رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

مذكرات زوجة ديستويفسكى «2»

ولدت أنا جريجوريفنا فى 12 سبتمبر 1846، بسان بطرسبورج ــ وتوفيت 9 يونيو 1918، بيالطا.ـ كاتبة مذكرات، مختزلة، ناشرة. والزوجة الثانية لفيودور ميخايلوفيتش ديستويفسكى منذ عام 1867. كتبت سيرة حياتها مع ديستويفسكى التى نشرت للمرة الأولى عام 1923. تنتمى لأسرة الموظف البسيط من بطرسبورج: جريجورى إيفانوفيتش ستينكين. كان أبوها محباً للحياة. وكان فى شبابه مولعاً بالمسرح والأدب، إلى جانب أنه كان من أشد المعجبين بأعمال ديستويفسكى.

وقصة تعرفها على ديستويفسكى بدأت عندما أوصى أحدهم ديستويفسكى بأن تعمل لديه هذه المختزلة المبتدئة وفى الرابع من أكتوبر 1966 تم التعارف بينهما. وعن هذا اللقاء يحكى ديستويفسكى فى أحد خطاباته قائلاً: «أرسل إليَّ أو لخين، أستاذ الاختزال، أفضل تلميذاته، كانت أنا جريجوريفنا ستيتكينا فتاة فى ريعان الصبا، تبلغ من العمر عشرين عاماً، جميلة، من أسرة طيبة، أنهت المدرسة الثانوية بتفوق، تتمتع بشخصية واضحة وديعة للغاية، وقد سار عملنا معاً على نحو رائع». ويكتب ديستويفسكى عنها: لاحظت أن المختزلة تحبنى بإخلاص، على الرغم من أنها لم تذكر لى كلمة واحدة عن هذا الأمر. أما أنا فقد كان إعجابى بها يزداد يوماً بعد الآخر، ومنذ مات أخى وجدتنى أشعر بوحشة رهيبة وأصبحت حياتى صعبة، عندئذ بادرتها بطلب الزواج. إن الفارق بيننا فى العمر شاسع. كانت هى فى العشرين وكان هو فى الرابعة والأربعين، أى أن سنه أكثر من ضعف سنها. ومع هذا يقول: ولكن قناعتى تزداد أكثر فأكثر أنها سوف تكون سعيدة. إن لديها قلباً وإنها لقادرة على الحب.

ثم تشرح حبها له. وهو شرح مهم لأن من تقوم به هى زوجة فيدور ديستويفسكي. الروائى ــ ربما الوحيد فى تاريخ كتابة الرواية ــ الذى يوصف بأنه الروائى الوحيد الذى استطاع أن يقيم علاقة إنسانية مع النفس البشرية فى أعمق أعماقها. وأن يقدمها فى رواياته بصورة تفوقت حتى على علماء النفس الذين جاءوا بعده. لذلك من الطبيعى أن تفهم أغوار النفس التى أمامها:

- «كان حبى عقلياً خالصاً، مثالياً، أمام إنسان موهوب إلى أبعد حد، إنسان يمتلك هذه الخصال النفسية الرفيعة، كانت روحى تتملكها الشفقة نحو هذا الرجل الذى عانى الكثير ولم يعرف السعادة والسرور قط على أن هذا كله لم يكن سوى المشاعر السامية والأحلام التى كان باستطاعة الواقع القاسى أن يحطمها.

لقد حل بى شيئاً فشيئاً زمن الشك وسوء الفهم بفضل تلك الظروف التى أحاطت بي. لقد أحببته حقاً بحرارة، على أن كبريائى لم يكن ليسمح لى أن أبقى معه لو تأكد لى أنه لم يعد يحبني، بل لقد تصورت أيضاً أن عليَّ أن أضحى من أجله، أن أتركه ما دامت حياتنا معاً، كما يبدو صعبة عليه».

استطاعت أنَّا جريجوريفنا، على وجه العموم، أن تحيط صحة زوجها المعتلة بالرعاية التامة وأن تضعه، حسب تعبيره، على أكف الراحة كما لو كان طفلاً، كما أظهرت كثيراً من اللين والتساهل فى معاملتها إياه ممزوجاً باللباقة المهذبة، أن فيودور ميخايلوفيتش وأسرته، وعلى نفس الدرجة أيضاً كثيراً من المعجبين به، مدينون جميعاً بعدد من سنوات عمره لها.

بعد رحيله عن الدنيا ظلت أنا جريجوريفنا فترة طويلة محجمة عن كتابة مذكراتها كما ظلت أيضاً راغبة عن نشر خطابات ديستويفسكى التى كتبها إليها، تقول أنَّا فى حديث لها إلى الصحفى ك. ي. أتينجر: «لست أديبة، ناهيك عن إحساسى بالخوف أن يعد الناس هذا العمل نوعاً من الزهور والغرور، فضلاً عن ذلك فأنا أرى أنه من المستحيل أن أقوم بنشر خطابات فيودور ميخايلوفيتش لى قبل وفاتي، ليس لديَّ أى قدر من الغرور. إن الناس يولوننى قدراً كبيراً من مشاعر الحب والتقدير بصفتى أرملة ديستويفسكى، الأمر الذى يجعل من الرغبة فى تحقيق مجد شخصى أمراً غريباً عنى تماماً.

إن الرجل العبقرى عندما يغادر الحياة يترك أهم ما لديه ــ أعماله التى تسجل حكمته وعاطفته وسمو روحه، ولكن يظل فى جانب منه دائماً لغزاً ــ لقد كان ديستويفسكى محقاً تماماً عندما قال عن بوشكين إن على معاصريه ومن يجيئون من بعده أن يكشفوا لغزه.

على أن ظهور مذكرات معاصرى الكاتب التى كثيراً ما شوهت بفظاظة شخصية الكاتب واعتبارها شخصية قدرية، ثنائية مريضة، عابسة، متجهمة، مُعذّبة، يعد أهم الأسباب التى دفعت أنَّا جريجوريفنا لإعادة الحقيقة والحديث عن ديستويفسكى الحقيقي. إن النجاح الكامل فوق وسع أى كاتب مذكرات. من المعروف أن ديستويفسكى فى نوبة من نوبات الصراحة القاسية قال: «إن أسوأ ما فى الأمر أن طبيعتى سافلة وشهوانية للغاية، إننى أندفع إلى أقصى حد فى كل شيء، لقد قضيت عمرى كله منطلقاً وراء الشيطان.

تتسم مذكرات زوجة ديستويفسكى بالعمق والمحاجاة والبساطة والطبيعة، مستهدفة بذلك، بالدرجة الأولي، أن تقدم لقراء ديستويفسكى كتابهم بكل جوانبه المضيئة وأخطائه على نحو ما كانت عليه تماماً فى حياته العائلية والشخصية».

يقول أبوللون مايكوف، أحد أقرب الأصدقاء إلى قلب ديستويفسكى، فى الكلمة التى ألقاها فى الوداع الأخير للكاتب، إن أحداً ليس باستطاعته أن يجيب عن سؤال: من هو ديستويفسكى؟، إلا أصدقاؤه، وأقاربه. يقول مايكوف: اسألوا أنَّا جريجوريفنا عن فيدور ديستويفسكى، ستقول لكم: أوه، كم كان زوجاً رائعاً! كم أحبني، وكم أحببته!» وماذا سيقول عنه أصدقاؤه، ستتناول إجاباتهم، ربما، كثيراً من التفاصيل، وكثيراً من المواقف المتناثرة، وأيضاً كثيراً من النوادر والطرائف، لكنها لن تجيب بأى حال على الأسئلة الملحة.

لكن يبقى السؤال من هو المترجم الذى أمتعنا بمذكرات لن ألخصها لأن التلخيص لا يغنى عن قراءتها أبداً. أنور إبراهيم ترجم لنا: تطور الفكر الاجتماعى العربى من 1917 إلى 1945، العربية السعودية والغرب. تاريخ القرصنة فى العالم. الإمبراطورية العثمانية وعلاقاتها الدولية. الاستراتيجية الأمريكية للقرن الحادى والعشرين. نماذج من النقد الروسى الحديث. مسرح الفنان فى روسيا وألمانيا. عمارة المسرح فى القرن العشرين. ذات يوم فى مصر (شهادات الخبراء السوفيت على حرب الاستنزاف). الروائى ومدينته.


لمزيد من مقالات يوسف القعيد

رابط دائم: