مسبوقة (وأحيانا فيها مزايدة واندفاع)، لم يعد صوته سلعة مالية فقط بل قوة سياسية، أقبل على المشاركة فى التصويت إيمانا بإمكان تأثير صوته على النتيجة التى كانت لسنوات وعقود معروفة سلفا تتدخل فيها أجهزة واعتبارات لا تتعلق بإرادته.

العلاقة البرلمانية أطرافها ثلاثة: الناخب والمنتخب والحكومة. الشعب يختار النائب الذى يضع التشريع الذى تنفذه الحكومة. يظل الشعب صاحب السلطة يراقب. ولا يجوز تعامل النواب مع الوزراء والقيادات الإدارية من منطلق «طالب الخدمة» بل «ممارس الرقابة».

وأذكر هنا مشهدا كان يؤلمنى كثيرا أرجو ألا يتكرر هو هرولة الأعضاء للوقوف أمام الوزراء قبل بداية الجلسة يقدمون لهم طلبات ومشكلات الأقارب والأصدقاء. تقدمت وقتها باقتراح لرئيس المجلس المهندس سيد مرعى بمنع هذه الظاهرة وقام بالفعل بتوفير حجرات أنيقة يلتقى فيها النواب مع الوزراء بالتناوب لعرض هذه المشكلات والطلبات، فى كرامة تليق بالمجلس وندية تفرضها المسئولية.

يبقى أن نتناول اعتبارات مطلوب الإشارة إليها أو التحذير منها، والقيام بجولة فى سجل الأحزاب المصرية والحياة البرلمانية وظاهرة «معارضة المحظورة». ولذلك الحديث المقبل.


لمزيد من مقالات د. ليلى تكلا

رابط دائم: