رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

سنوات اليتيم التائه - 1

أحمد الشيخ - ريشة أمانى زهران
سأبوح لكم بسر حاولت أن اخفيه وأداريه عنكم وعن نفسى لأنساه أو اتناساه لأريح قلبى من عبء المخاوف التى أراها كل ليلة مناما مخلوطا بالصحو وكابوسا يتكرر بنفس تفاصيله وشخوصه وبناياته ،

 ولعلنى أرجأت البوح لكم خوفا عليكم لو صدقتمونى أو خوفا منكم لو كذبتمونى ، هى حالة نادرة تتعادل فيها المخاوف على الذات وعلى الآخر لو بحت بها ، وتعادل مخاوفى منكم لو كانت حكايتى محبوكة بحساباتكم ، فلو صدقتموها زودتم مخاوفى منكم وعليكم برغم أنكم رفاق العمر وشركائى فى مشوار محاولاتى المتواصلة لتحسين حالتنا فى بيوتنا ومطالب عيالنا بمردودها الهزيل ، فقد صرت فى انصاف الليالى أتسمع صوته ينادينى لأفتح له باب المسكن فأقوم من قعدتى مرعوبا ثم أتجاسر على الوقوف والاقتراب من الجدار الذى يتوارى خلفه مثلما أتوارى خلفه ، واعيا أنه جدار هزيل ومصنوع من عيدان الحطب والبوص المتجاورة لتسمح لطرف سكينة بالدخول على مهل ، وحينما يتأكد هو مثلما أتأكد بأنه سلاح قاطع وحدّه العابر ممدود لنصف متر او يزيد ، ولامعا ومسنونا وهو جاهز للوصول لأى حيز يتجه إليه ، أسأله عن مطلبه فيرد بنبرات صوته وهو يتظاهر بالرقة المفتعلة لكى يطمئننى بأنه لو دخل مسكنى فلا ضرر ولا ضرار ، ويتشاكى لأنه لسوء حظه محاصر بروايات شاعت عن الشر الكامن داخله وهو البرىء المسالم ، بل العاشق لكل ناس الشارع والحى ثم يقسم أنه برىء ووحيد يسعى للحصول على الونس المستحق له من بعض الناس الودعاء أمثالى ، فأتوه ثم اتنحنح لأسكته لفترة تتشكل فاصلا لأتنفس بحرية ولأستعيد قدرتى على مواصلة الوقوف بعد الجلوس فترة لا تزيد على دقائق على طرف المقعد كى الملم خلالها قدراتى وأعاود الوقوف وسماع كلماته ، أفكر فى فتح الباب ليدخل ضيفى او أبقى فى مكانى فى حيز فاصل بين الزقاق الذى يقف فيه وجدار مسكنى وهو يرفع سلاحه القادر على اقتحامى بعبور الجدار أو حتى بتحريك طرف سلاحه العابر ليطالنى ، فأتراجع للوراء وأعاود الجلوس على فراشى ثم أتمدد لارتاح ويعاودنى النوم فأنعم بالغفلة الخاطفة وأرتاح من العناء والوقوف بقدرة الساقين على حمل بدنى بغير هزهزة تنذرنى بالسقوط أرضا لكن الغفلة لا تطول ، لأننى اصحو على نفس الصوت المتوعد المهدد المسنود على سن سلاحه الباتر ممسوكا بكفه الغليظ، وعلى نحو متكرر أقوم مكرها لأقترب من سن سلاحه العابر لجدار المسكن والممسوك بكفه ، ومرة أخرى يدور بيننا الحوار بتفاصيله وينتهى بانسحابى من المواجهة والتمدد على فراشى لأحمى نفسى من السقوط الناتج عن عجز القدمين عن حمل البدن لأى مدة تزيد عن قدراتهما على حملى او إحتمالى ، يتوه الوعى منى فأشعر بالغفلة بلا مقدمات ولا أشعر بغير نزيف الدم يبلل صدرى ، واتحسسه بالكفين فأراه يتساقط نقاطا تبعث اليأس الكامل من الخروج سالما من تلك الحالة أو وجه هذا الرجل الواقف قبالتى وسلاحه المشهر ثابت فى مكانه ونصلة يقترب ببطء من صدرى ، ولا أملك القدرة على الحركة لأفر منه بينما أسمع صوته وهو يتضاحك شامتا وواثقا من قدرته على تأدية مهمته التى كلفوه بها ليتخلصوا منى بلا مؤشرات تبين لمن يأتى من هو الجانى أو من هم الجناة ؟ لكننى صرت له ضحية

..........................

ظللت أواصل محاولاتى وأسعى بدأب متساندا على رغبتى فى تنفيذ وصاياه التى يواصل بثها بلسانه على مسامعى منذ بدايات صحوى للحياة ، ولأن تنفيذ وصاياه كان عسيرا فى البدايات بنفس المفردات التى اسمعها منه ولم تكن لها دلالات لوعى الطفل الذى لم يكتمل نموه وهو فى شهره الأول ليتشكل وعيه ، لكن بعض معانيها كانت من كثرة التكرار تدعونى وتقودنى لأن اتحسسها وأحاول أن اتفاعل معها فى بعض الحالات لأنها متشابهة وتقودنى لدخول الحيز المفتوح للتفاعل معه ، هل كنت أستجيب لبعض مقاصده بغير وعى ليطمئن لإمكانيات بقائى ليرانى تعويضا عنها بعد رحيلها فى اعقاب ولادتى ، ومرور الأيام بعد ذلك يدعونى لأحشد قدراتى وأحاسيسى أكثر لابقى دون الوعى أو التدابير، لكننى تعلمت فى الأيام والشهور التالية بعد ذلك بعض أمنياته وأمنياتى واقتربت من صواب إحساسى به مصحوبا برضاه عنى وهو يضمنى باحضانه بحب ويقبلنى فأشعر بالدفء ، وربما كنت اتلهف على خطواتى الأولى بالفطرة لأحشد قدراتى وأتابعه وأتفهم بعض مفرداته وأستجيب لتنفيذها وأنا أبدأ الحركة ، فازحف نحوه مستجيبا لإشاراته وأبتسم مستجيبا لبسماته ، ولا بد أننى تجاسرت بمساعداته لأخطو أولى خطواتى وربما امشى نحوه أو أجلس تنفيذا لوصاياه التى ينصحنى بها لأرتاح دونما كلل أو ملل وعزمه يتنامى متسارعا ويصلنى على مهل ، كنت أستعيد وجه ابى إذن وهو يوصينى بالإعتماد على روحى فى مستقبل أيامى ، ويأمرنى بأن أمنع نفسى من طلب المساعدة من أحد بعد أن صار ممكنا أن أسير إلى جواره ، ومؤكدا لى أن طلب المساعدة ضعف واعتراف مسبق بالعجز المستهجن وهو لا يليق، لعلنى فى تلك المرحلة الحرجة لم أكن جاهزا لأتعرف على تقاطيعه وأنا أسمع صوته فى الصحو والمنام بنفس إيقاع العبارات التى يحدثنى بها عن نفسه وأنا فى سنوات الطفولة المبكرة ، ليجهزنى لأومن بفكرة مؤداها أن أرواح من رحلوا لا تغادرنا أو تتخلى عنا، تحوم حولنا بإرادتها لتواصل دورها معنا ولتحمى السلالة من مصاعب الحياة بتوعيتنا بما يلزم أن نقوم به لنكمل مشاريعنا فى الحياة لصالح الأجيال التالية ، فهل يمكننى ان ابوح لكم بما شعرت به فى مرحلة غامضة ؟ وأرجوكم ان تتملهوا قبل اتهامى بالجنون ؟ هى مغامرة منى على أى حال ولم يكن لدى بديل أو قدرة على تجاهلها لأننى لا أملك غير طرح فكرتى متمنيا أن تتوافقوا معى فربما أنال بعض قبولكم لفكرتى أو على سخرياتكم لأن الكامن يأعماقى كان شعورا بالطمأنة لأن سلالتنا منسوبة لفراعين قدامى حدثونا عن خلود الأرواح فى بردياتهم وحنطوا ابدان من رحلوا ثم أسكنوهم مقابرها البراح التى حولوها حصونا ببطون أهرامات او فى سراديب الجبال الممدودة فتحولت إلى علامات تتحدى الفناء ، ونحن نزورها واثقين أن الأرواح الهائمة ستسعى فى الزمن الآتى لتسكن أبدانها مرة أخرى بعد أن تتجدد خلاياها لتخطوا خطواتها الأخيرة وتؤكد خلودها، وعفوا لأننى اواصل مشوارى معكم ليتأكد تصديقكم لما كلفت روحى بأن انسخه لكم بالقلم المستورد الذى يتشابه مع قلم جالس القرفصاء وقد كلف روحه بتسجيل خطايا الفراعين وأعوانهم ولكنه لم ينس عطاياهم لرعاياهم وبراعتهم فى الدفاع عن حدود وطنهم ضد الغرباء ، لأن بعضهم سعوا لكسوة العريان وإطعام من لم يتوافر لهم القوت الكافى ببلادهم فأتوها وجاءوا إلينا وسكنوا بيوتا آمنة وتعايشوا مع فلاحنا القديم، وبينهم أرباب حرف وفدوا من بلاد بعيدة وسكنوا فى مربعات تخصهم لكنهم تعاملوا مع الكل خياطين وخبازين وصناع أوعية وقد علمهم اصحاب الدكاكين اصول أى صنعة ، وبمرور الأيام تآلفوا مع ابناء تلك المدن وصاروا يتكلمون نفس اللغة ويؤمنون بنفس العقيدة، يبحثون عن الرزق مقابل العمل ثم ينالونه ويتقاضونه أجورا وقد صاروا متمصرين يشاركون ناسنا فى أركان هذا الوطن بكل ألفة وسلام ، يعبر أيهم الحدود ليتاجر أو ليمتهن مهنة ويأخذ أجره دونما تفرقة ، ولأن الزمن يطول فإنه يتعلم لغة الناس ويحاورهم وقد صار واحدا منهم وأرض الوادى براح ، فالنهر يرويها والنبت يكسيها والوافد يذوب فيها ويلتحم ببنيها.

..........................

ولأن هذا الوطن صار فى بعض الأزمنة مطمعا لغرباء يتجاسرون ويقتحمون حدوده غزاة بأسلحة تستبيح دمنا وأرواح الأبرياء فيصحوا ناسنا من غفلتهم ويحملوا السلاح ليدافعوا عن أرضيهم ويحموا ناسهم ، ويفر الغزاة من مكان إلى مكان فلا تطيب لهم أرض ولا يحميهم أو تفيدهم أسلحة الغدر حتى وهم يتحصنون بأراضيهم ، وقد فروا إليها لتكون ملجأهم ، لكنها عجزت عن حمايتهم ، لكن أرواح الأجداد لا تكتفى بفرار الغزاة من أراضيهم فيطاردونهم ليتأكدوا من فناء المعتدين وأن يكتمل انكسارهم ولا تطيب لهم حياة فيعاودوا الفرار بعد الفرار، والآباء والأجداد يتعقبونهم ويدمرون قلاعهم وحصونهم ، ثم يأسرون من احتموا بسراديبهم فلا تحميهم ويتحولون من غزاة غادرين إلى أسرى عبيد وحفاة ربطوهم بالحبال من أعناقهم ليباعوا بأسواق الرقيق لمن يدفع ثمنهم فيمتلكهم لأنه اشتراهم وامتلك مفاتيح قيودهم , فهل نستجيب لوصايا الأجداد والآباء الذين سبقونا وعاشوا على هذه الأرض وزرعوا بعقولنا بذور مشاعرنا لنعشق أراضينا ونقتدى بوصاياهم المكتوبة على أوراق البردى ، والتى يمكن أن نتشابه مع وصايا كان أبى ينطق بها أحيانا ؟ «لا بد أنكم تتذكرون ما بدأته آملا فى التواصل معكم لنواصل السعى بكل مرحلة فى مشاويرنا ، ومراحل التاريخ تتوالى وتتتابع متسارعة أو بوهن لكنها لا تنمحى بل تبقى فى الذاكرة وصايا يلزم علينا أن نستجيب لها ، ولأنها مغزولة بكتان أو صوف أو حتى تيل زرعته أجيال لينتفع بها أجيال تأتى بعدهم ، وتماما مثل نخلة البلح التى تعبر بذرتها الزمن الذى وضعها أحد الآباء أو الأجداد فى طمى الأرض بناصية حقله أو بصحن داره وبغير أمنيات أن يعيش حتى تنمو بذرتها على مهل وتصير نخلة مثمرة، وربما لا يصل لفم من زرعها فى زاوية الحقل الذى تحول الى مدينة وانشأها ورعاها بحيز من حقله او فى صحن داره ثمرة من اول طرح جادت به البذرة التى حفر لها قوم فروعها ولم يبخل ببذرتها على أرضه ولا بجهده فى الرعاية والمتابعة ، وكأنه زرعها لأجيال تأتى من بعده وتسكن داره وتزرع أرضه ميراثا شرعيا للأبناء والأحفاد.

ها أنذا اعود بكم لما حدثتكم عنه قبلا حول الوصايا المبكّرة فى حياتنا عن وصايا سمعتها من أبى وطالبنى بألا اطلب مساعدة من الغرباء أو الأقارب ، لأن طلب المساعدة انكسار وتواكل واعتراف بالعجز عن التجريب ، وهى همسات وهمهمات وغمغمات وتربيتات وكلمات لم نعرف دلالاتها ، لكننا لو سمعناها من الآباء وبالقطع من أى أم نتذكرها دائما ، لكننى أبوح لكم الآن أننى لم أنعم بحضن الأم أبدا، وكنت أقرب للرحيل المبكر لحرمانى من كفها الحنون الذى لم يتحسسنى ليروى عطشى ويزيح جوعى فى الوقت المناسب، وكثيرا ما كان يصيبنى الجفاف فى بداية الحياة ويكوينى مثلما كابدت منه بأشكال مغايرة طوال أيام العمر، ولولا الرجل الذى كان يضمنى ويلقمنى حلمة صناعية لتنقل لبنها الصناعى لأمعائى ما عشت ولا بحت لكم بما قام به أبى، وقد كنت أشعر بخشونة بعض الشعيرات النابتة فى ذراعه أو صدره ممزوجة بالجرعات التى امتصها فتفزعنى خشونة كفيه وأتحرك راغبا فى الإبتعاد عنه لكنه كان يواسينى ويداوينى قبل أن يدفئنى بصدره البراح الخالى من النعومة ، كان يضمنى إليه برفق أستشعره اكثر كلما مرت بنا الايام أو الأسابيع المتعاقبة أو الشهور فأشعر بالراحة ، ولأنه كان يوصينى قبل أن ادرك دلالة الكلمات أو الوعى بها إلا بمشاعر غامضة أتمنى أن أنحقق منها بطرح سؤالى أو أستفسارى لكننى لا أنطق بكلمات أو أحاول نقل ما أحس به اليه ولا أتمكن أبدا لكنها كانت حالات تتطلب الاستجابة لوصاياه التى لم أتفهمها منه فظلت فى مربع المشاعر المخزونة فى الحشايا عن الشبع والجوع وقبول العطايا والحرمان ، أو تناول الجرعة دون طلب ، وكانت المساعدة مجانية لا تتشدق بالعطاء او تتباهى برحمة الضعفاء او رعاية الأيتام

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق