رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

منمنمات ثقافية
الهندسة الثقافية وقضايا التنمية (5)

على مدى الأسابيع الماضية عرضنا بإيجاز نتائج دراسات أثبتت أن الثقافة بعد أساسى للوصول لتنمية مستدامة تتكامل محاورها اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وبيئيا وتربويا وإعلاميا، الفاعل فيها والهدف النهائى لها «الإنسان». ولأن الثقافة معامل رئيسى فى ضبط التفاعل الاجتماعي، وفى توجيه سلوكيات البشر، وتشكيل الواقع الاجتماعي، ولأن أحوالنا المصرية تؤكد أن التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكم المتناقضات التى شهدها مجتمعنا، إضافة لمؤثرات الثقافات الدخيلة، كلها تحالفت تترك بصمتها على الثقافة المصرية، سواء من حيث التباس المعانى والمفاهيم، أو غياب الرؤية وتغييب الهدف، الأمر الذى انعكس بدوره سلبا على أداء الهيئات المنوطة بالعمل الثقافي، وعلى المنتج الثقافى والمتلقي، أظن أن محاولة استعادة المواطن المصرى وتأهيله ليكون القوة الضاربة فى معركة التنمية لن يتسنى تحقيقه إلا بإصلاح المنظومة الثقافية، وتحسين أداء القائمين عليها لمواجهة محاولات تزييف الوعي، وترهل العمل الثقافي، والانفصام بين النخب وعموم الشعب ومركزية الثقافة وتراجع الخدمات الثقافية فى الأقاليم والمناطق النائية.. و.. و..

فالرصد السريع لواقعنا الثقافى يكتشف أن قدرا لا يستهان به من مشكلاتنا الثقافية، من قبيل تضارب الرؤى حول مسئولية الدولة فى دعم العمل الثقافى، ومشكلة تمويل الأنشطة الثقافية، وتضارب اختصاصات القطاعات الثقافية، يكمن فى عدم تطبيق المعنى العلمى الدقيق للإدارة، وبتعبير أوضح غياب التنظيم وفق أهداف معينة واضحة، والعجز عن تحديد أوجه الخلل، وبالتالى الفشل فى تبنى استراتيجية للعمل الثقافي، فطبقا لتحليل كايكل كايزر رئيس مركز جون كيندى للفنون فى كتابه «التخطيط الاستراتيجى فى الفنون» الذى سبق أن عرضنا له فى منمنمة سابقة، العمل الثقافى تحول لصناعة يحكمها ويحدد مسارها منهج الإدارة، والعوامل والأطر الحاكمة لأى صناعة أو عملية إنتاجية فى المجتمع لاكتشاف الأخطاء وتصحيحها. وإذا ما حاولنا اختبار صدق نظرية كايزر من خلال أمثلة من واقعنا الثقافي، سنكتشف أن ضبابية الأهداف وغياب خطط العمل والبرامج الملائمة للجمهور المستهدف من العمل الثقافي، وللبيئة المحلية المتلقية له، عدم المتابعة أدى لانحراف عدد من النوادى الأدبية وجمعيات رواد الثقافة فى المحافظات عن رسالتها، وتحولها لنشاط مختلف يدخل فى إطار جمعيات الخدمات الاجتماعية!! فبعض النوادى والجمعيات الثقافية انصرفت عن دورها الأصلى فى تفعيل العمل الثقافي، وتحول اهتمامها لتنظيم رحلات الحج والعمرة والمصيف لأعضاء معظمهم ليس معنيا بالأدب، أو بالشأن الثقافى، فأصبح الجانب الخدمى والتجارى عنوان نشاط هذه الجمعيات!! ولعل المثال السابق وغيره من الممارسات الثقافية غير المثمرة يوضح للقارئ وللقائمين على أمر الثقافة فى المحروسة أهمية تحسين أساليب إدارة العمل الثقافى بدءا بتحديد المشكلة، ثم وضع الخطط وتحديد الأهداف واختيار المتخصصين القادرين على التنفيذ، فطبقا لمقترح كايزر فى دراسته يتحتم على المؤسسات التى تستهدف البنية الثقافية للمجتمع تطببق نفس المنهج المتبع فى المشروعات الصناعية، بدءا من دراسة الجدوي، وتحديد الموارد المتاحة وتوظيفها للوصول للهدف فى ضوء دراسة البيئة المحيطة بالمنتج داخليا، وصولا لطرح البرامج التنفيذية، وطرق تقييمها من خلال النقد الذاتى، وإعداد برامج رفع كفاءة العاملين، ودراسة الجمهور والهيئات المشابهة والمنافسة، وتحديد المجال الجغرافى المأمول التأثير فيه، وتوفير الموارد المالية والبشرية لإعداد المنتج الثقافى.

وفى سياق تحديد الهدف وآليات تحققه، أظن أنه من الضرورى تأكيد حقيقة أن الثقافة صناعة ثقيلة هدفها الاستثمار فى الإنسان، وأن التجارب والدراسات أثبتت فشل تطوير المنظومة الثقافية الحاكمة لسلوك وفكر البشر من خلال قرارات فوقية أثرها مؤقت، فالتغيير عملية معقدة طويلة المدى لابد أن تبدأ من بين الناس ولتتشربه التربة الوطنية، ويصبح جزءا أصيلا من البناء النفسى والعقلى لأبناء الأمة، الأمر الذى يستلزم ألا تتخلى الدولة عن دورها فى إحياء الثقافة الوطنية، واستدعاء الذاكرة الجماعية، وتحصين الهوية الثقافية، مع الحرص على تفاعلها مع الثقافات المختلفة، ودعم منظومة العمل الثقافي، وتأمين وصول المنتج الثقافى لكل المواطنين، ووضع سياسة ثقافية تلتزم بها الأجهزة المنوط بها العمل الثقافى والمؤسسات الإعلامية والتعليمية والدينية، وتقديم الدعم المادى والمعنوى للهيئات الثقافية الأهلية لتشجيع الإبداع.

وتبقى كلمة أخيرة.. فتجارب الشعوب والدراسات تؤكد أنه لا نجاح للتنمية إلا بسياسة ثقافية غايتها الاستثمار فى الإنسان، وأدواتها تعده لاستيعاب مشكلات واقعه، وتؤهله لحلها، والتغيير نحو الأفضل.. فمتى نبدأ نحن؟!

http://[email protected]


لمزيد من مقالات سناء صليحة

رابط دائم: