رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

دبلوماســــى محتــــــرم غادرنــــــا

فوجئت مساء الأول من فبراير 2012 بسفير تونس فى القاهرة محمود الخميرى «والذى انهى عمله وعاد الى بلاده قبل أيام» يحضر الى نقابة الصحفيين ويشارك فى ندوة عن كتابى نظرتان على تونس ـ. ولقد سألت حينها النورى عبيد ناشر الطبعة التونسية من الكتاب ورئيس اتحاد الناشريين التونسيين الذى كان ضيفا على الندوة هل هو الذى وجه الدعوة الى السفير الخميرى فنفى. وعلمت بعدها ان هذا الدبلوماسى الذى كان قد تسلم مهام منصبه قبل نحو ثلاثة أشهر فقط ـ طالع خبرا صغيرا عن الندوة بجريدة «الجمهورية» فقرر الحضور من دون انتظار دعوة او ترتيبات تليق بمقام سفير.

ولقد قدرت للرجل هذا الحضور. لكن هذا لم يمنعنى من قول صريح خلال انعقاد الندوة عن صحفيى السفارات والعلاقة المريضة غير المحترمة التى خلفها نظام الدكتاتور بن على مع الصحافة والصحفيين فى بلادي. ولم يكن ما أقوله فى حضور سفير تونس من وحى خاطر ألح فجأة. بل يتأسس على دراسة موثقة لتدهور حال معالجات الشئون العربية فى صحافتنا. ولا يتوقف الأمر عند غياب التحليل الموضوعى والمعلومة النزيهة الدقيقة. بل وفى تأثير علاقات غير مهنية بين الصحفيين والسفراء وغيرهم من ممثلى الحكومات على هذه المعالجات. وقد نشرت هذه الدراسة تحت عنوان ـ كى لا نجرؤ على الكلام «فى كتاب» حرية على الهامش: فى نقد أحوال الصحافة المصرية ـ التى صدرت طبعته الأولى عام 2004. وأوضحت فيها أثر العطايا السخية والارتهان للتوجهات الرسمية على حقوق القراء والحقيقة . ثم عدت للكتابة عن نموذج علاقة نظام بن على مع الصحافة المصرية عند اندلاع ثورة الياسمين فى مقال مطول موثق نشره موقع ـ البديل ـ الإلكترونى فى 13 يناير 2011.

وأزعم اننى سعيت لبناء علاقة مختلفة مع السفير الخميرى منذ هذه الندوة والى أن غادرنا. والمشكلة أن العلاقة بين الدبلوماسى والصحفى فى عالمنا العربى من كثرة ما أساء اليها صحفيو السفارات وسلطات لاترى فى الإعلاميين إلا ابواق دعاية اصبحت مثار حساسيات ومظان. ويحضرنى هنا أنه مع أول مهمة توفدنى بها «الأهرام» الى تونس لتغطية انتخابات أكتوبر 2011 سألنى الزميل الأستاذ لبيب السباعى وكان رئيسا لمجلس ادارة المؤسسة عن الدعوة القادمة من هذا البلد بتكفل تذاكر السفر والاقامة . فأجبته كتابة بأن بلدا على طريق الديمقراطية لا ينفق على تغطية انتخاباته وصحافة تحترم مهنيتها لا تقبل بانفاق المصادر عليها . وقد تفهم يرحمه الله هذا المنطق المفترض ان تسير عليه الأمور عند العرب بعد الثورات على الانظمة الدكتاتورية الفاسدة. وأشهد ان السفير الخميرى كان بدوره متفهما لقناعاتى التى جاهرت بها فى ندوة 2012. وعلى قدر ما سافرت الى تونس فى العام الماضى لتغطية الانتخابات البرلمانية والرئاسية فاننى لم اتلق مطلقا أى دعوة. وربما احرجنى الرجل عندما كان يصمم ان يمنح مهامى تلك تأشيرة (فيزا) مجانية. هذا مع اننى ألح على دفع الرسوم كل مرة . لكن من جانبى تكفلت من مالى الخاص بالانفاق على مهمتين الى تونس تذاكر واقامة. ولم أبلغه يوما بهذا. ولأننى كنت ومازلت مقتنعا بأننى أعمل أولا لدى قراء أحترمهم.

واشهد لهذا الدبلوماسى المحترم انه لم يناقشنى يوما فيما أكتب عن تونس. واظنه كان يختلف مع العديد مما كتبت. ومن ناحيتى جنبت الرجل شبهة اى انحياز بين القوى السياسية المتنافسة داخل بلاده. ومثلا لم اطلب منه العون لترتيب لقاء صحفى مع الباجى قائد السبسى وقتما كان مرشحا للرئاسة، عندما تعثر اجراؤه وكاد يصبح مستحيلا.

واستطيع الآن ـ وقد تحللت من حرج الحديث عن شخص مسئول مازال فى منصبه ـ ان أذكر للسفير الخميرى دوره المقدر فى نقل العمالة المصرية العائدة من ليبيا عبر بلاده صيف 2014. وهذا أداء رفيع فى زمن صعب لن ينساه المصريون البسطاء. وعلى ضوء ما رواه لى عن ماضيه أفسر هذا الإخلاص فى المهمة بما خط بذاكرته عن السيول التى ضربت بلدته بولاية جندوبة عام 1969، وقد عاينها من فوق سطح منزل أسرته المتواضع الآخذ فى الغرق وعمره 13 عاما. ولعل هذه الحادثة تركت عنده أثرا كبيرا فيما وقفت الدولة التونسية حينها شبه عاجزة عن مواجهة هذه الكارثة .كما يمكننى ان افسر استعداده لبناء علاقة مختلفة بين دبلوماسى وصحفى بأن الخميرى بالأصل زميل دراسة ومهنة. فهو خريج معهد الصحافة وعلوم الأخبار بتونس وعمل بجريدة «لوتان» ببلاده.وأيضا من تلامذة رجال الدبلوماسية العظام زمن بورقيبة، ومن بينهم المنجى سليم أول رئيس للجمعية العامة للامم المتحدة من العرب والأفارقة.

بالطبع اختلف مع السفير الخميرى فى أمور عدة. ولا تتطابق قناعاتنا تماما ازاء الثورة. فهو رجل دولة أولا وأخيرا. أما أنا فقد دخلت الى كل هذا الاهتمام بتونس من باب الثورة ومشكلات التحول الى الديمقراطية. لكننى احترم هذا الدبلوماسى وأقدره. واتمنى له التوفيق فى مهامه الجديدة بوزارة الخارجية بتونس.

[email protected]
لمزيد من مقالات كارم يحيى

رابط دائم: