رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

خطوط لم تعد حمراء فى سياسة واشنطن!

تحولت كثير من الخطوط الحمراء التى سبق أن حكمت السياسة الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط وضبطت تفاعلات واشنطن مع التطورات الإقليمية المختلفة إلى ألوان أخرى. فرغم أن ثمة ثوابت عديدة لا تستطيع الأخيرة التسامح مع أية تهديدات قد تواجهها، على غرار أمن إسرائيل وتأمين إمدادات النفط، إلا أن ذلك لا ينفى أنها بدأت فى إجراء تغييرات بارزة فى سياستها إزاء بعض قضايا المنطقة، بشكل يوحى بأنها أسقطت كثيرا من تلك الخطوط.

فعلى سبيل المثال، تراجعت إدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما، فى سبتمبر 2013، عن توجيه ضربة عسكرية لنظام الرئيس السورى بشار الأسد، بعد اتهامه باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين فى أغسطس من العام نفسه.

وهنا، فإن هذا التراجع، الذى فرض تداعيات لا تبدو هينة على العلاقات بين واشنطن وحلفائها الإقليميين، لم يحدث نتيجة ثبوت زيف هذا الاتهام مثلا، وإنما بسبب تقدم روسيا بمبادرة أدت فى النهاية إلى التخلص من ترسانة سوريا من تلك النوعية من الأسلحة. كما لم تعد واشنطن مصرة على ضرورة رحيل الأسد قبل الوصول إلى تسوية، حيث اعتبرت أنه «يجب أنه يرحل لكن ليس بالضرورة على الفور»، ما يشير إلى تغير ملحوظ فى سياستها إزاء تلك الأزمة تحديدا.

فضلا عن ذلك، تغاضت الإدارة الديمقراطية عن خط أحمر آخر لا يقل أهمية ويتمثل فى «عدم التفاوض مع الإرهابيين»، حيث أبرمت صفقة مع حركة «طالبان» الأفغانية، فى بداية يونيو 2014، قضت بالإفراج عن الأسير الأمريكى لدى الحركة بو بيرجدال مقابل إطلاق سراح خمسة من كوادرها فى معتقل جوانتانامو ونقلهم إلى قطر.

واللافت هنا أن تلك الصفقة، التى سبق أن رفضتها الإدارة فى فبراير من العام نفسه بحجة أن «أمريكا لا تتفاوض مع إرهابيين»، أثارت جدلا واسعا، بعد أن واجهت انتقادات عديدة من جانب بعض المعترضين الذين اعتبروا أنها «تمنح فرصة للإرهابيين لخطف مزيد من الأمريكيين».

لكن التطور الأهم فى هذا السياق تمثل فى إجراء مفاوضات مع إيران انتهت بالوصول إلى تسوية لأزمة ملفها النووى فى 14 يوليو 2015. إذ يمكن القول إن أحد أهم أسباب نجاح تلك المفاوضات يكمن فى تغاضى واشنطن عن «خط أحمر» سبق أن أصرت عليه للدخول فى مفاوضات مع إيران، وهو وقف عمليات تخصيب اليورانيوم.

إذ أن إدراك إدارة أوباما لصعوبة تحقيق هذا الشرط بسبب تمسك إيران بمواصلة عمليات التخصيب ونجاحها فى إحراز تقدم واضح فى هذا الإطار، دفعها للتراجع عنه بشكل أدى إلى إبرام الصفقة فى النهاية.

هنا بالتحديد يمكن القول إن ثمة اعتبارات عديدة هى التى دفعت واشنطن إلى تحويل «شروطها المُسبقة» إلى «شروط مؤجلة». إذ أنها تسعى إلى الخروج تدريجيا من مناطق الأزمات فى المنطقة، وترغب فى دفع القوى الرئيسية الشرق أوسطية لإجراء حوارات ثنائية ومتعددة قد تؤدى إلى الوصول لتسوية لبعض تلك الأزمات. إلا أن تحقيق هذه الأهداف لا يبدو مضمونا فى منطقة تتسم تفاعلاتها وصراعاتها بسيولة غير معهودة، ليس فقط لصعوبة الوصول إلى توافقات إقليمية فى الوقت الحالي، وإنما أيضا لتصاعد الصراع بين قوى إقليمية ودولية عديدة على ملء الفراغ الناتج عن الانسحاب الأمريكى تدريجيا من المنطقة.


لمزيد من مقالات محمد عباس ناجى

رابط دائم: